أسعار الذهب اليوم الأحد 13 يوليو 2025.. احسب فاتورتك لو اشتريت عيار 21 من 43 يومًا    الإعلان عن خطة شاملة لتطوير مدينة القصير بالبحر الأحمر    أسعار الفراخ والبيض في أسواق وبورصة الشرقية اليوم الأحد 13-7-2025    ننشر أسعار الأسماك والخضراوات والدواجن.. الأحد 13 يوليو    «أنا ضد خروجه تمامًا».. ضياء السيد يحذر الأهلي من التفريط في هذا اللاعب    نتيجة الدبلومات الفنية 2025| اكتب رقم جلوسك واستعلم فورًا عبر «البوابة نيوز»    تامر أمين عن ظاهرة التباهي بين الاغنياء في الساحل الشمالي: يعني إيه عربية ب 50 مليون جنيه (فيديو)    محمد سمير يعلن اعتزاله كرة القدم.. وانضمامه للجهاز الفني بنادي زد    الدولار ب49.58 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأحد 13-7-2025    والده يعشق الكاراتيه وأزمة بسببه.. 15 صورة وأبرز المعلومات عن عائلة وسام أبو علي    آخرها فنانة سويسرية.. كابوس مها الصغير لا ينتهي    البيت الفني للمسرح يقدم 15 عرضًا و100 ليلة عرض دعماً للشباب    مع زيادة الرسوم الجمركية.. توقعات بارتفاع التضخم في أمريكا    لوقف النار بغزة.. نتنياهو يستدعي سموتريتش وبن غفير    «دوروا على غيره».. نجم الزمالك السابق يوجّه رسائل نارية لمجلس لبيب بسبب حمدان    «مش هتقف على حد».. تعليق قوي من نجم الأهلي السابق بشأن رحيل وسام أبوعلي    أونانا خارج حسابات مانشستر يونايتد في جولة أمريكا استعدادًا للموسم الجديد    نتنياهو: نعمل على اتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة 60 يوما    التفاصيل الكاملة لحادث غرق سيارة بالرياح الناصري في الجيزة (صور)    زعيم كوريا الشمالية يؤكد استعداده لدعم إجراءات روسيا بشأن تسوية الأزمة الأوكرانية    وكالة فارس: الرئيس الإيراني أُصيب في هجوم إسرائيلي استهدف اجتماعا سريا للأمن القومي في 16 يونيو    رسمياً.. بدء تسجيل اختبارات القدرات لتنسيق الجامعات 2025 والإعلان عن قواعد تنظيمية مشددة    أفضل أدعية الفجر.. 10 صيغ لطلب الرزق وصلاح الأحوال    البث العبرية: نتنياهو يعقد اجتماعًا الليلة بشأن صفقة التبادل    اللقب الثالث تواليا يضيع.. الشرطة بقيادة مؤمن سليمان يودع كأس العراق بركلات الترجيح    انفوجراف.. الحصاد الأسبوعي لأنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي    نرمين الفقي وسط البحر وابنة عمرو دياب جريئة.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    نشرة التوك شو| مصر تقود جهود إقليمية لوقف إطلاق النار بغزة وارتفاع درجات الحرارة يُفاقم الحرائق    للمرة الثانية.. سيدة تضع مولودها داخل سيارة إسعاف بقنا    23 متهمًا للمحاكمة في خلية اللجان النوعية| اليوم    خاص| الدبيكي: تمثيل العمال في «الشيوخ» ضرورة وطنية لتحقيق التوازن التشريعي    رئيس شعبة الأسمنت: الأسعار مستقرة والناس لا تعترض بعد التراجع الكبير في الأسبوعين الماضيين    القضاء الإداري يتلقى طعنا لاستبعاد مرشحين من انتخابات مجلس الشيوخ بالقليوبية    انتخابات الشيوخ بأسيوط.. القائمة محسومة وصفيح ساخن على الفردي    «عجائب قريتي».. رواية جديدة لماهر مهران    تسجل 43 درجة.. بيان مهم يكشف طقس الساعات المقبلة وموعد عودة الأمطار الرعدية    نجاح فريق الجراحة بمستشفى الفيوم العام في إنقاذ طفل بعد انفجار بالأمعاء الدقيقة    