«اقتصاد» ترامب يرفض «سياسة» بايدن لتعزيز المنافسة في السوق الأمريكية

أعلن البيت الأبيض، أمس الأربعاء، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ألغى أمرًا تنفيذيًا أصدره سلفه جو بايدن، في يوليو 2021، كان يستهدف تعزيز المنافسة في الاقتصاد الأمريكي والحد من الممارسات الاحتكارية.
كان الأمر التنفيذي الذي أصدره بايدن يهدف إلى مواجهة هيمنة الشركات الكبرى على السوق الأمريكي، والتي تؤدي إلى رفع الأسعار وتقليل جودة الخدمات. واستهدف الأمر قطاعات استراتيجية، من بينها الطيران (لمواجهة الرسوم المبالغ فيها على المسافرين)، والرعاية الصحية (لمحاربة ارتفاع أسعار الأدوية والخدمات الطبية)، وسوق العمل (لزيادة حماية الموظفين ومنع استغلالهم).
ورغم أن هذا التوجه حظي بدعم شعبي كبير داخل الولايات المتحدة، لأن المواطنين شعروا أنه يقف في صف المستهلك العادي ضد نفوذ الشركات العملاقة، إلا أن هذه المرة رحبت وزارة العدل الأمريكية بخطوة ترامب، وأعلنت أنها ستعتمد ما أسمته «نهج مكافحة الاحتكار أولًا لأمريكا» (America First Antitrust)، وهو توجه يقوم على ترك السوق يعمل بحرية أكبر، دون تدخل حكومي كبير أو قيود تنظيمية ثقيلة.
في المقابل، انتقدت الوزارة سياسات إدارة بايدن السابقة، ووصفتها بأنها «مفرطة في التعقيد والبيروقراطية» التي تبطئ حركة الاقتصاد.
كما أشارت إلى أنها تعمل على تبسيط عملية مراجعة صفقات الاندماج بين الشركات وفق قانون «هارت- سكوت- رودينو» (وهو قانون أمريكي يلزم الشركات الكبرى بإخطار الجهات الرقابية قبل إتمام عمليات الاندماج أو الاستحواذ حتى يمكن تقييم تأثيرها على المنافسة).
إلى جانب ذلك، أعلنت الوزارة، أنها ستعود إلى استخدام «اتفاقيات التسوية القانونية» أو ما يُعرف بال«Consent Decrees»، وهي اتفاقات تُبرم بين الحكومة والشركات المخالفة، تلزم الأخيرة بتغيير سلوكها أو سياساتها دون الحاجة إلى محاكمة طويلة، منعًا لتوقيف حركة الاقتصاد لفترات طويلة بسبب الإجراءات البيروقراطية الطويلة.
ما تبعات قرار ترامب؟
بحسب صحيفة جارديان، فإن إلغاء أمر بايدن التنفيذي قد يعيد اليد العليا للشركات الكبرى في السوق الأمريكي، مما قد يؤدي على المدى البعيد إلى زيادة الأسعار وتقليل المنافسة.
وبالنسبة للعالم، فإن تراجع الرقابة على الشركات الأمريكية الكبرى قد ينعكس على الأسواق الدولية، خاصة في مجالات الأدوية والطاقة والتكنولوجيا.
أما بالنسبة لباقي دول العالم، فإذا ارتفعت أسعار الأدوية أو الحبوب أو الطاقة عالميًا بسبب قلة المنافسة في السوق الأمريكي، فقد يؤثر ذلك بشكل غير مباشر على الأسعار المحلية في كثير من الدول، خصوصا الدول التي تعتمد أسواقها على الاستيراد في هذه القطاعات.
صراع فلسفات بين بايدن وترامب
قرار ترامب بإلغاء أمر بايدن التنفيذي ليس مجرد تعديل في سياسات مكافحة الاحتكار، بل يعكس اختلافًا جذريًا في الفلسفة الاقتصادية لكل منهما. بايدن يتبنى نهجًا تدخليًا، يرى أن على الحكومة أن تلعب دورًا نشطًا في ضبط السوق وحماية المستهلكين من نفوذ الشركات الكبرى، حتى لو تطلب ذلك فرض قيود تنظيمية صارمة.
أما ترامب، فيمثل تيارًا أقرب إلى المدرسة الليبرالية الجديدة (Neoliberalism)، التي تفضل تقليص دور الدولة وترك آليات السوق تعمل بحرية أكبر، بدعوى أن المنافسة الطبيعية ستفرز الأفضل للمستهلكين على المدى الطويل. من منظور سياسي، فإن هذه الخطوة ترضي قاعدة ترامب الانتخابية، التي تميل إلى رفض القيود البيروقراطية وتؤيد خطاب "أمريكا أولًا" الذي يعطي أولوية للشركات المحلية والمستثمرين الكبار.
لكن من منظور اقتصادي عالمي، فإن هذا التحول قد يزيد من تركيز رأس المال في أيدي عدد أقل من الشركات العملاقة، ما قد يعيد مشهد الاحتكارات الكبرى الذي عرفته الولايات المتحدة في مطلع القرن العشرين، والذي كان له تأثيرات عابرة للحدود. بالنسبة لدول مثل مصر، فإن استمرار هذا المسار قد يعني ارتفاع تكاليف الاستيراد في قطاعات استراتيجية، ما يفرض ضغوطًا إضافية على الميزان التجاري والأسعار المحلية.