أنت قد لا تحب أم كلثوم، وهذا حقك، ولكنك لا تستطيع أن تظهر على الشاشة لتقول إن صوتها لا يعجبك، أو أنه موضة قديمة، أو أنك تفضل صوت فايزة أحمد عليها، وتراه أكثر من صوتها حلاوة، ومع أن هذا كله يمكن أن يكون حقيقة، إلا أنك تعيش فى مجتمع يكاد أغلبه يعبد أم كلثوم من دون الله!!.. ولذلك، فإذا أنت كتبت فى صحيفة - مثلاً - وقلت: تسقط أم كلثوم!!.. فسوف تفاجأ بأن غالبية الذين يقرأون كلامك، سوف ينادون بسقوطك أنت.. لا سقوطها هى! ولابد أنها، طوال السنوات التى عاشتها، إلى أن رحلت عام 1975، كانت أقرب إلى قلوب الناس فى مصر، بل إلى عقولهم، من الاتحاد الاشتراكى ذاته، رغم أنه، فى سيطرته، وقبضته، وسطوته على المصريين، لم يكن له فى ذلك الوقت مثيل! ولابد أيضاً، أن الدكتور أحمد زويل فى وقتنا الراهن، أقرب إلى عقول وقلوب المواطنين، من الحزب الوطنى نفسه، وقد رأيت هذا بعينى، حين ذهبت معه ذات مرة إلى الحسين، فكان كل إنسان يصادفه، سواء كان شاباً، أو شيخاً، أو حتى طفلاً، يريد أن يأخذ صورة إلى جواره، ليعلقها على جدار بيته! ولا أحد يعرف ما إذا كان هؤلاء الذين كانوا ولايزالون يطاردون زويل فى كل مكان، حين يأتى إلى البلد، يعلقون صور قادة الحزب الوطنى الحاكم، على جدران البيت، أم لا.. ولكنك تستطيع أن تخمن الإجابة، من خلال ما تراه وتلاحظه حولك! وبطبيعة الحال، فإن المنطق نفسه ينطبق على الدكتور محمد البرادعى، الآن، كما كان فى وقت من الأوقات ينطبق أيضاً على عبدالحليم حافظ، على سبيل المثال! نقول هذا الكلام، ليس على سبيل تأليه أصحاب هذه الأسماء، وإنما لمجرد لفت النظر إلى أن التعرض لهم بالسلب فى وسائل الإعلام، فى الوقت الحالى، غير مأمون العواقب مع القارئ فى الصحيفة، أو المشاهد على الشاشة، ويسبب صدمة للاثنين معاً! وقد رأيت شاباً، منذ عدة أيام، وهو فى غاية الضيق والقرف، لا لشىء، إلا لأن رئيس حزب من الأحزاب قد انتقد البرادعى، وقال فيه رأياً يخالف الرأى السائد عنه بين الناس، فلايزال الذى يمارس نقداً مشروعاً تجاه هؤلاء يبدو فى أعين الناس، وكأنه خارج على الملة! وليس معنى هذا، أن يظل هؤلاء، منزهين عن الهوى أو الخطأ، فلا خلاف على أنهم بشر فى الأول، وفى الآخر، كما أنه ليس من المعقول أن يقود القارئ البسيط بعاطفته، الكاتب بعقله، وليس معقولاً، بالدرجة نفسها، أن نقول ما يحب الناس أن يسمعوه ويقرأوه، بدلاً من أن نقول ما يجب أن يسمعوه ويقرأوه.. فهذا الأخير هو الذى يجب أن يقال فى كل وقت! ولكن.. تحتاج بعض الحكمة، وشيئاً من الفطنة، فى قول المعنى الذى يخالف تماماً ما استقرت عليه الغالبية.. وإلا.. فهل تستطيع أن تقول، بصراحة، إن إسرائيل أكثر ديمقراطية منا، وأكثر تقدماً فى العلم على كل مستوى، منا، وأننا يجب أن نتعلم منها؟!.. هل تستطيع أن تقول هذه «الحقائق» عارية هكذا عن إسرائيل، رغم أنها، مع غيرها مما يماثلها، مجرد حقائق على الأرض؟!.. هل تستطيع أن تقولها دون أن تبدو متهماً، وربما مداناً فى نظر البعض على الأقل، لا الكل؟! كان عمر بن الخطاب، ثانى الخلفاء الراشدين، يفهم جيداً فى هذا المنطق فى الكلام مع الناس، وكان إذا أراد أن يصف رجلاً بأنه «كافر» أحس بأن الكلمة صادمة، فقال إن الرجل «غير مؤمن»! وكما ترى، فالمعنى واحد تماماً، ولكن مراعاة المشاعر العامة واجبة!.. فالقمر له وجهان، ولكننا لا نحب إلا وجهه المضىء!