مصرع شخص تحت عجلات القطار بمركز المراغة بسوهاج    بعد أزمة الإنترنت.. WE تكشف آلية تعويض المستخدمين    مغلق من 13 عامًا.. عمرو سمير عاطف: غياب قصر الثقافة حرم أجيالًا من الفن والمسرح    رئيس وزراء العراق: اتفاق تركيا والعمال الكردستاني مفيد للمنطقة    فلسطين.. إصابتان باعتداء قوات الاحتلال في رامين ومخيم طولكرم    7 أسباب شائعة وغير متوقعة لرائحة التعرق الكريهة    نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس عبر بوابة التعليم الفني (رابط)    «زي النهارده».. وفاة كمال الدين رفعت أحد الضباط الأحرار 13 يوليو 1977    انفراجة حقيقية في الأوضاع المالية.. حظ برج الدلو اليوم 13 يوليو    رسالة جديدة من مودريتش بعد رحيله عن ريال مدريد    أزمة الوفد وانتخابات الشيوخ    بين مكاسب إسرائيل والحسابات الخاطئة للعرب    يمنع امتصاص الكالسيوم.. خبيرة تغذية تحذر من الشاي باللبن    ماء الكمون والليمون.. مشروبات فعالة في التخلص من الغازات والانتفاخ    بتهمة تجارة المخدرات.. المشدد 6 سنوات لسائق توك توك في الوراق    «الصحة» تدعم مستشفى كفر الدوار العام بجهاز قسطرة قلبية ب 23 مليون جنيه    الاتصالات: تفعيل خطط بديلة بعد حريق سنترال رمسيس لإعادة الخدمة تدريجيا    هل الوضوء داخل الحمام صحيح؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    رئيس جامعة الأزهر: آية الدعاء في عرفة تقسم الناس إلى فريقين.. وأقوال المفسرين تكشف دقة التوجيه القرآني    ما هو أقل ما تدرك به المرأة الصلاة حال انقطاع الحيض عنها؟.. الإفتاء تجيب    باحث بمرصد الأزهر: التنظيمات المتطرفة تستخدم الخوف كوسيلة للسيطرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة إلى بلاد الخوميني وحوار مع رئيس جمهورية في المعارضة (الحلقة الأولى )
نشر في المصري اليوم يوم 13 - 07 - 2025

«إن العلاقة بين البلدين زادت توثُّقًا عندما انضم بعض الإسرائيليين بشكل سرى إلى جهاز الاستخبارات المركزية للمساعدة فى تنظيم، وترشيد جهاز الأمن الإيرانى، وتمت هذه الخطوة كلية فيما يُسمى «تحت المائدة»، أى عملية سرية بالضرورة، لكنها كانت بمثابة دعم كبير للإيرانيين».
بهذه الروح، قمت بالمغامرة الإيرانية.
في شتاء عام ألفين، كدت أقفز فى الهواء انتشاء بعد أن تلقيت دعوة إلى زيارة طهران، عاصمة الدولة المخيفة المحاصرة، المتهورة، الحالمة بإمبراطورية فارسية على رأسها عمامة شيعية.
فرصة ربما لا تتكرر لرؤية دولة ممزقة بين زمانين منفصلين بينهما مسافة تقاس بالقرون.
دولة ترفع شعارات سامية، لكنها تمارس سياسة قمعية ساحقة.
دولة تشك فى نفسها، ترى الأجنبى جاسوسًا، وترى المواطن الذى يقترب منه خائنًا، حتى تحكم الصمت فى الجميع، لا تكسره إلا نظرة عين لها مغزى، وإشارة من بعيد أصبحت لغة تفاهم.
كانت الدعوة من اتحاد الصناعات فى القاهرة.
فى ذلك الوقت من شتاء عام ألفين، بدا واضحًا أن الفرصة سانحة لترميم الجسور المحترقة بين مصر وإيران، فى وجود رئيس جمهورية قادر على التحرش بالسلطة الدينية القابضة المتشددة، هو «محمد خاتمى».
وصل «محمد خاتمى» إلى السلطة بسبعين فى المائة من الأصوات، ببرنامج دعا فيه إلى التوافق والتسامح وحوار الحضارات، والتخلص من أساليب القمع والقهر وغسل الدماغ، واستجابت الأمم المتحدة لدعوته وخصصت يومًا للحوار العالمى.
