«شبح التسليح الإيراني وعين طهران».. من هو سعيد إيزادي الذي اغتاله الاحتلال؟

في عملية نوعية استهدفت أروقة صنع القرار الأمني في طهران، أعلن الاحتلال الإسرائيلي اغتيال أحد أبرز العقول المدبرة للعمليات، وهو سعيد إيزادي، المسؤول البارز في فيلق القدس الإيراني الذي قُتل مساء السبت داخل شقة سرية بمدينة قم، جنوب العاصمة الإيرانية، في ضربة استهدفت مقرًا كان يتحصن فيه منذ فترة، ويقع بالقرب من منشأة فوردو النووية، وفقًا لتصريحات وزير دفاع الاحتلال يسرائيل كاتس.
رجل المهمات المعقدة داخل «محور المقاومة»
بحسب صحيفة، يديعوت أحرونوت، العبرية، فإن الموقع جرى كشفه بعد أشهر من المتابعة والرصد، ونُفذت العملية بنجاح بينما كان برفقته قيادي آخر يدعى بهنام شهرياري، المسؤول عن نقل الأسلحة الذي لقي مصيره أيضًا في ذات الضربة.
سعيد إيزادي، الذي يوصف في دوائر الأمن الإسرائيلية بأنه الخبير الإيراني الأبرز في الملف الفلسطيني، يُعتبر مهندس شبكة الدعم الإقليمي التي تربط بين الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حماس، وبين الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني.
وكشفت مصادر أمنية إسرائيلية عن أن إيزادي كان صاحب دور محوري في تمويل الفصائل وتنظيم العلاقات بينها وبين إيران، وكذلك في دعمها تسليحيًا وميدانيًا.
وتشير الوثائق الاستخباراتية، أيضا إلى أنه لعب دورًا حاسمًا في تقوية الروابط بين حماس وحزب الله، وضمان التنسيق بين الجبهات المختلفة في غزة ولبنان والضفة الغربية واليمن والعراق، فيما يعرف إسرائيليًا باستراتيجية «توحيد الساحات».
شارك في هجوم 7 أكتوبر
برز اسم سعيد إيزادي، في الوثائق التي استولت عليها إسرائيل خلال عملياتها البرية في غزة، بوصفه أحد العقول المدبرة للهجوم الذي نفذته حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023.
وتُشير تقارير إسرائيلية إلى أن الرجل كان على علم مسبق بالتفاصيل العملياتية للهجوم، وساهم في إعداد بنيته التحتية ودعم التجهيزات اللوجستية، كما أدار الاتصالات الإقليمية التي مهدت لتنفيذه.
وأكد وزير الدفاع الإسرائيلي أن إيزادي كان على رأس شبكة واسعة تموّل وتسلّح وتخطط وتدرّب، مضيفًا أن «العدالة لضحايا السابع من أكتوبر بدأت تأخذ مجراها»، مشددًا على أن يد إسرائيل ستطال كل من يهدد أمنها.
صلة مباشرة بخامنئي وتأثير على قيادة حماس
لا يقتصر نفوذ سعيد إيزادي على الجانب الأمني والعسكري، بل يمتد إلى البنية السياسية والتنظيمية لحركة حماس، حيث حافظ على علاقة مباشرة مع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، كما تمكّن من فرض رؤيته على قرارات الحركة، بحسب ما تظهره وثائق حصلت عليها إسرائيل في غزة ولبنان، إذ أدار اتصالات متواصلة مع قادة بارزين في حماس، بمن فيهم إسماعيل هنية، ويحيى السنوار، ومحمد الضيف، وتدخّل في صياغة السياسة الإعلامية للحركة، بل وعمل على تفكيك ما وُصف ب«المعارضة الداخلية» لهيمنة إيران على قرارات التنظيم.
إزاحة خالد مشعل وتعزيز الخط الموالي لطهران
من بين أكثر الأدوار حساسية التي نُسبت إلى إيزادي، ما تكشفه مراسلات داخلية تفيد بأنه كان وراء إقصاء القيادي خالد مشعل من مواقع النفوذ داخل الحركة، بسبب ما اعتُبر موقفًا مناهضًا لتوسّع النفوذ الإيراني في المنطقة.
