قبل ما يقرب من خمسة آلاف عام، كان الفراعنة يحتفلون فى الربيع بيوم أطلقوا عليه اسم «شمو» وارتبط هذا اليوم عندهم باعتدال درجة حرارة الجو، والرائحة الذكية التى كانت تملأ الأجواء نتيجة تفتح أزهار معظم النباتات ذات الرائحة الطيبة، والتى ساعد على انتشارها المساحات الخضراء الشاسعة.. فكانوا يخرجون إلى ضفاف النيل والشوارع والحدائق للاستمتاع بيوم تتجلى الطبيعة فيه بأجمل ما تملك من ألوان تسر العيون.. ورائحة طيبة تنعش النفوس.. وهواء نقى يريح الصدور.. والآن.. مازلنا نحتفل بهذا اليوم مع اختلاف شيئين: أولاً على مر السنين تحول اسم ذلك اليوم إلى «شم النسيم».. والثانى أن الهواء الذى نستنشقه ورائحة العوادم والدخان والقمامة التى تملأ الشوارع والتى أصبحت مصدرا لكثير من الأمراض وأخطرها السرطان، والشوائب والملوثات التى يحملها إلينا هذا النسيم العليل، تتعب قلوبنا وتنهك جهازنا التنفسى. وبحسب خبراء البيئة بالمركز القومى للبحوث «يتجول فى القاهرة يوميا أكثر من 3.5 مليون سيارة والكارثة الحقيقية أن معظم هذه السيارات لا تعمل بكفاءة فى حرق الوقود ما ينبعث عنه غاز أول أكسيد الكربون السام بدلاً من غاز ثانى أكسيد الكربون، إضافة إلى أكاسيد الرصاص الناتجة عن مسابك الرصاص وعوادم السيارات غير المطابقة للمواصفات، والمصانع المخالفة.. إضافة إلى آلاف الأطنان من القمامة التى يتم التخلص منها عن طريق الحرق.. وأخيراً ما شهدناه من ظاهرة السحابة السوداء الناتجة عن حرق المخلفات الزراعية. ووزارة البيئة لا تستطيع وحدها السيطرة على الموقف، فكل ما تقوم به عبارة عن برامج محددة، معظمها رقابى وغالبيتها ممولة من الخارج لضعف ميزانيتها.. ولكن عدم تعاون المواطنين وأصحاب المصانع ومسابك الرصاص مع الدولة يجهض كل مجهوداتها ويزداد الأمر سوءاً يوما بعد يوم». من ناحية أخرى، يحذر الدكتور سامى منصور، إخصائى أمراض القلب، من المعدلات التى وصل إليها تلوث الهواء قائلا: «الهواء الملوث بالجزيئات السامة مثل أكاسيد الرصاص تسبب التخلف العقلى للأطفال وتشوه الأجنة والشعور بالخمول والكسل خاصة لرجال المرور المتواجدين فى الشارع لفترات طويلة، وفى ظل هذه الملوثات خاصة مع نشاط الرياح تزداد مخاطر الإصابة بالأمراض على قدر مناعة كل شخص ابتداء من التهابات الرئة والأنف والعين وانسداد الأوعية الدموية وأخيرا السرطان.. وقد وصلنا إلى درجة نحتاج فيها ارتداء كمامات أثناء تواجدنا فى الشارع وهذا ما يفعله الأجانب عند زيارة مصر».