ولكن ما إن جلسنا إليه حتى شعرنا أنه يختنق بمشنقة من حبال خشنة وضعها المرشد الأعلى للثورة «على خامئني» حول رقبته، حتى يتخلص من دعوته «الإصلاحية» التى وُصفت بأنها دعوة «إباحية».
وبدا واضحًا أن مكتبه ملغم بأجهزة التنصت، فانتقلنا إلى حجرة جانبية، يطمئن إلى جدرانها.
فى ذلك اليوم، سجلت على لسانه:
«حاولت رد الاعتبار للحرية بعد أن نشف حلقها من شدة العطش، وتجمد دمها من شدة الخوف، وتورمت أقدامها من شدة الضرب، وتفتت عظامها من كثرة النوم على البلاط البارد، لكنى فشلت».
فيما بعد بالتحديد فى ربيع عام 2009 التقيت به مرة أخرى بدعوة من «محمد حسنين هيكل» وجهها إلى مجموعة من المثقفين والسياسيين والصحفيين المصريين، تعبر عن شتات الاتجاهات من اليسار إلى الإخوان.
ونشرت على لسانه:
«لو كانت السياسة تفرق فإن الثقافة توحد».
«تعيش النظم الرائعة بالكلمة، والصورة، والقصيدة، والأغنية، والمسرحية، والسيمفونية، ولا تعيش بالبندقية».
كانت المرة الأولى التى نرى فيها «رئيس جمهورية» فى المعارضة، لكننا فى دولة دينية «خومينية»، لا كلمة تعلو فوق كلمة المرشد الأعلى.
وتصل هذه التراجيديا إلى أقصاها، حين عاد «محمد خاتمى» إلى بلاده ليجد اسمه ممنوعًا من النشر فى «الميديا»، وممنوعًا من التداول فى المنتديات الجامعية، وممنوعًا من الهمس به فى المؤسسات الرسمية التى تحت أمره.
ما إن دعا إلى الانفتاح الحضارى، حتى أصبح عدو الدولة، وهو رئيسها.
هنا تذكرت «بوستر» شاهدته على جدار مدينة «فيينا»، عليه صورة «آية الله الخومينى»، وكتب تحتها: «الرجل الذى حرم الموسيقى».
ولو كان لنا أن نلصق بوستر بديل، عليه صورة «محمد خاتمى»، لكتبت عليه: «الرجل الذى أسقطته الموسيقى».
الحقيقة أن «آية الله الخوميني» لم يحرم النغمة والسيمفونية والأغنية فقط، وإنما حرّم الحب، والحث، والحلم، والحس أيضًا.
وفى عام 1962، عارض حق النساء فى التصويت والترشيح، ومنذ ذلك الوقت نال سمعة «عدو المرأة»، مصرًا على ألا يستجيب لحقائق ثبتت، وحقوق استقرت.
والحقيقة أن المرأة الإيرانية تنشر حولها جاذبية تسحق فى لحظة واحدة كتيبة من الرجال، فكيف يمكن معاداتها؟
حدث أن توقفت فى متجر للفاكهة الجافة، مشدودًا لجمال امرأة أزاحت الشادور الأسود عن شعرها، وكأنى مراهق فى بداية البلوغ.
وبعيدًا عن المرأة، تكررت فتاوى «الخومينى» فى أدق تفاصيل الحياة، فأُطفئ نور التطوير والتحديث فى العقول، وأُشعلت نار الغِلّ والغضب فى القلوب.
وكلما حاول الإيرانيون نسيانه، وجدوا ما يذكرهم به.
ما إن اقتربت الطائرة من مطار طهران حتى سمعنا أننا سنهبط فى مطار يحمل اسمه، وما إن دخلنا صالة الوصول حتى صدمتنا صورة كبيرة له يصعب تجاهلها.
صورة رجل بدا «مثل رصاصة انطلقت من القرن السابع واستقرت فى قلب القرن العشرين»، على حد وصف «محمد حسنين هيكل» فى كتابه «مدافع آية الله».
