قال الدكتور على الغمراوى، رئيس هيئة الدواء المصرية، إن السوق الدوائية المصرية هى الأكبر إقليميًا وإفريقيًا من حيث عدد الوحدات المبيعة، وتبلغ قيمتها المالية 309 مليارات جنيه (حوالى 6.2 مليار دولار)، وتضم أكثر من 12 ألف مستحضر دوائى متداول بإجمالى مبيعات سنوية يتجاوز 3.5 مليار عبوة، مشيرًا إلى أن السوق الدوائية قد سجلت معدل نمو مركبًا بلغ 15٪ خلال الفترة من 2023 إلى 2028 وهو معدل يفوق المتوسطات العالمية. وأضاف رئيس الهيئة، فى حواره ل«المصرى اليوم»، أن متوسط استهلاك المواطن المصرى من الدواء يبلغ نحو 55 دولارًا سنويًا، مقارنة ب13 دولارًا فقط للمواطن فى أى من دول القارة الإفريقية، ورغم أن سكان مصر لا يمثلون سوى 8٪ من سكان القارة، فإن السوق المصرية تستحوذ على أكثر من 27٪ من قيمة السوق الدوائية الإفريقية البالغة 23 مليار دولار، مشيرًا إلى أن الأدوية المصرية تُصدّر حاليًا إلى أكثر من 150 دولة. وتحدث «الغمراوى» عن نسبة الاكتفاء الذاتى من الدواء والتى وصلت إلى 91٪، وهى الأعلى فى الشرق الأوسط وإفريقيا، كما تحدث عن آلية تسعير الأدوية، مؤكدًا أن الهيئة تضع دائمًا مصلحة المريض نصب عينيها، لكن فى الوقت نفسه لا بد من الحفاظ على استمرارية الصناعة، فالمعادلة الدقيقة هى أن نحمى المريض من الزيادة غير المبررة، ونضمن للمصنع هامش ربح يتيح له الاستمرار فى الإنتاج، وإلى تفاصيل الحوار: ■ كم عدد الأدوية المتداولة فى مصر حاليًا؟ - نحن نتحدث عن أكثر من 12 ألف صنف دواء بشرى متداول فى السوق المحلية، فضلًا عن الأدوية البيطرية والعشبية ومستحضرات التجميل، وكلها تخضع لإشراف الهيئة. وخلال ست سنوات من العمل، نجحنا فى ضم كل الهيئات التنظيمية السابقة، والحصول على اعتماد منظمة الصحة العالمية لمجالى اللقاحات عام 2022، والدواء فى ديسمبر 2024، لتصبح مصر أول دولة إفريقية تنال هذا الاعتماد، ومنذ تأسيس هيئة الدواء المصرية عام 2019 بقرار جمهورى رقم 151، توحدت كل الكيانات التى كانت تتولى شؤون الدواء تحت مظلة واحدة، فأصبحت الهيئة هى الجهة الوحيدة المسؤولة عن القطاع الدوائى فى البلاد، ونحن نتحدث عن سلعة استراتيجية تمس الأمن القومى مثل القمح والبترول، لذلك كان لا بد من وجود كيان منظم قادر على ضبط المنظومة من بدايتها وحتى وصول الدواء للمريض. وتبدأ مسؤولية الهيئة من تسجيل المستحضر ومتابعة إجراءات التصنيع وفق المعايير العالمية، وحتى توافره بالصيدليات. ■ ما تفسيرك لوجود نقص فى بعض المستحضرات الدوائية، وكيف يتم التعامل معه؟ - نمتلك فى مصر منظومة صحية قوية، ودواء آمنًا وفعّالًا، سواء كان منتجًا محليًا أو مستوردًا، ولذلك أود أن أؤكد على ضرورة ثقة المواطنين فى الدواء المصرى. فنحن من الدول التى توفر الدواء بأسعار منخفضة مقارنة بالدول الأخرى، ولدينا نحو 12 ألف صنف دوائى متاح فى الأسواق. ومن الطبيعى أن يحدث بين الحين والآخر نقص فى عدد معين من المستحضرات خلال فترة زمنية، لكنها غالبًا ما تتوافر مجددًا بعد فترة قصيرة، نظرًا لأننا نتعامل مع عدد ضخم من المنتجات يصل إلى 12 ألف صنف. ومع ذلك، لا يُعد هذا النقص حقيقيًا إلا فى حال غياب المثيل أو البديل الدوائى، أما إذا توافر البديل فلا يعتبر ذلك نقصًا. لذلك نحتاج إلى تطوير ثقافة التعامل مع الدواء، وألا نتمسك باسم تجارى أو لون عبوة معين، فهناك العديد من البدائل التى تقدم نفس الفاعلية والجودة. وسبق أن أعلنت الهيئة عن تدشين الخط الساخن الخاص بالهيئة رقم «15301»، ويتم من خلاله تقديم خدمة تلقى استفسارات المواطنين الخاصة بنواقص الأدوية وأماكن توافرها، وأيضًا تلقى الاستفسارات عن عدم توافر أى مستحضرات دوائية على مدار الساعة والرد الفورى عليها. ■ هل وصلت مصر لمرحلة الاكتفاء الذاتى من الدواء وتوطين الصناعة؟ - بالفعل استطاعت مصر أن تحقق خطوات ملموسة فى توطين صناعة الدواء بفضل قاعدة صناعية وتنظيمية قوية تضم 180 مصنعًا للأدوية البشرية، منها 11 مصنعًا حاصلًا على اعتماد من منظمات دولية مرجعية، و150 مصنعًا للمستلزمات الطبية، و4 مصانع للمستحضرات الحيوية، و5 مصانع لإنتاج المواد الخام. كما تضم هذه البنية نحو 2370 خط إنتاج، منها 990 مخصصًا للأدوية البشرية، إلى جانب أكثر من 1600 مخزن توزيع للأدوية وما يزيد على 80 ألف صيدلية. هذه البنية أسهمت فى وصول نسبة الاكتفاء الذاتى من الدواء إلى 91٪، وهى الأعلى فى الشرق الأوسط وإفريقيا، مع خفض معدل الاستيراد بنسبة 3٪. ووفق خطط التوسع، من المستهدف أن ترتفع النسبة بحلول عام 2028 بإدخال العديد من التكنولوجيا الحديثة ونقل تكنولوجيا الصناعات الحيوية، مثل مشتقات البلازما. ■ كم تصل القيمة المالية للسوق الدوائية المصرية؟ - السوق المصرية هى الأكبر إقليميًا وإفريقيًا من حيث عدد الوحدات المبيعة، وتبلغ قيمتها المالية 309 مليارات جنيه (حوالى 6.2 مليار دولار)، وتضم أكثر من 12 ألف مستحضر دوائى بإجمالى مبيعات سنوية تتجاوز 3.5 مليار عبوة. وسجلت السوق معدل نمو مركب بلغ 15٪ خلال الفترة من 2023 إلى 2025، وهو معدل يفوق المتوسطات العالمية. ويبلغ متوسط استهلاك المواطن المصرى من الدواء نحو 55 دولارًا سنويًا، مقارنة ب13 دولارًا فقط للمواطن فى أى من دول القارة الإفريقية، ورغم أن سكان مصر لا يمثلون سوى 8٪ من سكان القارة، فإن السوق المصرية تستحوذ على أكثر من 27٪ من قيمة السوق الدوائية الإفريقية البالغة 23 مليار دولار. ■ ما أبرز إجراءات الهيئة لإحكام الرقابة والسيطرة على الأسواق؟ - تعمل الهيئة على متابعة التزام المؤسسات الصيدلية بالقوانين واللوائح، وحماية حقوق المستهلكين وضمان توافر المستحضرات بجودة وأسعار مناسبة. وفى سبيل ذلك أطلقنا مبادرات عديدة، أبرزها: مبادرة «Wash Out» لسحب الأدوية منتهية الصلاحية بشكل آمن ومنظم وفق دليل إجرائى محدد. أيضًا حملات تفتيش موسعة بالتعاون مع الجهات الرقابية والأمنية على الصيدليات والمخازن غير المرخصة، ضبط الأدوية المغشوشة أو المقلدة ومجهولة المصدر ومصادرتها، التأكد من شروط التخزين فى المؤسسات المرخصة، مداهمة أماكن تداول الأدوية غير القانونية واتخاذ الإجراءات اللازمة، تدريب المفتشين على المعايير الدولية وتفعيل التفتيش على مراكز التكافؤ الحيوى والدراسات الإكلينيكية. كما ندعو المواطنين للتواصل مع الهيئة والإبلاغ عن أى مخالفات لضمان بيئة دوائية آمنة، والدواء هو السلعة الوحيدة التى تُسعّر جبريًا. ■ ما آلية التسعير؟ - تسعير الأدوية اختصاص أصيل لهيئة الدواء المصرية بموجب القانون رقم 151 لسنة 2019، وتستند آلية التسعير إلى معايير محددة تشمل الأسعار المرجعية عالميًا، والخصائص العلاجية، وتكلفة الإنتاج، ودراسات الجدوى الاقتصادية. والهدف هو تحقيق توازن بين مصلحة المواطن واستدامة الصناعة الدوائية، مع تطبيق ضوابط رقابية صارمة تضمن عدم فرض أى شركة- محلية أو أجنبية- أسعارها بشكل منفرد. ■ لماذا ارتفعت أسعار الكثير من الأدوية الفترة الماضية؟ - تسعير الدواء يعتمد فى الأساس على تكلفة المادة الخام، لأنها تمثل العمود الفقرى لعلبة الدواء التى تصل إلى المواطن. نحن فى مصر بل العالم كله يستورد جميع مدخلات إنتاج المواد الخام، وتحديدًا من دولتين فقط تحتكران إنتاجها عالميًا، وبالتالى يتم استيرادها بالعملة الصعبة. والمكون الدولارى فى كل علبة دواء يصل إلى نحو 40٪، وهى نسبة مرتبطة مباشرة بسعر الدولار، وقد تزيد أو تقل قليلًا حسب نوع الدواء. ومع أى تغير فى سعر الدولار، تتأثر هذه النسبة فورًا، لأنها تمثل الجزء المستورد من تكلفة الإنتاج. على سبيل المثال، قبل التعويم الأخير فى مارس 2024، كان المُورد الذى يستورد المادة الخام بمليون دولار يدفع نحو 30 مليون جنيه، بينما اليوم المليون دولار نفسه يعادل 47 مليون جنيه تقريبًا، أى أن هناك فرقًا قدره 17 مليون جنيه. هذا الفارق لا يمكن تحميله لطرف بعينه، وفى الوقت نفسه لا يمكن أيضًا تجاهله عند التسعير، وإلا ستتوقف بعض خطوط الإنتاج ولن تتوافر بعض الأصناف فى السوق. وكما قلت نحو 40٪ من تكلفة الدواء مرتبطة بالمكون الدولارى. أما النسبة الباقية، أى 60٪، فهى متأثرة بعوامل داخلية مثل التضخم وأسعار الفائدة البنكية وتكاليف التشغيل؛ لذلك لا يمكن النظر إلى سعر الدواء بمعزل عن هذه المعطيات الاقتصادية. ■ ولكن ليست كل الأدوية يتم استيرادها من الخارج.. هناك أدوية تُصنع محليًا؟. - المادة الخام نفسها تُنتج فى الخارج وتُستورد بالكامل. فحتى لو تمت عملية التصنيع داخل مصر، فإن الجزء الأكبر من التكلفة مرتبط بالعالم الخارجى وسعر الصرف؛ لذلك لا يمكن القول إن الدواء المحلى يجب أن يظل سعره ثابتًا، لأن المكونات الأساسية ليست محلية. ■ هل هناك أدوية يتم تحفيض أسعارها بعد دراستها من لجنة التسعير؟ - بالتأكيد، نحن لا نرفع الأسعار فقط، بل نخفضها أيضًا عندما تسمح الظروف بذلك. فالسوق ليست فى اتجاه واحد. مثلًا، سعر الكيلو من المادة الخام كان يُشترى بدولار يعادل 30 جنيهًا، وأصبح الآن 50 جنيهًا، لكن هذا السعر يتغير عالميًا مثل البورصة، فقد يرتفع إلى دولار أو ينخفض إلى 80 سنتًا، ونحن نتابع هذه التغيرات بشكل دورى وينعكس ذلك بالتأكيد على مستوى الأسعار. لدينا إدارة متخصصة لتسعير الدواء تجتمع لدراسة كل صنف دوائى على حدة، ونضع دائمًا مصلحة المريض نصب أعيننا، لكن فى الوقت نفسه لا بد من الحفاظ على استمرارية الصناعة، فالمعادلة الدقيقة هى أن نحمى المريض من الزيادة غير المبررة، ونضمن للمصنع هامش ربح يتيح له الاستمرار فى الإنتاج. ■ ما الموقف التصديرى للأدوية وأبرز الأسواق التى نصدر لها؟ - نمتلك فى مصر قدرات وإمكانات كبيرة فى مجال تصنيع الدواء، حيث يُنتج نحو 91٪ من احتياجاتنا الدوائية محليًا، من خلال 180 مصنعًا تعمل بكفاءة عالية. ولدينا فائض فى الإنتاج، مما يدفعنا إلى استثمار هذا الفائض عبر فتح أسواق خارجية للتصدير. ووجه رئيس مجلس الوزراء بوضع خطة استراتيجية تستهدف الوصول بحجم صادرات الدواء المصرى إلى 3 مليارات دولار بحلول عام 2030، وهى الخطة التى نسير بخطى ثابتة نحو تنفيذها. كما شهدت مؤشرات التصدير خلال النصف الأول من عام 2025 نموًا ملحوظًا، إذ ارتفع عدد الموافقات التصديرية من 2980 فى النصف الأول من 2024 إلى 3786 فى نفس الفترة من 2025 بنسبة نمو 27٪. كما زاد عدد الشركات المصدّرة من 157 إلى 185 شركة. وبرزت إفريقيا كمحور رئيسى للنمو، حيث ارتفعت الموافقات التصديرية إليها بنسبة 20٪، وللعلم الأدوية المصرية تُصدّر حاليًا إلى أكثر من 150 دولة، مع النجاح فى فتح أسواق جديدة فى إفريقيا والعالم العربى وأمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى التوسع فى الشراكات مع آسيا وأوروبا. ■ ما الجديد فى «دستور الأدوية المصرى»؟ وما أهميته؟ - دستور الدواء هو كتاب رسمى تصدره الدولة ويعد مرجعًا علميًا وقانونيًا يحدد تعريف الأدوية ومواصفاتها ومعايير تصنيعها. وقد أصدرت الهيئة النسخة الخامسة منه متضمنة أكثر من 3400 مونوجراف وفصل عام، وهو المرجع الموحد لصناعة الدواء فى مصر، بما يعزز جودة وسلامة المستحضرات ويدعم تنافسية الدواء المصرى عالميًا. ■ ماذا يعنى اعتماد منظمة الصحة العالمية لهيئة الدواء المصرية؟ - حصول الهيئة على المستوى الثالث للنضج الرقابى (ML3) فى مجالى الدواء واللقاحات من منظمة الصحة العالمية يمثل شهادة دولية على أن المنظومة الدوائية المصرية تضاهى الهيئات العالمية المتقدمة. وحاليًّا مصر ضمن 15 دولة فقط على مستوى العالم حصلت على هذا الاعتماد، وهو مقياس لقوة البيئة التنظيمية ودقة الإجراءات، مما يعزز الثقة فى الصناعة المصرية ويدعم قدرتها على التصدير وجذب الاستثمارات. ■ الهيئة أعلنت مؤخرًا إطلاق مشروع التتبع الدوائى، فماذا يعنى Track & Trace؟ - المشروع يمثل نقلة نوعية فى تنظيم السوق، حيث يتيح ترميز وتتبع كل عبوة دوائية منذ الإنتاج وحتى وصولها إلى المريض، عبر رقم قومى خاص يتيح متابعة مسارها بدقة. ويساعد المشروع على إدارة المخزون الدوائى وتحديد النواقص مبكرًا، ويحد من تداول الأدوية المهربة أو المغشوشة، كما يسهل عمليات السحب عند الحاجة ويوفر بيانات دقيقة لرسم خريطة الاحتياجات الدوائية والاستهلاك السنوى. وسيُخصص رقم قومى لكل عبوة دواء على حدة، وليس لكل صنف دوائى. فعلى سبيل المثال، إذا تم إنتاج ألف عبوة من دواء الباراسيتامول، فسيكون لكل عبوة رقم قومى فريد يمكّننا من تتبّع مسارها ومعرفة الصيدليات التى وصلت إليها. وتتميز هذه الأرقام بأنها غير قابلة للتكرار مدى الحياة. ■ هل هناك انتشار للأدوية المغشوشة فى السوق المصرية؟ - لا يمكن وصف الأمر بالانتشار أو الظاهرة، بل هى حالات فردية محدودة كما هو الحال عالميًا، والهيئة واجهت هذه الحالات بسحب المنتجات المشبوهة وإصدار تحذيرات دورية، إلى جانب حملات تفتيش مفاجئة ورصد العينات بالتعاون مع الأجهزة الأمنية، ومشروع التتبع سيساهم بفاعلية فى تقليص هذه الحالات مستقبلًا. ■ ما موقف الهيئة من كتابة الروشتة بالاسم العلمى؟ - الهيئة تشجع هذا التوجه لما له من أثر فى خفض التكلفة على المريض وتوسيع استخدام البدائل، لكن التطبيق يحتاج إلى تعاون الأطباء والمستشفيات، ونحن ندعمه عبر برامج التوعية وسياسات التحفيز. ■ هل للهيئة سلطة رقابية على المكملات الغذائية التى تباع فى الصيدليات؟ - رغم أن التنظيم الأساسى للمكملات الغذائية يخضع لهيئة سلامة الغذاء، إلا أن هيئة الدواء تتابع ما يُعرض فى الصيدليات لضمان مطابقته للمواصفات وجودته والتأكد من تسجيله رسميًا، مع مراقبة أى منتجات مهربة أو غير آمنة. ■ كيف يتم تنظيم عمل مخازن الأدوية؟ - أصدرت الهيئة قرارات ولوائح منظمة لتراخيص وتشغيل المخازن، تضمنت الشروط الصحية والبيئية ونظم تتبع المخزون وآليات استرداد المنتجات المنتهية الصلاحية، بهدف رفع مستوى التخزين والتوزيع وفق المعايير الدولية وضمان مأمونية وفاعلية الدواء حفاظًا على صحة المواطن.