ماذا يبقى من الإنسان بعد موته؟ هناك من يقول حفنة تراب وبضع عظام، وهناك من يقول السيرة. البدايات واحدة.. مولد تتبعه احتفالات، والنهايات أيضا واحدة وفاة تتبعها أحزان الفراق، وتحت الثرى يتساوى الجميع.. تنتهى حساباتك، ويبدأ حسابك، فماذا يبقى منك بعدك؟ إذن ما الفرق بين النمرود وإبراهيم الخليل، لوط وقومه، قارون ويوسف الصديق، فرعون وهامان وموسى وهارون، سالومى ويحيى، يهوذا والمسيح، أبوجهل ومحمد بن عبدالله؟ كلهم عاشوا بعد لحظة الممات، وظلوا أحياء فى التاريخ، ولكن شتان بين ذكرى الأشقياء وسيرة الأبرار. كم من البشر جاء ورحل، ولم يسجل أحد تاريخ ميلاده أو وفاته؟، وكم من البشر يبقى مولده بشارة ورحيله علامة؟ يقول سيدنا محمد: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». النقاط الثلاث التى ذكرها الرسول (صلى الله عليه وسلم) فروع لشجرة واحدة وهى العطاء، عطاؤك هو ظلك الذى يبقى بعدك.. لا يزول مع طلوع فجر ولا مع غروب شمس، يظل محفورا فى صخر التاريخ لا تمحوه ريح عاصف ولا تطويه صفحة زمن. حين أتذكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى يوم مولده، أتخيل عبقرية الرجل الذى وقف وحيدا وسط صحراء الجاهلية ينادى أن اعبدوا الله، كيف استطاع هذا القرشى الأمى أن يحول أمة مهمشة إلى حضارة اكتسحت العالم القديم وقدمت حياة للأمم كانت على شفا الموت؟. كيف استطاع «وحده» أن يكون «كلاً» يقاوم التكذيب والتعذيب، القهر والعزلة، الهوان والمطاردة التى فرضت عليه وعلى أتباعه؟ ليس لدى صفة جامعة لعبقرية الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلا ما وصفها به الله «وإنك لعلى خلق عظيم». أستشعر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بين أصحابه كيف أصبح عندهم أغلى من ذويهم والدنيا وما فيها؟ كيف استطاع أن يجمع من حوله أقوياء زمنه وضعفاءه؟ كيف تسامح مع من قتل وروع واغتال الرسالة وأتباعها فى أول عهدها؟ كيف كان مع أهل بيته.. وفاؤه للسيدة خديجة.. حبه للسيدة عائشة ورعايته للسيدة فاطمة ودعاؤه لأسباطه؟ وكيف وألف كيف تجعله أعظم عظماء التاريخ بشهادة من اتبعه ومن لم يكن على دينه. اللهم أننا لانزكى عندك من اخترته ليكون خاتم المرسلين ولكننا فى يوم مولده نصلى ونسلم عليه، وندعوا أن يكون يوم مولده.. يوم ميلاد لأتباعه فهم أحوج ما يكونون لأتباع سنته فى السلوك والعمل وليس فى الرداء والغذاء فقط. ذكرى مولد رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) تستحق منا أكثر من سرادقات حلاوة زمان.. عروسة وحصان.. فهل يمكن أن نجعل من حلاوة الذكرى فرصة لمولد جديد تنهض فيه أمة تنتظر الإفاقة؟.. السؤال لى والإجابة لنا جميعا، فمتى نبدأ؟