«شكلًا وموضوعًا، بدا وكأنه شخصية من شخصيات الفتنة الكبرى فى الإسلام، عادت بمعجزة إلى الحياة، لتقود معسكر الإمام على بعد ثلاثة عشر قرنًا من الزمان، وصلت فيها البشرية إلى مئات الاختراعات والاكتشافات، وعرفت مليارات من المعلومات، ونالت الكثير من الحريات».
جاء الرجل من زمن غابر بعيد، ليفرض حكمه على عالم يجهل ما فيه.
فهو لا يعرف شيئًا عن غزو الفضاء، وتفتيت الذرة، وجينات الخلايا، والحرب الباردة، وحقوق المرأة، وعلمانية الدولة، وسيادة التشريعات الوضعية، وطبيعة العلاقات الدولية.
ولم يستوعب التناقض بين الديانة برحابتها وثباتها وقداستها، والسياسة بقصورها وتغيرها وفسادها.
ولم يعرف كيف تصبح الثورة دولة؟ وفشل فى تأليف قلوب أمة متعددة القوميات والديانات. ولو لم يؤمن بأفكاره، أجبر بالشدة عليها.
وكان من السهل عليه أن يهدم ما وجد من تنظيمات ومؤسسات وهيئات قائمة، ولكن لم يعرف كيف يشيد عليها كيانات بديلة.
فى الثمانين من عمره، أصبح مطاعًا مقدسًا، بعد أن منح نفسه لقب «الولى الفقيه»، متصورًا أن عباءته السوداء لو فرشها، ستكون ظل الله على الأرض.
ولكنه أُجبر على إنهاء الحرب بينه وبين العراق، وفى تلك اللحظة بث خطابًا يمكن تلخيصه فى جملة واحدة بالفارسية: «نوشيدون جام زهر»، ومعناها «إنه تجرع السم الملوث» بقبول القرار.
حرب استمرت ثمانى سنوات، وبلغت خسائرها 400 مليار دولار ومليون قتيل، وخلفت وراءها أرامل فى سن الشباب، لم يجدن سوى زواج متعة مؤقتٍ ولو لعدة أيام ليعوضن بعضًا من حرمان جسد جف من طول إهمال.
هبطت «طهران» بعد 12 سنة من نهاية الحرب.
لكن كان الإهمال نوعًا من السرطان، انتشر فى شوارع المدينة المخنوقة بأكوام القمامة، والمزدحمة بنحو عشرة ملايين نسمة.
ويتجسد الانهيار بوضوح فى فندق «الاستقلال» الذى كان أكثر الفنادق رفاهية عندما كانت تديره شركة «هيلتون رويال» ولكن نجومه الخمس طارت بعيدًا، وأقسمت ألا تعود إليه.
لم يكن فى المطعم سوى طبق واحد دائم، فيه قليل من الدجاج وكثير من الأرز.
وبدت جملة «خدمة الغرف» أو «روم سيرفيس» كلمة غائبة عن قاموس الفندق.
وغالبًا ما تلامست الأسلاك مع بعضها البعض فى غرفتى بسبب أجهزة التنصت التى زُرعت فيها، فلو طرق أحد الباب، رن جرس التليفون، وما أن ترفع سماعة التليفون حتى تسمع رنين جرس الباب.
وتلامس الأسلاك ليس له سوى تفسير واحد، هو تداخل وسائل التنصت التى زرعتها أجهزة أمنية متعددة، لم تكن لتملك الخبرة الفنية.
لم أصدق ما رأيت، فأنا أعرف أن جهاز «سافاك» كان متطورًا، متحكمًا، ومرعبًا، حتى إن الإيرانيين كانوا يخشون أن يدعوا الله فى سرهم حتى لا يسمعهم ويعاقبهم، فما الذى جرى لأجهزة استخبارات الثورة؟
وسافاك اختصار «سازمان اطلاعات وامنيت كشور»، وتعنى «منظمة الاستخبارات والأمن الوطنية».
وليس صحيحًا ما نشره هيكل أن «سافاك» اسم أشهر شعراء فارس.
أعدمت الثورة الجنرال «نعمت الله ناصري»، آخر من رأس سافاك، وقتل رميًا بالرصاص، رغم اعترافاته الكاملة عن الجرائم التى ارتكبها نظام الشاه.
