فات علينا خبر تنازل الرئيس اليونانى عن راتبه.. كما تفوت أخبار كثيرة.. لا نهتم بها، ولا نلقى لها بالاً.. وقد لا تأخذ اهتماماً كبيراً من النشر.. ربما لم نتعود على أخبار من هذا النوع.. وربما نتساءل: وأين نحن منهم؟.. هناك شعوب تنتخب، وهناك شعوب تحاسب.. وبالتالى فالرئيس اليونانى، وغيره من رؤساء أوروبا، يعرف أن يومه مقبل.. فلا يصح أن يعيش وشعبه يموت! فى بلادنا عاش الرئيس، ومتنا.. شبع ومتنا من الجوع.. استغطى وتعرينا.. سكن القصور وسكنا القبور.. اختص بكرمه طائفة، يسبحون بحمده.. فلم ير غيرهم.. هؤلاء الآن معه فى السجن.. يرون جوعنا وفقرنا.. لا تأثروا بنا وزراء ولا مساجين.. لا أحد منهم انفطر قلبه علينا.. يأكل فى محبسه، كما كان يأكل فى قصره.. يعيش ملكاً.. ويهدد أيضاً بالطرف التالت (!) لا رحمونا مسؤولين ولا مساجين.. لديهم المليارات وحبسوها عنا.. لديهم الثروات ولم يدلونا عليها.. هذا هو الفارق بين الرئيس اليونانى والرئيس المخلوع.. وهذا هو الفارق بين الوزراء فى اليونان والنظراء فى مصر.. الرئيس اليونانى يستدعى وزير المالية.. لا ليحول له فى حساباته المليارات.. وإنما لكى يتخذ جميع الإجراءات المطلوبة لتنازله عن راتبه! أستدعى إلى الذاكرة كلاماً منسوباً إلى الشيخ الشعراوى.. يقول: «إذا رأيت فقيراً مسلماً، فى بلاد العرب، فاعلم أن هناك غنياً سرق ماله».. لست ضد الغنى.. ولكنى ضد الحرام وضد السرقة.. ولم لا نستدعى هذا الكلام الآن؟.. فهناك من يفرح بدعوة الثائر الحق.. لأنها فى صالحه.. أيضاً هناك كلام عن اللصوص، ينبغى أن نستدعيه.. «أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض»؟! لا رحمونا وزراء ولا مساجين.. أحمد عز كان واحداً من أثرى أثرياء مصر.. أين أمواله التى كانت بالمليارات؟.. مع أنها بدأت بعشرات الآلاف كما شهد الكفراوى؟.. وأين أموال أحمد المغربى وزهير جرانة ورشيد وغالى؟.. أين أموال سامح فهمى، مالك مفاتيح البترول؟.. وكيف حصل نظيف على قصوره؟.. أين أموال زكريا عزمى؟.. وأين أموال حكومة طرة؟! لا يرقون لحالنا الآن.. سرقونا وباين فى عنيهم.. ومع ذلك فلا اعترفوا، ولا دلونا على أموالنا.. فما هو المبرر حتى نتركهم؟.. كيف ننظر إليهم، ونحن ننتظر المعونة الأمريكية؟.. كيف نفعل بهم، وقد شحتنا على أيديهم؟.. هل نسامحهم؟.. هل كانت كاترين أشتون أرحم بنا منهم؟.. هل كان «الفايكنج» الغزاة لأوروبا أرحم بها من هؤلاء التتار؟.. هؤلاء الفايكنج الذين حكموا مصر! توقفت أمام تصريحات وزير المالية اليونانى حين قال: إن قرار رئيس الجمهورية يمثل موقفاً معبراً، خاصة مع استئناف المفاوضات حول الديون الحالية، وحاجة الشعب اليونانى لبذل بعض التضحيات لإنقاذ الدولة.. تذكرت مبارك وهو ممدد على سرير طبى.. يتمارض ويهدد ويتوعد، ويصرف على الثورة المضادة.. لا يريد أن ينطق ولا أن يعتذر، ولا أن يرق لحالنا، ويرشد عن أموالنا! كفاية مبادرات.. مرة عن الاستغناء عن المعونة، وأخرى عن صندوق الكرامة.. خيرات مصر تكفى لمساعدة أوروبا.. هكذا قالت أشتون.. وهكذا يعرفون دور الرئيس والوزير.. الرئيس اليونانى تنازل عن راتبه لإنقاذ بلاده.. والرئيس المخلوع سرق بلاده، ولا يريد أن يدلنا على الأموال.. لازم يعترف، أيوه لازم يعترف.. هؤلاء لا رحمونا وهم فى الحكم، ولا وهم فى السجن!