حينما تم غزونا بالهامبورجر والسجق الأفرنجى والدجاج المقلى، أصبح «الساندويتش» الذى ثمنه من المواد السالفة الذكر خمسة عشر جنيهاً أو عشرة لو انخفض سعره- أصبح شيئاً عاديا وتوارى ساندويتش الطعمية والفول أبوشلن، ولم يصبح له مكان فى المزاج المصرى وتسابق الإنسان المصرى أطفالاً وشباباً وشيوخاً، على المستورد من الطعام، وأصبح «الديليفرى» أى الواصل للبيت، موضة وتفاخرا والنسوان يتشدقن فى النوادى: - الولاد بيحبوا الديليفرى! - والله يا أختى وجوزى كمان. حتى الكشرى أصبح الجاهز منه هو الأفضل، ورفعت السلع الغذائية أسعارها فى مقابل أسعار الهامبورجر والدجاج، ارتفع ثمن ساندويتش الطعمية إلى ربع جنيه، وكذلك الفول، ناهيك عن ارتفاع أسعار الجبن، وهى ملكة المائدة الآن ولا يصل إليها الفقراء. ولكن الغريب أن الطبقة الكادحة.. تكدح من أجل «ساندويتش» هامبورجر أو «سوسيس» واسم الدلع السجق. سألت امرأة عاملة فى البيوت ماذا ستفعل بالخمسين جنيهاً التى ستأخذها من عمل اليوم، قالت بلا تردد: - حاخد الولاد لمطعم الهامبورجر اللى ع الشارع.. أهو يشوفوا الدنيا وياكلوا أكلة حلوة. - ده إنت ممكن بخمسين جنيه تعملى أكل تلات أيام.. فرختين بتلاتين جنيه وبيض وعيش وكشرى بالباقى! - وأحرم ولادى ليه.. هم أقل من غيرهم؟! حديث صحيح وبالتفصيل.. أصبح التباهى بالطعام، ناهيك عن الملابس. وسعدت وفرحت وشعرت بأن الذين يعملون فى سوق الأطعمة فاقوا.. حينما أقاموا مطاعم فاخرة ذات أسماء مغرية.. وحملت شوقى للطعمية وذهبت إلى أحد هذه المحال على نيل القاهرة.. وأخرجت عشرة جنيهات، وفعلت مثل عادل إمام حينما أمسك قرطاس الخيار ؟؟؟ وقلت لصبى البائع: - من فضلك عاوزة علبة فول وعشر طعميات وعلبة طرشى. وأشرت بيدى إشارة يفهم منها خلى الباقى علشانك! تماماً مثل عادل إمام، فنظر لى صبى البائع متعجباً خجلاً ولكنه أفصح وقال: - حضرتك دى عشرة جنيه! - أيوه.. علبة فول.. وعشر طعميات وعلبة طرشى! - حضرتك الطعمياية الواحدة بجنيه.. أجيب لحضرتك بالعشرة طعمية وخلاص؟ لم أستسلم بسرعة ولحبى للجدل قلت له: - مافيش طعمية صغيرة بنص جنيه؟ - لأ.. الحقيقة مافيش. أخذت منه الورقة أم عشرة جنيه.. وقلت له: - على فكرة عنوان مقالى الجاى «الطعمياية بجنيه». - حضرتك بتكتبى؟ - آه.. عندك مانع؟ - لأ.. بس غريبة أوى إنك ماتعرفيش إن الطعمياية أصبحت بجنيه! اشمعنى الهامبورجر، ما هو الطعمية بالإنجليزى يعنى هامبورجر! قالها بتريقة.. تركته بسرعة.. وفكرت فيما وصل إليه الحال.. هذه الشقلبة.. الفقير أصبح لا يدرى أنه فقير إلا حينما يصبح معوزاً.. وإذا حصل على قرشين يتشعبط فى الهامبورجر!! ولا يفكر فى طعام الغد!! لم يعد لدينا أى فكر عن أى شىء واختلطت الطبقات فى أسلوب الإنفاق.. آسفة لم تختلط ولكن الطبقة الفقيرة التى ازدادت فقراً أصبحت تتشعبط فى الطبقة الأعلى عن طريق الطعام.. أما عن الطبقة المتوسطة فحدث ولا حرج، الجمعيات وصلت إلى مائة ألف من أجل حجز شاليه فى العين السخنة، حيث لم تلحق هذه الطبقة بمارينا ونما إلى علمها أن السخنة موضة! يشترك خمسون شخصا وشخصة فى جمعية بألف جنيه فى الشهر، والألف جنيه أصلاً من جمعية أخرى بعشرة جنيهات مع صلاح بتاع الخزنة.. وهكذا يعيش الناس أحلام الإعلانات.. سواء فى الساندويتشات أو الشاليهات أو السيارات، حيث أصبح إغراء شراء السيارة بأقل مقدم ممكن، وامتلأ الشارع بالعربيات، وامتلأت الساحة بتوكيلات شركات سيارات من كل الملل والنحل ويدفع مشترى السيارة قسطين أو ثلاثة ثم ينقطع شهرين أو ثلاثة وتسحب منه العربية دون أى حقوق له عند البائع! وأنظر حولى بأثر رجعى وأتذكر أستاذنا الراحل دكتور حامد ربيع فى كتابه «علم النفس الاجتماعى»، حينما ذكر لنا منذ خمسين عاماً كيف تتبنى وتأخذ الدول الفقيرة كل عيوب الدول الغنية من استهلاك فى الكماليات مما يوصل إلى عدم التوقف والاهتمام بالضروريات، فتتمزق القيم.. وهكذا أصبحنا جزرا كل جزيرة يحكمها مزاجها.. جزيرة حديد عز وجزيرة البرادعى ولو أنه ضرورة، وجزيرة حرب النساء وتكسير الطرق حتى لا تسير المرأة ويصبح بيت الشعر: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق بيت شعر مهزوزا على صخرة من مجتمع ذكورى.. وللحديث بقية. [email protected]