هناك سلوك ما فى أوساطنا الرياضية، أصبح يستدعى التوقف والاهتمام بحثا عن فهم وتفسير ونهاية أيضا.. والسلوك الذى أقصده هو جنوح بعضهم، أو ربما كثيرين، لصناعة مزيد من العنف والتوتر والصخب وصب مزيد من الزيت فوق أى نار تكاد تخبو حتى تبقى كل النيران مشتعلة.. وكأن هؤلاء لا يرضيهم ولا يناسب مصالحهم أو حتى مشاعرهم ورغباتهم واحتياجاتهم أيضاً أن يسود حياتنا هدوء وسلام ووقار واحترام والتفات لبناء ومستقبل وإصلاح لعيوب وخطايا تراكمت سنة بعد أخرى.. وعلى سبيل المثال، يقع اشتباك وتدور مطاردات عنيفة ومفزعة فى كوبرى القبة قبل يومين بين ألتراس الأهلى وال«وايت نايتس» الذين هم ألتراس الزمالك.. ويكتب موقع «أخبار الزمالك» يصف ما جرى، مؤكداً أن ال«وايت نايتس» ضربوا مشجعى الأهلى وكانت علقة ساخنة فاز فيها الزمالك.. ويكتب موقع «استاد الأهلى» عن الواقعة نفسها، مؤكداً أن جماهير الزمالك فرت رعباً من مطاردة ألتراس الأهلى.. ولست هنا أناقش ما قاله الموقعان اللذان أحترمهما حتى وإن اختلفت مع رؤية ومنهج بعض زملائى العاملين فيهما، وإنما أتوقف أمام مبادرة ال«وايت نايتس» التى أعلنوها أمس الأول، وقالوا فيها كلاما مهماً جداً.. قالوا إن الظاهرة السيئة فى عالم تشجيع كرة القدم باتت تدعو للخجل، وإن الأمر لن يبقى فى المستقبل مقصورا على إصابات وكدمات وجروح طفيفة هنا وهناك.. وهم لهذا يقومون بهذه المبادرة لحقن الدماء قبل سفكها، وإنقاذ كل جماعات الألتراس من اندفاع وطيش البعض.. وهم لا يكترثون بمن سيتهمهم بالخوف بل يؤكدون أنهم بالفعل خائفون مما قد تنتهى إليه هذه الأمور والحروب الصغيرة التى تكبر يوما بعد يوم.. واختتموا مبادرتهم بالتأكيد على أنهم ابتعدوا كثيرا فى الفترة الأخيرة عن أساليب الفرسان، لكنهم يعودون الآن وسيرفضون أى أساليب قذرة يسقط بسببها ضحايا أبرياء ليس لهم أى ذنب.. وأنهم يعتزلون هذا الطريق الذى لن ينتصر فى نهايته أى طرف.. وقد كنت ولاأزال سعيدا جدا بهذه المبادرة، خاصة أننى أعرف أن هذا هو نفس فكر وحكمة وقناعة كثيرين جدا من قيادات ألتراس الأهلى، إلا أننى فوجئت بأطراف من هنا وهناك أزعجتها تلك المبادرة وأرعبها أن يستجيب لها الجميع، فبدأوا يجتهدون لإشعال النار من جديد.. تماما مثلما تحدث مديرا الكرة فى الأهلى والمصرى.. فقال سيد عبدالحفيظ إن الأهلى سيلعب غدا أمام المصرى فى بورسعيد، ليس فى حماية الأمن وإنما فى حماية جماهير بورسعيد وأهلها ورقيهم وتحضرهم واحترام كل المصريين لهم.. وقال إبراهيم حسن إن أهل بورسعيد سيستقبلون الأهلى بمنتهى التقدير والاحترام، وهو واثق بأنها كانت وستبقى وستنتهى مجرد مباراة للكرة، وليست معركة من أجل الشرف والكرامة. وبدلا من تقديم الشكر والاعتزاز والامتنان لسيد عبدالحفيظ وإبراهيم حسن، فوجئت بآخرين لا تعجبهم تلك النبرة، فبدأ بعضهم فى بورسعيد يسخرون من كلام سيد عبدالحفيظ ويقولون إن الأهلوية خائفون من بورسعيد ويطلبون الحماية.. وبدأ بعض آخر فى القاهرة يقولون إن جماهير الأهلى الكبيرة لابد أن تلقن بورسعيد درسا لا تنساه فى استعراض أحمر للقوة والقدرة.. وهذا بالضبط هو السلوك الغريب الذى أقصده ولا أفهمه ولا أحترمه أيضا.. ولست هنا أتحدث فقط عن إعلام سواء كان ورقا مكتوبا أو كلام شاشات ومواقع إلكترونية، وإنما أتحدث عن الناس أنفسهم.. وأرجوكم جميعا أن تكفوا عن نغمة أن الإعلام وحده هو سبب الفتنة على الأرض وفى كل مكان.. فكثير من الناس العاديين أصبحوا عشاقا لهذه الفتن، ويشتهون رؤية الدم على أسفلت الطرقات وأسوار الملاعب.. وتعليقات هؤلاء الناس وآراؤهم ورؤاهم باتت مخيفة ومتوحشة أكثر من أى مقال أو حديث على شاشة.. عطش جماعى للعنف والإهانة والكراهية، وكأن هؤلاء ليس فى حياتهم ما يشغلهم عن هذا الولع بالفرجة على إيذاء الآخرين، أو أنهم يخافون فقدان متعة التخريب، إلا أنهم لا يدركون أن المتعة الأكبر هى البناء والحب. [email protected]