إذا كنتم قد قرأتم وسمعتم الكثير من الكلام والحكايات والصراخ طيلة خمسة عشر يوماً مضت على مذبحة استاد بورسعيد.. فأنا أدعوكم لأن تتخيلوا شكل الكلام، ولكن طيلة الخمسة عشر يوماً المقبلة، وأتخيل مساحة الكلام عن شهداء تلك المذبحة وحقوقهم والقصاص لهم قد باتت تقل يوماً بعد يوم.. لأن هناك أربع قضايا أخرى بدأت تفرض نفسها على الجميع.. القضية الأولى تخص اتحاد الكرة المستقيل، الذى أصبح مسؤولاً ومتهماً حسب تقرير اللجنة البرلمانية لتقصى الحقائق وبدأ أعضاء هذا الاتحاد الدفاع عن أنفسهم والتأكيد على أنهم ليسوا مسؤولين وأنهم مجرد كبش فداء تمت التضحية به إرضاء لآخرين وإسكاتاً لصرخات الحزن والغضب.. وكانت فرصة استغلها الذين كانوا ضد هذا الاتحاد لأسباب أخرى لا علاقة لها بما جرى فى بورسعيد.. أو للترتيب لانتخابات جديدة على الأبواب لاختيار اتحاد جديد للكرة.. وأغرب ما فى الأمر هو هؤلاء الذين يدينون الاتحاد الآن بأنه أصر على استكمال المسابقة وسط هذه الظروف المتوترة والانفلات الاجتماعى والأخلاقى والأمنى.. وللأسف الشديد لم نجد أحداً من هؤلاء، حتى يوم واحد فقط قبل وقوع المذبحة، يطالب أو حتى يقترح إلغاء الدورى.. وللأسف سنجد أغلب هؤلاء خلال أيام هم أنفسهم الذين سيطالبون بعودة المسابقة واستكمالها ناسين كل اتهاماتهم الحالية للاتحاد السابق، الذى سمح بلعب الكرة فى تلك الظروف التى لم تتغير حتى الآن وستبقى كذلك فى الأسابيع المقبلة.. ولا أحد يتوقف أمام هذا التناقض فى المواقف والآراء.. لا أحد أيضاً يتوقف أمام تناقض أكبر هو حديث المؤامرة.. فطالما اتفقنا على أنها مؤامرة شارك فيها المتعصبون من جماهير المصرى مع قيادات الأمن هناك.. فكيف يستقيم الأمر بالحديث عن أخطاء لجهات أخرى كان من الممكن إصلاحها لتجنب هذه المذبحة التى تم التخطيط لها بصرف النظر عن نتيجة المباراة أو توقيت إنهائها؟!.. والقضية الثانية تخص الإعلام الرياضى، الذى أصبح أيضاً متهماً ومسؤولاً، وياليت تلك الاتهامات تطال سلوكاً محدداً لشخوص وبرامج وشاشات أشعلت نيران الفتنة.. وإنما هى نفسها تلك الاتهامات المعتادة وسابقة التجهيز للاعبى الكرة السابقين وكل الذين لم يدرسوا قواعد صحيحة للإعلام ولا يلتزمون بها.. وتصبح فرصة هائلة لتصفية أى حسابات شخصية.. وبالتالى لن يهتم أحد بمناقشة أى أداء إعلامى أسهم فى وقوع تلك المذبحة فى بورسعيد.. إنما هى عادتنا الدائمة.. تكون القضية واضحة ومجردة ولكننا نطرح فى كل مرة أسباباً وحلولاً عامة، لا تخص القضية التى نناقشها.. والقضية الثالثة هى بورسعيد وأهلها.. وعلى الرغم من أن أحداً لم يتهم المدينة وأهلها بأى شىء.. وإنما اقتصرت دوائر الشك والاتهام على بعض جماهير المصرى المتعصبة والمسكونة بالحقد والغضب غير المفهوم وغير المبرر، بعيداً عن مدينة جميلة دفعت الكثير من فواتير الدم والخراب والحزن من أجل مصر كلها.. إلا أنه بدأت وستزيد ضغوط ومحاولات تصوير بورسعيد كضحية، إلى درجة الدعوة لمبادرات ومسيرات للتضامن مع بورسعيد وأهلها.. ولست أفهم القصد من تلك المبادرات المبكرة جداً قبل أوانها وقبل انتهاء التحقيقات القضائية.. فهل القصد منها استباق نتائج التحقيقات وإغلاق ملفاتها ونقوم نقبل بعضنا البعض وكأن شيئا لم يكن، أم أنها مجرد مقدمة وبعدها ستكون مطالب الصفح والغفران ونسيان كل شىء؟! أما القضية الرابعة فهى المطالب والضغوط المتزايدة بعودة الدورى.. وهى أيضا إحدى عاداتنا الشهيرة والمزعجة.. فالأسلم قبل العودة للعب أن نواجه بشجاعة أولاً كل الظروف التى أحالت ملاعبنا إلى ساحات للدم.. أن نضع القواعد الجديدة والواضحة، سواء كاتحاد للكرة بلوائحه ولجانه ومسابقاته، أو كإعلام بمختلف أشكاله ومناهجه.. ثم نتحدث عن استئناف اللعب. [email protected]