حل أزمة لاعب بوكا جونيورز قبل انطلاق بطولة كأس العالم للأندية    وسائل إعلام إيرانية: الصواريخ أصابت أهدافا في الجليل الأعلى وحيفا بإسرائيل    "بحضور لبيب لأول مرة منذ وعكته".. اجتماع لإدارة الزمالك لحسم ملفات هامة    رومانو يكشف النادي الذي يرغب جيوكيريس للانتقال له    قطاع المعاهد الأزهرية يفتح باب التظلمات على نتائج "الابتدائية والإعدادية" غدًا    أهم الأخبار الفنية على مدار الساعة.. تكريم أحمد حلمى فى مهرجان الدار البيضاء للفيلم العربى بحضور شيرى عادل.. وفاة شقيق لطيفة.. فيلم المشروع X لكريم عبد العزيز يقترب من حصد 105 ملايين جنيه إيرادات    وسائل إعلام إيرانية: الضربة الجديدة على إسرائيل تمت ب100 صاروخ    وزير قطاع الأعمال: نستهدف رفع الكفاءة التشغيلية بشركات الأدوية التابعة    منتخب كرة اليد الشاطئية يحرز برونزية الجولة العالمية بالفوز على تونس    وزير الشباب والرياضة ومحافظ الإسكندرية يفتتحان ملاعب البادل بنادي سبورتنج    "الأوقاف": بدء إجراءات التعاقد مع مستوفي شروط مسابقتي 2023 للأئمة وللعمال    "التعليم" تكشف تفاصيل الاستعدادات ل امتحانات الثانوية العامة غدًا    رئيس بعثة الحج السياحي المصرية: موسم الحج هذا العام من أنجح المواسم على الإطلاق    النيابة الإدارية تؤكد استمرار جهودها لمكافحة ختان الإناث ومحاسبة مرتكبيه    الرقابة النووية: مصرآمنة    وزير التموين: الاحتياطى الاستراتيجى من السلع آمن لأكثر من 6 أشهر    فات الميعاد الحلقة الحلقة 2.. أسماء أبو اليزيد تخبر زوجها بأنها حامل    نارين بيوتي تخطف الأنظار رفقة زوجها في حفل زفاف شقيقتها    أدعية مستجابة في شهر ذي الحجة    الهلال الأحمر المصرى: تنظيم حملات توعوية لحث المواطنين على التبرع بالدم    على البحر.. ميرنا نور الدين تخطف الأنظار بأحدث إطلالاتها    رئيس مجلس الشيوخ: الشباب المصري العمود الفقري للدولة الحديثة ووعيهم السلاح الأقوى لمواجهة التحديات    خبير: إسرائيل تحاول استفزاز حزب الله لجره لساحة الحرب    قائد بوتافوجو: مستعدون لمواجهة أتليتكو مدريد وسان جيرمان.. ونسعى لتحقيق اللقب    بيعملوا كل حاجة على أكمل وجه.. تعرف على أكثر 5 أبراج مثالية    محافظ المنيا يُسلم 328 عقد تقنين لأراضي أملاك الدولة    روبرت باتيلو: إسرائيل تستخدم الاتفاقات التجارية لحشد الدعم الدولى    مصدر ليلا كورة: الزمالك يرحب بعودة طارق حامد.. واللاعب ينتظر عرضًا رسميًا    نور الشربيني من الإسكندرية تؤازر الأهلي في كأس العالم للأندية    تعليمات لرؤساء لجان امتحانات الثانوية العامة بالفيوم    "الإصلاح المؤسسي وتحسين كفاءة الخدمات الحكومية".. جلسة تثقيفية بجامعة أسيوط    بأغاني رومانسية واستعراضات مبهرة.. حمادة هلال يشعل أجواء الصيف في حفل «بتروسبورت»    ديمبيلي يكشف عن الهدف الأهم فى مسيرته    شركة سكاى أبو ظبي تسدد 10 ملايين دولار دفعة مقدمة لتطوير 430 فدانا فى الساحل الشمالي    والدة طفلة البحيرة بعد قرار رئيس الوزراء علاجها من العمي: «نفسي بسمة ترجع تشوف»    تعاون بين «إيتيدا» وجامعة العريش لبناء القدرات الرقمية لأبناء شمال سيناء    رئيس الوزراء يتفقد مركز تنمية الأسرة والطفل بزاوية صقر    كأس العالم للأندية.. باريس الباحث عن موسم استثنائي يتحدى طموحات أتلتيكو    الأكاديمية العسكرية تحتفل بتخرج الدورة التدريبية الرابعة لأعضاء هيئة الرقابة الإدارية    امتحانات الثانوية العامة.. الصحة تعتمد خطة تأمين أكثر من 800 ألف طالب    محافظ كفر الشيخ يُدشن حملة «من بدري أمان» للكشف المبكر عن الأورام    لطلاب الثانوية العامة.. نصائح لتعزيز القدرة