نشأ فى الستينيات فرع حديث فى الدراسات الأدبية المقارنة فى الغرب يدعى «الإيماجولوجيا»، وهو يبحث فى صور الذات وصور الآخر الحضارى كما تتمثل فى أدبيات كل من الآداب الغربية عن بعضها البعض، وذلك بهدف حل ما يعتريها من سلبيات عن الآخر الغربى. ولى من خلال انضمامى إلى «الجمعية الدولية للأدب المقارن» فى ستينيات القرن الماضى صولات وجولات، ثنيتها بدراستى «خرافة الأدب الأوروبى» التى ترجمت عن الفرنسية، ثم فى صيغتها الموسعة عن الإنجليزية إلى الإيطالية ليصدر كتابان بتلك اللغة متأثران بضحدها لمركزية الغرب، ويقرر هذان الكتابان على طلبة الأدب المقارن فى جامعة «لاسيابينزا» فى روما (ألف وخمسمائة طالبة وطالب)، ومع ذلك لا يلتفت إلى هذه الدراسة فى صياغتها العربية إلا لماما حين ترجمتها لتصدر عن المجلس الأعلى للثقافة فى 2006 فى كتاب يحمل عنوان: الأدب الأوروبى من منظور الآخر. وهو ما يشى بأن الإيطاليين «أحرص» منا على التخلص من نزعة المركزية الغربية التى صرنا نحن العرب متلبسين بها فى خضوع لعولمة معاييرها على الرغم من نزاعاتها الداخلية المتمثلة فى سلبيات صور بعضها عن البعض الآخر، وهو ما أدى لإنشاء تلك الجمعية التى دعيت «دولية» لحل تلك المشكلات الغربية– الغربية، وهى مع ذلك تدعى «دولية» لأنها «غربية»، ولأن عولمة المعايير الغربية هو المعيار الذى صارت تقاس به كافة الثقافات فى عالمنا للأسف!!. والطريف فى الأمر أننى أصدرت كتابا يوثق للإسهام العربى المعاصر فى الثقافة العالمية، وذلك فى خمسة تخصصات ممثلة لكافة فروع المعرفة الحديثة، بدءا بالعلوم الطبيعية، عبر الاجتماعية، وفى التنظير للفن والأدب، وعلق على كل من تلك الدراسات الميدانية العربية باحثون غربيون كبار بحماس كبير فى هذا الكتاب الصادر عن دار «علماء كمبردج»، وليس عن دار نشر «جامعة كمبردج» التى ينفق عليها من الميزانية العامة للحكومة البريطانية، إذ كيف لها أن تحيد عن مصالحها التى تبرر «تفوقها» الامبريالى على ثقافاتنا المحلية بينما يقدم هذا الكتاب بديلا عقلانيا لتلك الهيمنة التى تقوم على الهرمية فى العلاقات الثقافية بيننا وبين مستعمرينا السابقين، الذين صاروا «معيارا ثقافيا» لنا بحثيا وأكاديميا بالرغم من «استقلالنا» السياسى؟! فلا بأس من أن يصدر عمل ما عن المسرح المصرى المعاصر فى دار نشر «جامعة كمبردج»، أما ما ينفى هيمنة المعيارية الغربية فى تخصصاتنا الحديثة؟! بل الأنكى من ذلك أن يرفض ترجمة هذا الكتاب مرتين فى «المشروع القومى للترجمة» بوزارة الثقافة، ولولا حماسة الصديق مصطفى الفقى (مع حفظ الألقاب) لترجمته فى مكتبة الإسكندرية فى 2020 لما رأى النور بلغتنا القومية. ألا يجدر به أن يعاد نشره الآن فى مكتبة الأسرة؟.