توقفت كثيراً وطويلاً أمام تعليقات الناس على مختلف أخبار وحكايات وكتابات كرة القدم التى يتم تداولها عبر الإنترنت.. وجدت لغة جديدة فى التعليق والحوار.. اختفت شتائم وإهانات ومفردات فجة كانت موجودة ومتوافرة وقابلة للاستخدام طول الوقت وضد أى أحد وعند أول خلاف فى رأى أو انتماء للون.. ولم تعد أصابع الناس بالضرورة تتحول أغلب الوقت إلى سكاكين تحترف الجروح والتشهير واغتيال السمعة والصورة والسيرة.. وأنا بالتأكيد لا أتحدث عن كل الناس.. فقد بقى وسوف يبقى قليلون هنا وهناك لا يحترمون أى حدود أو قواعد عند اختلاف الرؤى ووجهات النظر.. وإنما أتحدث عن الغالبية.. عن جمهور جديد لكرة القدم فى مصر.. جمهور لم يعد يقبل أو يرضى أن تبقى الكرة.. بعد مذبحة استاد بورسعيد.. قنبلة للكراهية وإشعال نيران الحقد والانتقام.. جمهور لم يعد يريد أن يموت غدا أى شاب أو طفل آخر فى أى ملعب للكرة.. ولم يعد يريد أيضا أن يبقى ذلك الإعلام الكروى الذى يعيش على الكراهية والفتنة والتحريض على عداوة الآخر وإهانته.. إعلام لم يبد عليه أبدا أنه مهموم بالبناء واحتياجات الناس قدر انشغاله بالصراخ الدائم ودق طبول الحرب بين الجميع.. حتى شباب الألتراس المنتمى لكل الأندية الجماهيرية والحقيقية بدأ بهم ومعهم عصر كروى جديد يفيض بالحب والاحترام واقتناع أعضاء الألتراس جميعهم بأن حبهم لناديهم وغيرتهم عليه وانتماءهم له طول الوقت لا تعنى أبدا ضرورة تحقير الأندية الأخرى وجماهيرها وألوانها وإعلان الحرب الدائمة عليها.. فشاهدنا ألتراس الإسماعيلى يصحب أعضاء ألتراس الأهلى فى رحلتهم للإسماعيلية للإدلاء بشهاداتهم أمام النيابة العامة هناك.. وألتراس الزمالك يعلن إنهاء حالة عدائه الدائمة مع نجوم وجماهير الأهلى وتغيير أغنياته التى كانت تصاحبه فى كل المباريات.. وألتراس الأهلى يعتذر أيضا لنجوم الزمالك وجماهيره.. ولم يكن ذلك كله نفاقا أو أحاسيس زائفة ومواقف مؤقتة.. لكنها كانت نتاج صدمة الجميع ووجعهم بعد هذا الذى جرى فى استاد بورسعيد.. حكايات الشهداء ودماؤهم التى صبغت كل شىء وكل معنى وكل كلمة خلقت هذه الروح الجديدة التى أتمنى أن تدوم وتبقى.. وأظن أن كثيرين جدا مثلى يريدونها أيضاً أن تبقى.. لكننى الآن مسكون بثلاثة مخاوف تجعلنى لا أثق فى دوام هذا الحب وهذا الاحترام.. الخوف الأول هو تصاعد نبرة الحديث هنا وهناك عن مؤامرة داخلية وخارجية هى التى أدت إلى مذبحة بورسعيد.. وتأكيد البعض أن ما جرى فى الاستاد هو مجرد جزء من مؤامرة أكبر ضد مصر واستقرارها ومستقبلها.. وأصبحت أخشى أن يتحول هذا الحديث تدريجياً إلى قناعة داخل النفوس بأن دماء استاد بورسعيد لم تكن بسبب تبادل الكراهية والغضب ويبدأ كل شىء يرجع إلى حاله القديم وصورته الأولى.. وهذا ليس صحيحا.. فحتى لو كانت هناك مؤامرة.. فلم تكن لتنجح لو لم يكن هناك فى ملاعبنا ومدرجاتنا كل هذا الحقد والعنف والتوتر.. والخوف الثانى هو أنه لايزال هناك زملاء لا ينوون التغيير ويريدون البقاء على أحوالهم ومناهجهم نفسها.. لا يشعرون بضرورة التغيير أو قيمته لأنهم يخشون أن يتراجع الاهتمام بهم والالتفات إلى كلامهم لو ساد السلام والهدوء والاحترام.. وأخشى أن يبقى هؤلاء يصرون يوما بعد يوم على إشعال النيران من جديد وتساعدهم ظروف الناس على ذلك فى مجتمع أصبح مسكوناً بالمخاوف والظنون والمظالم والمواجع.. أما الخوف الثالث فهو التعجيل بعودة النشاط الكروى وكأن شيئا لم يكن.. ودون وقت كاف يسمح بترسيخ تلك الروح وهذه المشاعر الجديدة.. فجماهير الكرة فى مصر.. وأعضاء جماعات الألتراس لايزالون يتحسسون خطاهم فى طرق جديدة عليهم.. لايزال كل واحد منهم يمد يده للآخر فى تردد وخجل وعلى استحياء.. ويحتاج الأمر لوقت أطول حتى يصبح كل ذلك طبيعيا وواقعا يتقاسمه الجميع.. ولو بدأ الدورى الآن، فسيرجع كل شىء لحالته الأولى القاسية والمؤلمة. [email protected]