«وفاة رضيعة في حضن أمها العاملة».. القصة الكاملة ل مأساة شركة الغزل والنسيج بالإسكندرية

أثارت واقعة مؤسفة داخل إحدى شركات الغزل والنسيج بالمنطقة الحرة في العامرية بغرب الإسكندرية، حالة كبيرة من الغضب بين العاملين والرأي العام، وذلك بعدما تحولت معاناة إحدى الأمهات العاملات بالشركة إلى مأساة انتهت بفقدانها رضيعتها، نتيجة رفض الإدارة منحها إجازة قصيرة لرعايتها أثناء مرضها.
القصة الكاملة ل مأساة شركة الغزل والنسيج بالإسكندرية
وفقدت إحدى العاملات طفلتها الرضيعة التي لم تكمل شهرها الرابع، إثر اصابتها بميكروب احتاجت معه إلى رعاية الأم، إلا أن طلبها الحصول على إجازة قوبل بالرفض من مسؤولي الشركة، رغم توسلاتها المتكررة، لتنتهي القصة بوفاة الصغيرة.
وتحول منزل أسرة الطفلة الصغيرة التي توفيت في حضن أمها إلى مجلس عزاء، إذ استقبلت الأم «دعاء أحمد» المعزين من الأهل والجيران الذين التفوا حولها لمساندتها بعد الفاجعة، فيما تعيش الأم حالة من الانهيار النفسي بعد أن فقدت ابنتها بسبب رفض الشركة منحها بضعة أيام لرعايتها.
«بنتي راحت في لحظة، وعايزة حقها»، بهذه الكلمات المؤلمة كشفت الأم «دعاء» تفاصيل ما حدث لرضيعتها، موضحة أنها كانت قد عادت إلى عملها منذ نحو عشرة أيام فقط، عقب انتهاء إجازة الوضع التي استمرت ثلاثة أشهر، لكن ابنتها تعرضت لوعكة صحية خطيرة استدعت دخول المستشفى، وتبين إصابتها بميكروب شديد في المعدة.
وأضافت الأم أنها حاولت أن تتصل مع إدارة الشركة للحصول على إجازة لمتابعة إصابة طفلتها، لكن دون جدوى، خاصة أنها لم تكمل سوى عام واحد في العمل بالشركة، مشيرة إلى أنها ذهبت لمقر الشركة صباح الخميس، بعدما تغيبت اليوم السابق لمرافقة ابنتها، خشية توقيع خصم مالى يصل إلى 2000 جنيه كعقوبة.
وأوضحت دعاء أنها فوجئت بتدهور حالة رضيعتها بشكل سريع، وبعد مراجعة الطبيب أكد ضرورة بقائها بجانبها طوال الوقت، إلا أن محاولاتها للحصول على موافقة رسمية بالغياب قوبلت بالرفض، وبالرغم من موافقة المشرفة المباشرة، إذ أصرت مديرة المصنع على رفض الإجازة وتعاملت معها بأسلوب مهين.
وأشارت دعاء إلى أن تأخر المصنع في منحها إجازة لمتابعة ابنتها ساهم في فقدانها حياتها، مؤكدة أنها تتمسك بمحاسبة المسؤولين عن هذه المأساة، والقصاص لطفلتها التي رحلت ضحية إهمال وتجاهل الشركة لظروفها الإنسانية.
وأعلن عمال الشركة عن إضراب عن العمل بعد حدوث الواقعة المأساوية، تعبيرًا عن غضبهم بعد وفاة الطفلة، واحتجاجًا على رفض الإدارة منح الأم إذنًا أو إجازة تسمح لها بمتابعة علاج ابنتها، وهو ما أشعل حالة من الغليان داخل المصنع.
الاتحاد المصري للنقابات العمالية يتضامن مع والدة الرضيعة
وأصدر الاتحاد المصري للنقابات العمالية (تحت التأسيس)، بيانا رسميا للتضامن مع والدة الرضيعة، وجاء نص البيان كالتالي:
إن الاتحاد المصري للنقابات العمالية (تحت التأسيس)، إذ يتابع ببالغ القلق والأسى ما يتعرض له العاملات والعمال في شركة النسيج بالإسكندرية، يعلن تضامنه الكامل وغير المشروط مع نقابتهم ومع كل العاملات والعمال المضربين عن العمل دفاعًا عن حقوقهم المشروعة وكرامتهم الإنسانية.
لقد بلغ الاستخفاف بحقوق العمال واحتياجات أسرهم مبلغًا خطيرًا بعد أن دأبت إدارة الشركة على تأخير صرف الأجور بشكل متكرر، وهو ما تسبب مباشرة في مأساة إنسانية مروّعة تمثلت في وفاة طفلة رضيعة بريئة، ابنة العاملة دعاء محمد، التي لم تتمكن حتى اليوم العاشر في الشهر من الحصول على أجرها المستحق لعلاج ابنتها، كما أنها اضطرت إلى الذهاب إلى الشركة، حاملة معها ابنتها المريضة، لتحصل على إذن بالغياب لليوم الثاني حتى لا يتم حرمانها من مبلغ 2000 بدل غلاء المعيشة الذي تتحكم فيه إدارة الشركة، وتمنعه عمن يغيب ليومين دون إذن، ولكن مديرتها المتعنتة رفضت الموافقة على الإجازة، أو إعطاءها الإذن للخروج، وقد منعها أمن الشركة من الخروج من الشركة إلا بعد الحصول على الإذن، وظلت ممنوعة من الخروج لحوالي ثلاث ساعات وكأنها محتجزة داخل الشركة، حتى أخبرها أحد موظفي شؤون العاملين بالشركة بالموافقة على الإجازة (مع إصرار مديرتها على رفض الإجازة والتصريح لها بالإذن) لكي تخرج من الشركة بعد تدهور حالة ابنتها بشدة، ولكن للأسف الشديد فارقت الابنة الرضيعة الحياة بين يدي أمها على أبواب المنطقة الحرة حيث مقر الشركة، قبل أن تتمكن من إنقاذها. إن هذه الواقعة المفجعة تمثل جريمة إنسانية وأخلاقية وقانونية تتحمل مسؤوليتها إدارة الشركة أولًا وأخيرًا.
