ورقة بحثية: الزراعة المصرية تواجه عاصفة «مثالية» من التحديات.. والتكنولوجيا ضرورة حتمية

اكدت ورقة بحثية للدكتور جمال صيام استاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة، أن الزراعة المصرية على مفترق طرق، وأن الخيار ليس بين التكنولوجيا أو الاستمرار كما نحن، بل بين تبني التكنولوجيا لضمان مستقبل غذائي آمن، أو الاستمرار في السياسات التقليدية التي تهدد باستنفاد الموارد وتعميق الفجوة الغذائية. وذكرت الورقة أن النماذج الحالية تثبت أن العائد الاقتصادي والموردي للتقدم التكنولوجي هائل، ويجعل التحول نحو الزراعة الذكية والمستدامة ليس خيارًا فحسب، بل ضرورة حتمية.
ذكرت الورقة المقدمة لمؤتمر للجمعية المصرية للاقتصاد الزراعى الأخير، والتي حملت عنوان «التقدم التكنولوجي في الزراعة المصرية في ظل التحديات المستقبلية: الأهمية والأطر المؤسسية الداعمة»، أن الزراعة المصرية، التي تساهم بنحو 11% من الناتج المحلي الإجمالي وتوفر فرص عمل لنحو 20% من القوة العاملة، تواجه تحديات مستقبلية هائلة تهدد استدامتها. وتكمن المعضلة الأساسية في تزايد الضغط على الموارد المائية المحدودة، بينما تتسع الفجوة الغذائية بسبب زيادة السكان التي يتوقع أن تصل إلى 156 مليون نسمة بحلول عام 2050.
وتشكل التحديات الثلاثة الرئيسية – الزيادة السكانية، والتغيرات المناخية، وسد النهضة والسدود الإثيوبية الأخرى – عاصفة مثالية تهدد حصة مصر من المياه، فبالإضافة إلى زيادة الطلب على مياه الشرب والصناعة بمقدار 9.5 مليار متر مكعب سنويًا، يتوقع أن تزيد الاحتياجات المائية للمحاصيل بسبب التغير المناخي بنحو 4.9 مليار متر مكعب.
وأضافت الورقة البحثية، يضاف إلى هذه الضغوط المشروعات القومية للتوسع الأفقي العملاقة، مثل مشروع الدلتا الجديدة وتوشكي، والتي ستضيف 4 ملايين فدان جديدة تتطلب نحو 16 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، موضحة أن هذا التوسع سيرفع إجمالي المساحة المزروعة إلى 13.8 مليون فدان، بزيادة 41% عن المساحة الحالية، مما يضع موارد المياه تحت ضغط غير مسبوق.
ذكر الدكتور صيام، أنه في مواجهة هذا المأزق، يبرز التقدم التكنولوجي كمخرج وحيد لتعزيز الإنتاجية وترشيد الاستهلاك. وتشير التحليلات إلى أن رفع معدل النمو في الإنتاجية الكلية لعناصر الإنتاج إلى 2% سنويًا يمكن أن يعوض الآثار السلبية المتوقعة للعجز المائي ويحمي الأمن الغذائي، كما ويقدم الواقع أمثلة ملموسة على عوائد التكنولوجيا الباهرة:
وأضاف «صيام»، ففي محصول القمح: أدى تطوير الأصناف عالية الإنتاجية إلى رفع متوسط الإنتاجية من 1.2 طن للفدان في الستينيات إلى 2.7 طن حاليًا. لإنتاج المحصول الحالي البالغ 9 ملايين طن ولو كنا نعمل باستخدام التكنولوجيا القديمة، لكان الأمر تطلب 7.5 مليون فدان و16.2 مليار متر مكعب من المياه. بينما تنتج الكمية ذاتها اليوم باستخدام 3.3 مليون فدان فقط و7.3 مليار متر مكعب، مما يعني توفير 4.2 مليون فدان و8.9 مليار متر مكعب سنوياً.
وتابع في قطاع الألبان: أدى إحلال سلالات الأبقار «الخليط» عالية الإنتاج محل السلالات «البلدية» إلى تحقيق وفورات ضخمة. لإنتاج 3.8 مليون طن من اللبن سنوياً، واصبحنا نحتاج إلى 1.2 مليون رأس من الأبقار الخليط فقط بدلاً من 4.2 مليون رأس من البلدية. هذا الإحلال وفر 57% من الأعلاف الخضراء و42% من الأعلاف المركزة و70% من قش الأرز، بما يعادل توفير مياه ري ل 360 ألف فدان من البرسيم وقيمة نقدية تتجاوز 44 مليار جنيه.
وواصل، يتسع نطاق التكنولوجيات المتاحة ليشمل: أنظمة الري الحديثة (التنقيط والرش) التي توفر من 30% إلى 50% من المياه، ويشمل الزراعة الرقمية باستخدام الطائرات بدون طيار وأجهزة الاستشعار للزراعة الدقيقة، واستنباط أصناف نباتية مقاومة للجفاف والملوحة وأنظمة الزراعة المتطورة مثل الصوب الزراعية والزراعة بدون تربة (الهيدروبونيك).
وأكدت الورقة انه لضمان وصول هذه التقنيات إلى صغار المزارعين الذين يشكلون العمود الفقري للزراعة المصرية، يجب تفعيل دور الإطار المؤسسي، وأهمه التعاونيات الزراعية. يمكن للتعاونيات القوية أن تكون قناة فعالة لتقديم التدريب، وتيسير الشراء الجماعي للتكنولوجيا بأسعار مخفضة، وتوفير التمويل، وربط المزارعين بأسواق التصدير، على غرار النموذج الهندي الناجح (تعاونية «أمول» للألبان التي تضم 3.6 مليون مزارع).
وذكرت الورقة البحثية، أنه لتحقيق هذه النقلة النوعية، يقترح الخبراء سياسات داعمة تشمل: تخصيص 10% من الاستثمار العام للزراعة (نحو 200 مليار جنيه سنوياً)، ورفع الإنفاق على البحث العلمي والإرشاد الزراعي إلى 1% من الناتج المحلي الزراعي (ما يعادل 160 مليار جنيه سنوياً) للتركيز على استنباط أصناف موفرة للمياه وذات إنتاجية عالية، وتحديث القوانين المنظمة للقطاع، خاصة قانون التعاونيات الزراعية، لتمكينها من لعب دورها المنشود، والتركيز على التنمية الرأسية وزيادة الإنتاجية في الأراضي الحالية، مع ضبط التوسع الأفقي بعد استكمال المشروعات الجارية. يرأس الجمعية الدكتور سعد نصار محافظ الفيوم ورئيس مركز البحوث الزراعية سابقا.