على رصيف محطة قطار السد العالى فى أسوان، انطلقت صافرات قطار العودة بعد رحلة طويلة استمرت نحو 13 ساعة من القاهرة إلى أسوان، حاملة معها حلم العودة لأبناء السودان. لحظات اختلطت بها دموع الفرح بالعودة إلى الوطن والأهل، ودموع الحزن لفراق أحبتهم وأماكن ارتبطت فى وجدانهم. يصل القطار إلى محطته فى أول رحلة عودة لأبناء الشعب السودانى حاملًا معه المئات من أبناء السودان العائدين طواعية إلى وطنهم يحلمون ببناء وطن جديد. توقف القطار على رصيف محطة السد العالى بعد إطلاق صافرات الوصول لتبدأ المرحلة الأخيرة من رحلة العودة، حيث تصطف 20 حافلة خارج محطة القطار لتقل المغادرين إلى مدينة أبوسمبل السياحية جنوبا، ومنها لاستقلال العبارات إلى ميناء قسطل من الجانب المصرى على بُعد كيلو مترات قليلة من الحدود السودانية، لتصل الحافلات إلى معبر أشكيت بالأراضى السودانية إيذانا بالعودة. السفير عبد القادر عبدالله، القنصل العام لجمهورية السودان فى أسوان، والذى كان فى استقبال المغادرين على رصيف المحطة، قال إن مبادرة العودة جاءت نتاج تعاون وزارة النقل المصرية والسفارة السودانية بالقاهرة ولجنة الدفاعات الصناعية السودانية، وهيئة وادى النيل للملاحة النهرية، وهى أول رحلة عودة طوعية تجريبية سيتبعها تنظيم العديد من رحلات العودة لنقل العائدين من أبناء الشعب السودانى. وأضاف أن مصر كان لديها موقف عظيم منذ اندلاع الحرب والوقوف إلى جانب السودان واستقبال آلاف الأسر السودانية، مشيدا بدور الرئيس السيسى والدبلوماسية المصرية ومؤسسات الدولة والمجتمع المدنى المصرى منذ اندلاع الحرب، مثمنا موقف الشعب المصرى وأنه كان له دور كبير فى امتصاص الصدمة الأولى لآثار الحرب، من خلال الاستقبال الشعبى المصرى الحميم لأبناء الشعب السودانى، بعد أن فتحوا بيوتهم لاستقبال أهلهم، وأن المصريين تعاملوا بقيمهم وأخلاقهم وموروثهم الثقافى، مشيرا إلى أن مصر كما كان لها دور كبير أثناء الحرب، فسيكون لها دور كبير فى إعادة إعمار السودان من خلال الشركات ورجال الأعمال المصريين. العميد محمد آدم محمد، رئيس هيئة وادى النيل للملاحة النهرية، قال إنه جارٍ الإعداد لنقل العائدين طوعا إلى السودان عبر ميناء السد العالى شرق ومنه إلى ميناء حلفا بالسودان من خلال بواخر الهيئة، حيث جارٍ الاستعداد لتسيير رحلات عبر الميناء خلال شهر أو شهرين، وذلك لحين إنهاء بعض التجهيزات فى ميناء حلفا بالسودان وإعداده لاستقبال العائدين، وذلك عبر الباخرة سيناء إحدى البواخر العاملة بالهيئة، حيث سيتم نقل المسافرين من ميناء السد العالى النهرى إلى ميناء حلفا، وتستوعب الباخرة 650 راكبا بكافة متعلقاتهم وأمتعتهم وتستغرق الرحلة بين الميناءين 17 ساعة مع إمكانية زيادة عدد الرحلات إلى رحلتين يوميا. «شكرا يا مصر» بهذه الكلمات تحدثت ناهد عبدالقوى من أبناء السودان العائدين، قائلة: نشكر الشعب المصرى على حسن الاستضافة، فقد كانوا العوض عن فراق الأهل والوطن، فالشعب المصرى عبر تاريخه معروف عنه أنه شعب كريم مِضياف، وسنفتقد الكثير من الأصدقاء الذين كانوا عونا لنا عندما قدمنا وقت الحرب، وسنفتقد الروح وخفة دم المصريين، فكم تأثرنا بعادات ومعاملات المصريين، لكننا سنبقى على تواصل دائما بعد عودتنا، وتابعت: رغم مشقة رحلة العودة، إلا أنها كانت جميلة بأنها ستنتهى بنا إلى أحضان الوطن والأهل فى السودان لنبدأ فى إعمار الوطن. على حقائبه جلس الحسن الأمين يستريح من مشقة السفر وبعد رحلة طويلة بالقطار يروى لنا كيف جاء إلى مصر مع أسرته بعد اندلاع الحرب: «قدمت إلى مصر مع أسرتى منذ نحو عام ونصف هربا من الحرب وخوفا على أبنائى وأهلى من الفظائع والمذابح التى ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع ضد أبناء الشعب السودانى وأقمنا فى منطقة فيصل بالقاهرة بالفعل وجدنا الأمن والأمان وسط أهلنا فى مصر والذين كانوا لنا بمثابة الأهل، فحقيقة ما يقال إن مصر بلد الأمن والأمان لمسناه خلال إقامتنا بها، فتحيا مصر قيادة وحكومة وشعبا على حسن وكرم الاستضافة» محبات عبدالرازاق، من ولاية بحرى السودان، تقول والدموع تنهمر من عينيها، إنها عاشت عامين فى مصر وسط أهلها ولم تشعر يوما بأنها فى غربة، وتابعت: «جيرانى المصريين هيوحشونى وهتوحشنى مصر بعد عامين قضيتهما فى مصر وكأنى فى بلدى»، مضيفة: «أعود الآن إلى وطنى وأهلى وألتقى أمى ومنزلنا الذى تركناه بعد أن استقرت الأوضاع هناك والحمد لله، كنا دائمى التواصل مع الأهل واطمئننا على منزلنا بأنه لم يتضرر من آثار الحرب»، واختتمت حديثها: «نتوجه بالشكر إلى الرئيس السيسى وعاشت مصر وأهلها فى أمن وأمان وتحيا مصر». وقال بشير نور الدين (تاجر سودانى) والذى جاء بعائلته إلى مصر وقت الحرب، إن محطة قطار السد العالى إحدى أقدم محطات السكة الحديد فى مصر والمحطة الأخيرة التى ينتهى إليها سكك حديد مصر، لطالما كانت همزة الوصل بين أبناء وادى النيل وملتقى وسوق تجارية بين البلدين، تشهد هذه اللحظات التاريخية بعودة أبناء السودان إلى وطنهم من ذات المكان، حيث كان ينتظر الجميع بشغف صافرة الباخرة القادمة من السودان الأربعاء من كل أسبوع، قبل رسوها على رصيف ميناء السد العالى، تحمل معها البضائع والمنتجات السودانية القادمة من السودان لينعقد سوق الأربعاء على رصيف المحطة والذى كان يعتبر ملتقى تجاريا ومنطقة تجارة حرة مصرية - سودانية.