وفككت الثورة سافاك، لكنها أنشأت تسعة سافاك.
وفى الوقت الذى أخرست فيه تلك الأجهزة الأصوات، ودمرت، وعذبت، وسحقت، وسجنت، ولفقت قضايا التخابر لمئات من الأبرياء سنويًا، فإنها تركت «الموساد» يخترقها ويعبث بها، بتجنيد كم هائل من العملاء من مستويات اجتماعية وسياسية ودينية مختلفة، لم تعرفه دولة أخرى فى العالم منذ أنشئت أجهزة الاستخبارات.
انكشف ذلك فيما بعد، عندما بدأت إسرائيل حربها على إيران فى صيف 2025، حيث سبقها جواسيس الموساد فى تحديد مواقع إقامة قيادات الجيش، والاستخبارات، والحرس الثورى، مما سهل اغتيالهم.
ونُشر أنه قُبض على سبعمائة جاسوس استخدموا عشرة آلاف مسيرة، ساهمت فى القتل، والتدمير، والتخريب، والتضليل.
قطعًا هناك مئات غيرهم لم يُقبض عليهم.
وفى ملفات الاستخبارات الإيرانية، قضايا تجسس لصالح الموساد، تتجاوز فيها الدراما البشرية الخائنة حدود الخيال.
إنهم نجوم أثاروا شهية الميديا لكشف حقيقتهم بكل لغات الدنيا، والمؤكد أنهم سيدخلون تاريخ الخيانة على سجادة حمراء من دماء الذين تسببوا فى اغتيالهم.
وفى اللحظة المناسبة، سنستمتع برواية أشهرهم وأغربهم.
لكن السؤال الملح هو: ما سر هذا الاختراق الذى جعل فى الثوب الإيرانى ألف رقعة ورقعة؟
هناك سبب أول، هو التمييز فى المعاملة بين القوميات.
وهناك سبب ثان، هو تزايد نسبة الفقر سنة بعد أخرى.
وهناك سبب ثالث أهم، هو القهر الذى يعيش فيه الإيرانيون، خاصة الذين فقدوا بالتعذيب أهلهم.
وهناك سبب رابع يصعب إغفاله، هو التعاون الذى كان بين سافاك والموساد، وهذه قصة تستحق أن تُروى.
تبدأ القصة بتولى الدكتور «محمد مصدق» رئاسة الحكومة فى إيران، بعد أن فاز حزبه بالأغلبية فى الانتخابات التشريعية يوم 19 أبريل 1951، ولكن قبل أن يكمل الشهر، أُجبر الشاه «محمد رضا بهلوى» على توقيع قرار تأميم شركات البترول.
وضعته شركات البترول فى حرجٍ، فلم تدفع التزاماتها للخزانة، وعجزت الحكومة عن صرف الرواتب للموظفين، ثم توقف تكرير البترول، وحملت بريطانيا القضية إلى محكمة العدل الدولية، التى حكمت مرتين لصالحها، لكن الحكم لم يُنفذ.
ووجدتها وكالة الاستخبارات المركزية فرصة لتزيد من النفوذ الأمريكى على أماكن النفوذ البريطانية، وأرسلت رجلها المسؤول عن الشرق الأوسط «كيرميت روزفلت» ليطيح بحكومة الدكتور «محمد مصدق».
فى كتابه «الانقلاب المضاد»، جدد «كيرميت روزفلت» صلاته القديمة بالصحفيين، والسياسيين، ورجال الدين الذين جندهم من قبل.
وأمام إغراء المال هاجم رجال الدين «محمد مصدق» على المنابر، وهاجمه الصحفيون فى جرائدهم، وأشاع الجنرالات أنه شيوعى تحت سيطرة موسكو.
وفى 19 أغسطس 1953، نزل الجيش إلى الشارع بحجة حماية النظام من العصابات المتشاجرة فيه، ولكنها فى الحقيقة كانت متجهة إلى «محمد مصدق»، واعتقلته، وأغرقت زنزانة سجنه بالمياه حتى أصيب بأمراض لم يحتملها، وبعد ثلاث سنوات أفرج عنه ليموت وحيدًا منبوذًا.