إن ما حدث لا يعد مجرد مخالفة لقانون العمل أو انتهاكًا لحقوق العمال فقط، بل هو انتهاك صريح للدستور المصري، وللمواثيق والاتفاقيات الدولية التي تكفل الحق في الأجر العادل وفي بيئة عمل آمنة وكريمة. وهو أيضًا استخفاف بكرامة الإنسان وبأبسط الحقوق في الحياة.
لقد اضطر ما يقرب من 600 عاملة وعامل في المصانع إلى الدخول في إضراب مفتوح بعدما تجاهلت الإدارة مطالب النقابة العادلة والمتكررة، والتي تتمثل في:
الالتزام بصرف الأجور في مواعيدها القانونية دون تأخير أو مماطلة.
تطبيق الحد الأدنى للأجور المقرر قانونًا.
الالتزام بساعات العمل القانونية (8 ساعات يوميًا) وعدم إجبار العمال على نصف ساعة إضافية بلا أجر.
صرف بدل مخاطر 7 أيام شهريًا.
توفير معايير السلامة والصحة المهنية داخل المصانع.
الدخول في مفاوضة حقيقية وإبرام اتفاقية عمل جماعية مع النقابة العمالية بالشركة.
وإن الاتحاد المصري للنقابات العمالية (تحت التأسيس) إذ يحمّل إدارة الشركة كامل المسؤولية عن وفاة الطفلة البريئة، وعن معاناة العمال وأسرهم، فإنه:
يطالب وزارة العمل بسرعة التدخل ومحاسبة الشركة على مخالفتها الجسيمة للقانون، وضمان صرف أجور العمال في مواعيدها المقررة.
ويؤكد على ضرورة تطبيق الحد الأدنى للأجور وجميع حقوق العمال المنصوص عليها في القانون والدستور.
ويدعو كل الجهات الرسمية والمدنية إلى التضامن مع العمال والضغط من أجل وقف هذه الانتهاكات.
ويشدد على أهمية احترام معايير العمل الدولية، وفتح باب الحوار والمفاوضة الجماعية.
ويؤكد أن الكرامة الإنسانية لا يجوز المساس بها، وأن العاملات والعمال ليسوا أداة للربح، بل شركاء في الإنتاج لهم حقوق أصيلة غير قابلة للتفريط.
ختامًا، يتقدم الاتحاد بخالص العزاء والمواساة إلى العاملة المفجوعة وأسرتها، ويدعو الله أن يلهمهم الصبر والسلوان، ويطالب كل الجهات أن تقوم بمسؤولياتها والالتزام بدورها، وعلى رأسها وزارة العمل، ومحاسبة إدارة الشركة فيما يتعلق بتطبيق الحد الأدنى للأجور ومواعيد الوفاء بهذه الأجور، وغيرها من المطالب النقابية والعمالية.
كما يؤكد الاتحاد على ضرورة احترام معايير العمل الدولية، واحترام الدستور والقانون، واحترام العمال ومطالبهم، واحترام حقوقهم العمالية والنقابية، وتغليب قيم الحوار، وفتح باب المفاوضة بين كافة الأطراف، وذلك تحقيقًا للعدالة الاجتماعية، خاصة في ظل الأوضاع والظروف الاقتصادية الصعبة والضغوط المعيشية المتزايدة التي يعاني منها العمال بسبب انخفاض قيمة ما يتقاضونه من أجر لم يعد يسد أدنى احتياجاتهم الأساسية، حتى بعد تطبيق الحد الأدنى للأجور، فما بالنا إذا لم يطبق أصلًا. ويجدد الاتحاد تأكيده على مواصلة النضال حتى ينال العمال حقوقهم كاملة غير منقوصة، في وطن يقوم على العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
أول تحرك عاجل من وزارة العمل بشأن واقعة وفاة رضيعة بالإسكندرية
ووفقًا لتعليمات محمد جبران وزير العمل، تابعت مديرية العمل بمحافظة الإسكندرية واقعة وفاة رضيعة تعمل والدتها داخل شركة لصناعة النسيج والمفروشات بالمنطقة الحرة بالعامرية بالإسكندرية، وذلك لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة والتحقق من كافة المعلومات بعد فقدان العاملة دعاء محمد طفلتها الرضيعة ابنة الثلاثة أشهر التي توفيت على ذراعها.
وقالت المديرية إنه سيتم غدا عقد اجتماع تشارك فيه جميع الأطراف المعنية، لبحث مطالب العمال طبقا للقانون.