على المذاكرة دون إرهاق    السجن المؤبد ل5 متهمين بقضية داعش سوهاج وإدراجهم بقوائم الإرهاب    تخفيف عقوبة السجن المشدد ل متهم بالشروع في القتل ب المنيا    خبير اقتصادي: الدولة المصرية تتعامل بمرونة واستباقية مع أي تطورات جيوسياسية    أهم أخبار الكويت اليوم السبت 14 يونيو 2025    غدا.. بدء التقديم "لمسابقة الأزهر للسنة النبوية"    بريطانيا تنفي تقديم الدعم لإسرائيل في الهجوم على إيران    غدا .. انطلاق فعاليات مؤتمر التمويل التنموي لتمكين القطاع الخاص    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" ومؤسسة "شجرة التوت" يطلقان فعاليات منصة "القدرة على الفن - Artability HUB"    مصرع شاب سقط من الطابق الرابع بكرداسة    إيران تؤكد وقوع أضرار في موقع فوردو النووي    طلب إحاطة يحذر من غش مواد البناء: تهديد لحياة المواطنين والمنشآت    مدبولي: الحكومة تبذل قصارى جهدها لتحقيق نقلة نوعية في حياة المواطنين    الصحة: قافلة متخصصة في جراحات الجهاز الهضمي للأطفال ب«طنطا العام» بمشاركة الخبير العالمي الدكتور كريم أبوالمجد    حجاج مصر يودّعون النبي بقلوب عامرة بالدعاء.. سلامات على الحبيب ودموع أمام الروضة.. نهاية رحلة روحانية في المدينة المنورة يوثقوها بالصور.. سيلفي القبة الخضراء وساحات الحرم وحمام الحمى    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمَّا تفعله العبودية بالإنسان

لفت نظرى، فى العدد الأخير من ملحق ال«تايمز» الأدبى- وهى مجلة عريقة كان من بين كتابها فى السابق تى إس إليوت وفيرجينيا وولف وغيرهما- عرض لكتاب شغل الرأى العام الروسى طوال العام الماضى. لم أقرأ الكتاب بعد، لأنه لم ينشر بأى لغة غير الروسية حتى الآن، لكن ما اتضح من عرض التايمز- الذى قدمه جريجورى فريدين، أستاذ اللغات السلافية بجامعة ستانفورد- هو أن النص، المكون من أكثر من ثمانى مائة صفحة، يحكى فى إطار قصصى تاريخ الفترة السوفيتية الستالينية، بإنجازاتها وانتصاراتها العسكرية وأيضاً إجرامها الفج الذى نزل على الشعب السوفيتى كعقاب السماء.
أما العقاب الأعظم الذى نزل على سكان روسيا الحاليين فى نظر الكتاب، وعنوانه هو «الجسر الصخرى»، فيتمثل فى فقدان التواصل مع الحقبة السوفيتية، أى أن العقاب الذى نزل عليهم تجسد فى فقدان الإحساس بأنهم يعيشون فى بلد ذى رسالة واتجاه وشىء يعطيه للعالم، رغم تسلط نظامه وإجرامه. فى ذلك يعتقد فريدين أنه يمكن ملاحظة علاقة عضوية قوية بين قوة السلطة والمعنى الذى تعطيه لحياة رعاياها.
فمن خلال أيديولوجيتها الهادفة للتعبئة فى اتجاه محدد يتجه نحو «الخلاص»، أى نحو يوتوبيا العالم الاشتراكى القادم فى الحالة الستالينية، يمكن أن تعطى تلك السلطة معنى لحياة الجموع المقموعة، ذلك، لأن النظام الشمولى يوحى لتلك الجموع بأنها تشارك فى «إنجازات النظام»، وفى مسيرته نحو المستقبل الخلاصى.
ذلك رغم أن مشاركتهم فى الواقع لا تختلف كثيرا عن مشاركة العبيد فى بناء المعابد. لكن ربما لهذا السبب بالتحديد، لكى يتفادى المرء الساكن للمجتمع الشمولى مأزق رؤية نفسه فى صورة العبد، يحاول أن يقنع نفسه باتساق أيديولوجية وسياسة النظام مع نمط تفكيره وقناعاته.. ويكون ذلك أسهل بكثير فى ظل المجتمعات الشمولية الناجحة فى بداية تكوينها، ففى سياق هذه العلاقة السادوماسوشية، يضرب هذا الإنسان المقتنع بالنظام القامع له أكثر من عصفور بحجر: لأن هذا ال«اقتناع» يحميه نوعا ما من قمع السلطة، ويحميه من العزلة عن الجموع المؤيدة، ويعطيه الفرصة لتأييد المسيرة الخلاصية التى يتبناها النظام، فيتخيل أنه جزء من شىء مهم أكبر منه بكثير، شىء مهم يعطى لحياته معنى.
