غنى عن القول أننى لا أقصد هنا إيران الشاه، محمد رضا بهلوى، التى دأبت على مد عدونا الصهيونى بأسباب الحياة له والموت لنا، بل إن إيران الشاه تناغمت مع عدونا ذاك، سياسياً، أيضاً، فضلاً عما استمرأ نظام الشاه تقديمه من خدمات للإمبريالية الأمريكية، على حساب قضايانا العربية، وبضمنها قضية فلسطين. بل سأعنى هنا برصد محطات للعلاقات الإيرانية - الفلسطينية، فى ظل حكم الثورة الإسلامية الإيرانية، منذ ربيع 1979.. بادئاً بالتنويه بأن معسكرات المقاومة الفلسطينية فتحت أبوابها للمعارضين الإيرانيين، منذ مطلع سبعينيات القرن الماضى، كأحد تجليات تحالف المقاومة الفلسطينية مع المعارضة الإيرانية. ما إن أطاحت «الثورة الإسلامية» بنظام الشاه، حتى سارع النظام الجديد إلى طرد السفير الإسرائيلى فى طهران، وطلب ذاك النظام إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية إيفاد هيئتها الدبلوماسية إلى طهران، فسارعت تلك اللجنة إلى تعيين أعضاء تلك الهيئة، التى تصدرها، آنذاك، القيادى الفتحاوى البارز، هانى الحسن، وغدا صخر (اسم حركى) نائباً للسفير الفلسطينى هناك، وأتمنى أن يشارك معنا فى هذا الحوار، وهو الأقدر عليه، متمنين للأخ هانى الحسن الشفاء، مرحبين بأن يدلى بدلوه فى هذا المضمار، بعد أن أدلى الأخ محمد دحلان، بالوكالة، برأيه فى هذا الصدد.. علماً بأن مبنى السفارة الإسرائيلية غدا نفسه مقراً للسفارة الفلسطينية. حسب المحضر الذى نشره الحكم العراقى، زمن صدام حسين، والذى جمعه مع السفيرة الأمريكية فى بغداد، أبريل لاسبى، حمَّل الرئيس العراقى السابق الأمريكان جميلاً بأنه إنما قاتل النظام الإيرانى الجديد، نيابة عن الغرب! ومن المعروف أن ولى عهد السعودية، الأمير فهد بن عبدالعزيز، زار بغداد، 1979، وجس نبض الرئيس العراقى، آنذاك، أحمد حسن البكر، فيما إذا كان يستطيع مهاجمة إيران، وحين اعتذر البكر، وقبل صدام، تمت الإطاحة الصامتة بالبكر، وتولى صدام حسين رئاسة العراق. واللافت أن الملك حسين بن طلال، ملك الأردن، هو الذى أطلق القذيفة الأولى فى الأراضى العراقية فى اتجاه الأراضى الإيرانية، ولو كان النظام الإيرانى موالياً لأعداء الأمة، هل كان جلالته يفعلها؟! بدأت الحرب، وخرج الاصطفاف الرسمى العربى إلى العلن، وبدون تسمية، فإن ثمة أنظمة عربية وقفت مع إيران، فيما دعمت أنظمة عربية أخرى نظام صدام حسين، بالمال، والمقاتلين والسلاح، عدا السياسة، طبعاً. اتخذت قيادة «منظمة التحرير الفلسطينية»، ومعظم الفصائل الفلسطينية جانب الحياد فى تلك الحرب، الأمر الذى لم يعجب صدام حسين، فوجه ضربة شرسة لنشطاء الجبهتين «الشعبية» و«الديمقراطية» فى العراق، وهما الفصيلان اللذان لم يخفيا تأففهما مما أقدم عليه صدام حسين ضد إيران، هنا مالت القيادة المتنفذة فى منظمة التحرير لجانب صدام حسين، خاصة بعد أن زجر الأخير تلك القيادة، خلال زيارة لها إلى بغداد، على رأس وفد من أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة، ولم يكتف حسين بزجر القيادة المتنفذة، بل استدار إلى عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة، جويد الغصين، وأنَّبه على سمسرته فى صفقات للسلاح إلى إيران. بعد نحو سنتين من اندلاع الحرب العراقية- الإيرانية، شنت إسرائيل عدوانها العسكرى على لبنان (4/6/1982)، من أجل استئصال شأفة منظمة التحرير الفلسطينية من هناك، وما يعنينا هنا أن النظام الإيرانى أبدى استعداده لوقف الحرب مع العراق، وإرسال مقاتليه للقتال إلى جانب المقاتلين الفلسطينيين، والسوريين، واللبنانيين فى مواجهة الهجمة الإسرائيلية، لكن طهران ألحقت عرضها هذا بشرط تعجيزى، مؤداه أن يسمح لمقاتليها بالانتقال براً، عبر الأراضى العراقية فالسورية، وصولاً إلى الأراضى اللبنانية، فكان طبيعياً أن يتبخر العرض. فى الثلث الأخير من مايو 1985، بمجرد انسحاب القوات الإسرائيلية من معظم الأراضى اللبنانية، تحت ضربات «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية»، وإسهام فلسطينيين فى توجيه هذه الضربات، استدارت حركة «أمل» إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين فى لبنان، تحاصرها، وتقتل كل من تصل إليه يداها من أبناء الشعب الفلسطينى هناك، فيما عرف باسم «حرب المخيمات»، و«أمل» هى ربيبة قيادة «فتح»، وقد أغاظها النظام الإيرانى بأن رعى ولادة «حزب الله»، 1982، بمجرد أن تحالف رئيس «أمل»، نبيه برى مع الانعزاليين، وعلى رأسهم «حزب الكتائب»، وقد وقف مقاتلو «حزب الله» إلى جانب أبناء المخيمات الفلسطينية فى هذه الحرب، والتفاصيل أكثر مما يتسع لها هذا المكان.