ربما يعتقد البعض لدى متابعتهم لمحاكمة النرويجى أندرس بيرينج بريفيك، المتهم بارتكاب مذبحة راح ضحيتها 77 شخصاً الصيف الماضى فى أوسلو، أن أقواله المتعصبة ضد الإسلام والتعددية الثقافية، مجرد نوع من الهذيان والجنون، وهو ما اعتبرته مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية «أكبر خطأ»، موضحة أن أفكار «بريفيك» المتطرفة تعكس خطاباً معادياً للمسلمين انتشر فى جميع أوروبا وخارجها منذ هجمات 11سبتمبر2001، وأضافت أن جرائم «بريفيك» الوحشية يجب أن تكون بمثابة دعوة للغرب للاستفاقة والاعتراف بالعنف الكامن فى أفكار تيار «اليمين المتطرف»، واتخاذ الإجراءات اللازمة لاقتلاعها من جذورها. وفى الوقت الذى يتعرض فيه المسلمون فى أوروبا لهجمات متزايدة وموجات قتل وتدنيس لمساجدهم ومؤسساتهم بعبارات مسيئة، تقول «فورين بوليسى»، إن الأجهزة الأمنية فى القارة طالما تعاملت بتساهل مع التهديد الذى يمثله «اليمين المتطرف»، وخاصة فى أكثر أشكاله عنفاً، وهو معاداة الإسلام. وتؤكد المجلة أن مشاعر الكراهية والتمييز والعنف الموجّه أصبحت حاضرة فى خطابات الساسة أيضاً على نطاق واسع، من الدول الإسكندنافية إلى البحر المتوسط، حيث تمكنت الأحزاب السياسية التى تتبنى نسخة معدلة بعض الشىء من أفكار «بريفيك»، أن تجد لها موطئ قدم فى برلمانات أوروبا الشمالية، بما فى ذلك فى البرلمان الأوروبى، بل المشاركة فى الائتلافات الحاكمة. وتوضح المجلة أن الديمقراطيين المعتدلين أيضاً فى أوروبا استسلموا لموجات «الإسلاموفوبيا»، حيث إنهم أصبحوا غير قادرين على طرح قضايا الإسلام والمسلمين بطريقة بناءة. ففى العام الماضى، دعمت المعارضة الديمقراطية فى البرلمان الدنماركى تشديد شروط الهجرة لغير الغربيين، وهو مشروع القانون الذى تقدم به «حزب الشعب الدنماركى» المعادى للإسلام، فيما يقدم حظر النقاب فى فرنسا وبلجيكا مثالاً آخر على التوجه ذاته، وهى خطوات فى مجملها تزيد من عزلة المسلمين فى المجتمعات الغربية وتصب فى صالح اتساع نطاق فكر الجيل الجديد من اليمين المتطرف فى أوروبا. ويشير تقرير لمركز «الأمل لا الكراهية» البريطانى المناهض للعنصرية، الذى صدر على خلفية محاكمة «بريفيك»، إلى أن الجماعات التابعة لما يعرف بشبكة «الجهاد المضاد» الدولية المعادية للمسلمين تزداد توسعاً وتأثيراً، وتجد لها حلفاء جددا فى جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة. وبحسب المركز، تم رصد 190 مجموعة غربية تروج لأجندات معادية للإسلام. وتوضح «فورين بوليسى» فى تقريرها دوافع «اليمين المتطرف» فى اتخاذ توجه معاد للمسلمين، بقولها إن معتنقى هذا الفكر لا يعتبرون المسلمين أقل شأناً من الناحية البيولوجية، لكنهم يرونهم متنافرين ثقافياً معهم. وترى المجلة أن هذا النوع من «صدام الحضارات» المزعوم يخدم أغراض أولئك الذين يسعون لوقف موجات الهجرة إلى بلادهم، والذين يريدون إبقاء تركيا «المسلمة» خارج الاتحاد الأوروبى. ويقول ماثيو جودوين، المحلل البريطانى المتخصص فى شؤون التيار اليمينى بجامعة «نوتينجهام»، إن أتباع هذا التيار يرون أن العنف فقط هو الذى يمكن من خلاله القضاء على ما يعتبرونه «تهديداً إسلامياً». ويضيف جودوين أن تلك الحركات «تزرع الاعتقاد بأنها تشارك فى معركة من أجل بقاء العنصر أو الثقافة، وأن الخيارات السياسية الحالية غير قادرة على الاستجابة لهذا التهديد». ويرى تقرير «فورين بوليسى» أن قضية السفاح النرويجى «بريفيك» تؤكد فشل الاستخبارات والأجهزة الأمنية الأوروبية فى تقدير التهديد الصادر من تيار اليمين منذ هجمات 11سبتمبر، داعياً قوات الأمن الأوروبية لإعادة تقييم الجماعات اليمينية الإرهابية ومكافحة انتشارها، كما طالب كاتب التقرير الألمانى، بول هوكينوس، الأحزاب السياسية الديمقراطية برفض عقد أى تحالفات مع الأحزاب التى تضم أعضاءً متعصبين، مهما كانت أهمية هذا التحالف بالنسبة لها، وبالتمسك بطرح قضايا أساسية مثل الهجرة وحرية المرأة المسلمة فى ارتداء الحجاب، كما دعا الكاتب الألمانى إلى تضمين برامج لتعزيز التسامح الدينى فى المناهج الدراسية الأوروبية.