ذلك بالإضافة بالطبع للمنافع الشخصية العملية العديدة التى تعود على المرء المؤيد للنظام- وهكذا يندمج الجانب العملى بالجانب الفكرى، الذى يبدو عقلانيا، والمتجسد فى مشوار التفكير وال«اقتناع» بأيديولوجية واتجاه النظام القمعى الحاكم، وأيضاً بالنواحى الوجودية فى حياة الإنسان، أى بعملية محاولة إعطاء الحياة معنى عن طريق التشبث بالسلطة وبرنامهجا اليوتوبى، الذى يعفى الفرد من مسؤولية إيجاد هذا المعنى لحياته بنفسه بدلا من التمسح بالسلطة وشخصية بطلها الكاريزمى. من هنا تأتى جاذبية الأنظمة الشمولية الرهيبة، بشعاراتها الشاعرية الرنانة.
قادنى التفكير فى مقال فريدين بالطبع إلى حقبة مصر الناصرية، لأنها الحقبة المصرية التى كانت ربما أكثر شبها فى الكثير من جوانبها بالنظام الستالينى. فكما اقتنع الكثير من السوفيت بأن نظامهم المخيف كان يقود بلادهم نحو الحرية والاشتراكية، اقتنع الكثير من المثقفين عندنا أيضاً بأننا كنا نسير، لا سيما خلال عقد الستينيات، نحو نفس الهدف.
اقتنع بذلك بالذات الكثير من مثقفى اليسار الذين أقنعوا أنفسهم بأن الاشتراكية الممزوجة بالقومية- التى كان يتبناها النظام الناصرى، وكانت أقرب إلى أيديولوجيات النظم اليمينية المتطرفة الفاشيستية- تجسد الطريق الأمثل نحو الاشتراكية والحرية، فهللوا لقوانين سنة 1961 «الاشتراكية» وللميثاق الوطنى الذى صاحبها، وتبنوا أفكارا بدت براقة ومقنعة فى حينها، حتى جاء الانهيار.
وبعد الانهيار ظلت غريزة إدمان التشبث بالسلطة والقوة، الباقية من العصر السابق، سائدة فى المجتمع، لكنها افتقدت هذه المرة المعنى الذى يأتى من خلال الأيديولوجيات الخلاصية التى تتبناها الأنظمة الشمولية فى حقبة الشباب، ليبدو هذا التشبث فى واقعنا الحالى نوعا من الانتهازية التى يشمئز منها الشرفاء، لأن السلطة الشمولية فى مرحلة الشيخوخة قد فقدت القدرة على غسل الأدمغة التى كانت تتمتع بها فى الماضى.
مع ذلك، فى مثل هذه الظروف، تجد أن معظم المعارضة لتلك السلطة تتبنى نفس النزعات النابعة عن فترة شباب الحكم الشمولى- أى نفس الاشتياق للقوة الشمولية والأيديولوجية الخلاصية التى تعطى معنى واتجاها لحياة الإنسان. نجد ذلك الآن فى ترحم البعض على حقبة الستينيات بقاءها الكاريزمى، ونجده أيضاً فى التشبث بالأيديولوجيات الشمولية الخلاصية (ربما فى سياق دينى هذه المرة)، ونجده حتى فى صورة «البرادعى المخلص» التى تخللت خطابنا العام خلال الفترة الأخيرة.
والكثير ممن يتبنون تلك المواقف يرفعون رايات الحرية والتعددية، وربما حتى الاشتراكية والعدالة الاجتماعية، لكنهم فى الواقع يحلمون بعالم ترتبط به القوة والسلطة بمعنى حياة الإنسان، بعالم يستطيع فيه المرء أن يقنع نفسه بأن الخضوع للسلطة والتقرب منها يعبر عن شىء مشرف، فى سياق مسيرة خلاصية يقودها شخص على رأس دولة قوية وحدوية. ولا يقود ذلك الاتجاه بالطبع للتعددية الحقيقية أو للحرية أو الديمقراطية التى أساسها استقلال الفرد عن السلطة، لاسيما فكريا. وهنا تكمن فى رأيى المعضلة السياسية الأساسية التى تواجه بلادنا الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.