عُرفت هذه العملية باسم «أجاكس»، وتكلفت 18 مليون دولار، وعاد الشاه بعدها إلى قصر «نيافاران» ليعلن أنه مدين بالحكم للولايات المتحدة.
الحقيقة أن الشاه بسبب طبيعته الخجولة، المفتقدة الثقة بالنفس، لم يُدر أزمته، وإنما تولتها شقيقته التوأم الأميرة «أشرف» التى وُصفت بأنها امرأة مُسترجلة، وإن تزوجت من ثلاثة رجال كان أحدهم موظفًا كبيرًا فى مصر الملكية.
وفى كتابه «الانقلابات المضادة»، ينسب «كيرميت روزفلت» حفيد الرئيس «تيودور روزفلت» أن والد الشاه احتج أكثر من مرة على مقدرات الطبيعة الذى خلط الأمور فى رحم زوجته «تاج الملك»، فأصبحت «أشرف» الولد، وأصبح «محمد رضا» البنت.
بسيطرة «كيرميت روزفلت»، خرجت واشنطن فائزة بنصيب الأسد فى النفط، ونصّبت الشاه شرطيًا على الخليج، وتقاسمت معه حكم إيران.
ووجدها الموساد فرصة، فراح يدعم سافاك بخبرات التنصت، وعمليات الاغتيال، ووسائل الاستجواب، وأساليب تحرير الرهائن، وتجنيد العملاء، مما جعل الموساد يعرف نقاط ضعف أجهزة الاستخبارات الإيرانية التى تربت على يديه، وهو يُغرى مئات من الإيرانيين بالتعاون معه كما انكشف فيما بعد.
فى ذلك الوقت، كانت العلاقة قوية بين إيران وإسرائيل، رغم أنها كانت علاقة خفية وليست علاقة رسمية.
ونقل «هيكل» عن الصفحة التاسعة من كتاب «كيرميت روزفلت» الذى سحبته الاستخبارات الأمريكية بعد نشره:
«إن العلاقة بين البلدين زادت توثُّقًا عندما انضم بعض الإسرائيليين بشكل سرى إلى جهاز الاستخبارات المركزية للمساعدة فى تنظيم، وترشيد جهاز الأمن الإيرانى، وتمت هذه الخطوة كلية فيما يُسمى «تحت المائدة»، أى عملية سرية بالضرورة، لكنها كانت بمثابة دعم كبير للإيرانيين».
لكن دعم المخابرات الإسرائيلية، والبريطانية، والأمريكية لنظام الشاه لم يمنع الثورة الخومينية من إسقاطه.
ولسنوات طوال، ظلت القوى الجديدة فى إيران تخشى أن تلقى المصير نفسه الذى أطاح بالدكتور «محمد مصدق».
وكان كثير من الطلبة الثوريين يتداولون كتاب «كيرميت روزفلت» رغم سحبه من مكتبات العالم كله.
وكان البعض منهم قد أبدى ترحيبه ليصحبنى فى زيارة للسفارة الأمريكية، طلبتها من الرجل الذى عينه اتحاد الصناعات الإيرانى ليسهل علينا الزيارة.
ورغم دهشته مما طلبت، فإن سلطات القرار رحبت بعد أن عرفت أننى مؤلف كتاب «سيد قطب من القرية إلى المشنقة» الذى ترجمه «على خامئني» نفسه، وإن لم أقبل ما عُرض عليّ من حقوق الطبعة الفارسية تجنبًا لأوهام سرعان ما تتحول إلى اتهام.
كانت السفارة الأمريكية مسرحًا مكشوفًا لصراع بين نظام ثيوقراطى (دينى) جديد يتصور أن الجنة ستكون من نصيبه، ونظام أمريكى رأسمالى يتجسد فيه «الشيطان الأكبر» سيلقى حتفه فى الجحيم.
وما إن اقتربت من مبنى السفارة الأمريكية فى وسط العاصمة، حتى شعرت أننى فى خيالى أقرأ لافتة لا وجود لها مكتوبًا عليها جملة كثيرًا ما نتداولها تؤكد أن «الداخل مفقود، والخارج مولود».
وبتلك الزيارة، وجدت نفسى وراء خطوط حمراء.
وما وجدته يستحق أن ننتظرَه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.