سبق صحفى كبير تنفرد به مقالاتى «أين الحكمة»، فقد حَصَلتُ على النص الكامل لإعلان مهم قبل أن ينشر، وإليكم صيغة الإعلان. بالبنط العريض جدًّا: «مطلوب رئيس جمهورية»، ثم أسفله مباشرة ببنط أصغر قليلاً: «وظيفة مدى الحياة طبقًا للإحصاءات المسجلة منذ عصر الفراعنة. مرتب مُغْرٍ ومزايا عديدة». السطور التالية: «تأمين كامل، ورعاية صحية فائقة.. منزل كبير بحديقة وحمام سباحة وطاولة بلياردو.. أسطول سيارات فاخرة ومصفحة.. طائرة خاصة.. الأجازات يحددها بنفسه له وللشعب. متورط فى درجة عالية من حرية التعبير من خلال الإعلام والنت، كما تلاحقه رقابة دولية حقوقية متنامية». الشروط: يشترط أن يكون مصريًّا بين 40 و60 سنة، حاصل على مؤهل عالٍ. حسن السمعة وليست له سوابق. صحته جيدة ورشيق. يجيد الإنجليزية وبعض العبارات العربية الرنانة. له هيبة ليخافه الناس وابتسامة هادئة ليحبوه (الأخيرة شرط ترجيحى فقط، عند تساوى المرشحين) يعرف مبادئ الكمبيوتر والإنترنت. إلى هنا والمقال يبدو هزليًّا ساخرًا، ولا بأس ببعض الهزل لنصل إلى الحكمة المنشودة. أريد أن أُحَلِّلَ معكم الشروط المنطقية المفترض توافرها فى رئيس الجمهورية المنتظر كى نحسن اختياره. «مصرى بين 40 و60 سنة» تحصر الاختيار فى نحو سبعة ملايين، وحيث إننا ما زلنا مجتمعًا ذكوريًّا، فالعدد ينخفض إلى ثلاثة ملايين ونصف تقريبًا. وحيث إن أغلبنا يعانى من السكر أو الضغط أو الكوليسترول، فإن العدد ينخفض إلى مليون فقط، ليأتى شرط التعليم العالى ليصفى الغالبية ويترك مائة ألف فى السباق الانتخابى، أما «حسن السمعة» فهى وحدها كفيلة بتخفيضات أكبر من الأوكازيون، وَلْنَكْتَفِ بنسبة 50% ليصبح العدد خمسين ألف مرشح، قبل أن ينخفض مرة أخرى بشدة بسبب الشرط التالى وهو «إجادة الإنجليزية» إلى خمسة آلاف مرشح. شرط الإلمام بالحياة الإلكترونية وعالم الإنترنت يُخَفِّضُ العدد إلى ألفين أو ألف وخمسمائة على أقل تقدير. هناك إذن ألف وخمسمائة مواطن مصرى يصلحون لتولى مسؤولية الحكم، لكنهم -بلا شك- ليسوا جميعًا على استعداد لخوض هذه التجربة التى قد تنتهى بصاحبها إلى ما لا يتمناه. لِنَقُلْ إن هناك 20% منهم على استعداد لذلك. هذا يعنى أننا يمكن أن نختار رئيسنا القادم (أو بعد القادم) من بين ثلاثمائة مرشح وليس ثلاثة أو أربعة كما يروج لذلك محبو مبارك ومعارضوه. يندر أن نعثر على مايسترو بهذه المواصفات وهذا الاستعداد الفطرى والتدريب الخرافى، ولذلك فعددهم فى العالم كله أقل كثيرًا من عدد الملوك والرؤساء. نفس الشىء يمكن قوله عن سائقى «فورميلا وان» الذين يقودون السيارات على سرعات متوسطها 300 كيلومتر فى الساعة لمدة ساعة ونصف، أمر يحتاج إلى لياقة بدنية وتركيز لا يضاهيه تركيز. رائد الفضاء- الذى يقضى شهورًا فى كابينة صغيرة لا تزيد مساحتها عن زنزانة سجون المستبدين- لابد أن يتمتع بقدرات نفسية خارقة قبل تَمَتُّعِهِ بالعلم واللياقة البدنية. الأمثلة كثيرة على الوظائف والأعمال النادرة فى حياتنا، ولا أعتقد أن العثور على شخص يصلح لتولى منصب رئيس الجمهورية مهمة صعبة، إلا إذا كانت هناك اعتبارات أعتذر عن جهلى بها. الحكمة القديمة تقول: لا تضع البيض كله فى سلة واحدة، أتذكرها ونحن نختزل نظام الحكم كله فى رئيس الجمهورية. قبل البحث عن رئيس جمهورية علينا أن نسعى لتوزيع السلطات حتى لا نتعلق كلنا فى رقبة واحدة كالبيض المحشور فى السلة. وبمناسبة المولد النبوى الشريف أقول: بأبى أنت وأمى يا رسول الله.