وتشير الوثائق إلى أن قائد فيلق فلسطين في الحرس الثوري ضغط بشكل مباشر على السنوار وهنية لإبعاد مشعل، معتبرًا أنه سببًا في «تعطيل بناء القوة الفلسطينية في لبنان»، واتهمه ب«التسبب في خلل داخل محور المقاومة».
ويظهر أن إيزادي نجح في فرض قيادات محسوبة على طهران داخل دوائر القرار، وعمل على ترسيخ عقيدة تقول إن الصراع مع إسرائيل لا يُدار عبر التفاوض، بل عبر معركة طويلة الأمد بمشاركة كل المحاور.
دعم مالي واسع وتأثير على السياسات
تفاصيل الدعم المالي الذي أداره سعيد إيزادي تكشف عن عمق العلاقة بينه وبين قيادات حماس، فوفقًا للوثائق التي عُثر عليها، تلقّت الحركة تعهدًا بتمويل يصل إلى 500 مليون دولار على مدى عامين، يُصرف على شكل دفعات شهرية، لدعم ما تُسميه طهران «معركة تحرير فلسطين».
وعمل إيزادي، أيضا على تعزيز نفوذ إيران داخل الحركة عبر السيطرة على مفاتيح التمويل، والتدخل في التعيينات الداخلية، وتوجيه الرسائل السياسية والإعلامية، خاصةً بعد عملية «حارس الأسوار» عام 2021، حيث أرسل تهنئة إلى هنية وأرفقها بمنحة مالية جديدة لدعم الجناح العسكري.
تجهيز مسرح العمليات في لبنان
أما في لبنان، كان لإيزادي دور أساسي في بناء الحضور الفلسطيني المسلح، من خلال التنسيق بين حماس وحزب الله، وتوفير الغطاء السياسي والتنظيمي للنشاط المسلح في المخيمات.
كما كشف عن تحفظات تجاه إمكانية استخدام هذه القوى لاحقًا ضد حزب الله نفسه، ما دفعه إلى فرض شروط واضحة حول طبيعة التسليح، وآلية اختيار القيادات.
وأدار، بحسب وثائق مسرّبة، خطة إيرانية ل«توحيد الساحات»، تتضمن إشراك الجبهات في سوريا ولبنان وغزة والضفة واليمن والعراق في مواجهة متزامنة ضد إسرائيل.
خطط الدعاية والتعليم والتأثير الإعلامي
لم تقتصر تحركات إيزادي على الميدان العسكري، بل إنه طوّر، بحسب مصادر إسرائيلية، خطة دعاية إعلامية تستهدف تعبئة الجبهة الداخلية في غزة، وتعزيز الخطاب المقاوم داخل المدارس ووسائل الإعلام، وكان من بين الجهات التي اقترحت استخدام الإعلام كأداة استراتيجية لتثبيت التوجهات الإيرانية داخل المجتمعات الفلسطينية.
كما اتُهم بالتدخل في المناهج التعليمية والخطاب الإعلامي الداخلي لحماس، وتقديم دعم لوسائل الإعلام التي تتبنى الخط الإيراني.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة «معاريف»، فإن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي كان يضع إيزادي في قائمة «الأهداف ذات الأولوية»، وخصص جهودًا استثنائية لتعقّبه.
وأشارت الصحيفة العبرية في تقرير سابق بعنوان «الرجل الذي يربط بين إيران وحماس» إلى أن سعيد إيزادي لعب دورًا حاسمًا في تصميم استراتيجية التنسيق الإقليمي بين الفصائل المسلحة.
وتتهمه إسرائيل بالإشراف على تهريب الأسلحة من إيران إلى غزة عبر مسارات متعددة، تشمل اليمن وسوريا ولبنان، مع دعم من الحرس الثوري وبتنسيق مع حزب الله، إضافة إلى مساهمته في خطط استهداف مواقع حساسة في إسرائيل، وفقًا لمراسلات تعود إلى منتصف 2023.