هناك وجهتا نظر للتعامل مع الجمعية التأسيسية للدستور، الأولى تطالب بحلها وإعادة تشكيلها على أسس جديدة، والثانية لا ترفض بقاءها بشرط تعديل تشكيلها بضم عشر شخصيات تعبر عن تيارات مختلفة مكان ممثلين عن حزبى الحرية والعدالة والنور. والمؤكد أن الخلاف الذى احتدم حول موضوع الجمعية التأسيسية للدستور راجع للمسار المرتبك الذى دخلنا فيه بسبب الإعلان الدستورى الذى أصدره المجلس العسكرى وأسقط فى أعقابه دستور 71 الذى صارت معظم أبوابه محل توافق أغلب القوى السياسية بما يعنى أن فرص اتفاقها على المضمون والهدف أكبر من اتفاقها على الوسيلة والطريقة. والمؤكد أن هناك بعض القوى التى خسرت الانتخابات التشريعية لديها حساسية مفرطة من التيار الإسلامى لأنه حصل على الأغلبية، وهناك أيضا ممارسات وقع فيها هذا التيار وأثرت سلبا على صورته لدى جانب من الرأى العام حين بدا أنه يتعامل مع الدستور على أنه جائزة لحزب الأغلبية. والواقع أن أخطر ما فى المسار الحالى أنه ربط كتابة الدستور بالتنافس الحزبى والسياسى فجعل الترصد والريبة هما الحاكمين فى علاقة كل الأطراف السياسية بعضها البعض، وفتح الباب أمام صور متعددة لمعارضة الجمعية التأسيسية، فهناك أولاً أصحاب المواقف المبدئية الذين اعترضوا منذ يوم إعلان الانتخابات على نسب التمثيل ومسارها وآثروا الانسحاب منذ اللحظة الأولى، رغم أنهم كانوا ممثلين فى الجمعية، وهناك المهاجمون للجمعية لأنهم لم يمثلوا فيها وكانوا سيصبحوا من أشد مؤيديها لو كان جرى انتخابهم فيها، وهناك أيضا من رفضوا مبدأ اختيار البرلمان للجمعية التأسيسية رغم علمهم بأن هذا المسار هو الذى نص عليه الإعلان الدستورى، الذى كان بدوره محل اعتراض قوى كثيرة، وهناك على الطرف الآخر من اعتبر أن الجمعية التأسيسية هى تعبير عن إرادة الشعب ممثلة فى أغلبيته البرلمانية بما يعنى أنه دليل على حسن نية أحزاب الأغلبية. والحقيقة أن كتابة دستور جديد فى أجواء الشحن السياسى ودون وجود سلطة سياسية يتفاوض معها الناس حتى لو كانت تسلطية، كما جرى فى أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية تتوافق على شكل النظام والدستور الجديد - وضعت البلاد أمام محك خطر، فالمجلس العسكرى الذى هو جزء من النظام القديم تعامل على أنه جزء من الثورة، ولم يفتح حوارا جديا كما جرى فى أوروبا الشرقية - سمى بالمائدة المستديرة - بين مصالح القوى القديمة والجديدة للاتفاق على شكل الدستور وملامح النظام السياسى الجديد، بل فى بعض التجارب اتفق على رئيس الجمهورية، فى حين أننا فى مصر دفنا رأسنا فى الرمال لصالح الخطب والشعارات الرنانة، ونسينا معانى التفاوض والتوافق التى لا علاقة لها بنسبة الأغلبية والأقلية والصراع السياسى والحزبى، وتعد من شروط نجاح أى مرحلة انتقالية. ورغم أن الحل العملى يكمن فى توسيع نسبة تمثيل التيارات المختلفة فى الجمعية التأسيسية على حساب الإخوان والسلفيين، وليس فى حلها وتشكيلها من جديد، إلا أن التحديات الحالية باتت أكبر من كل الحلول الجزئية، وصار من المهم مراجعة المسار كله والانطلاق من أن اللبنة الأولى فى بناء نظام سياسى جديد لا علاقة لها بالمسار الصراعى الحالى. [email protected]