والد يوسف: سندي راح وعايروني بلقمتيلم تكن تعلم أسرة بسيطة تقيم أسفل إحدى عمارات منطقة أرض العزب بمحافظة بورسعيد أن يومًا عاديًا قد يتحول إلى كابوس لا ينتهي، وأن طفلهما البريء «يوسف»، الذي لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره، سيلقى حتفه نتيجة الإهمال والمماطلة في صيانة ورفع كفاءة المصعد، بسبب قدمه وتهالك الشبكة المحيطة به، لينكسر معها قلبان ويُدفن حلم. طفل في عمر الزهور.. يسقط ضحية الإهمال في مشهد مأساوي، لقي الطفل «يوسف رضا جمعة»، نجل حارس عقار، مصرعه بعد أن سقط عليه مصعد كان بحاجة ماسة للصيانة، خلال هبوطه من الطابق الخامس، وسط شبكة حديدية مهترئة لم تصمد لحظة أمام الخطر. وبينما كان يوسف يطل على شقيقه الأصغر «ياسين»، اصطدم المصعد برأسه، ليسقط مغشيًا عليه من أعلى درجات السلم، غارقًا في دمائه. نُقل يوسف على الفور إلى مستشفى السلام ببورسعيد – التابعة للهيئة العامة للرعاية الصحية ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل – وهناك خضع لعملية جراحية دقيقة في المخ إثر إصابة بالغة ونزيف حاد، ودخل في غيبوبة استمرت 25 يومًا لم يفق منها حتى فاضت روحه إلى بارئها، تاركًا وراءه مأساة حقيقية تعيشها أسرته حتى اليوم. في لقاء خاص مع المصري اليوم.. الأم تنعى ابنها: «ابن البواب مات»:«قالت الأم المكلومة»علية حسن«وسط بكاء متقطع:»قولوا للناس إن ابن البواب مات.. مات مظلوم، وكنت بشوف فيه ضهري وسندي أنا وأبوه اللي مريض ومكسور«. وأضافت:«يوسف ماكنش بس ابني، ده كان بيشيل معانا الهم، وكان بيروح يجيب طلبات السكان، ويشتغل بدل أبوه لما بيتعب.. يوم الحادث كان رايح يشتري حاجة لأحد الجيران، ومارجعش». أحلام صغيرة دفنت مع يوسف أوضحت الام :«كان يوسف تلميذًا مجتهدًا، يحفظ القرآن الكريم، ويحلم بالسفر والعمل من أجل إعالة والدته وشراء بيت يضمهم بدلًا من غرفة ضيقة تحت السلم. واضافت :«كان بيقول لي: لما أكبر هشتغل وأعوضك يا ماما».. هكذا قالت الأم التي فقدت قبل سنوات رضيعتها بسبب مرض في القلب لم تملك حينها مالًا لعلاجه، ليأتي القدر ويعيد نفس الألم في جسد آخر. بعد الوفاة.. طرد من السكن وبداية معركة قانونية لم تكتفِ مأساة الأسرة بوفاة ابنها، بل تم طردها من العقار بعد الحادث مباشرة، دون رحمة أو اعتبار لحالتهم النفسية أو ظروفهم القاسية. طالبت الام عبر «المصري اليوم» بفتح تحقيق شامل ومحاسبة المتسببين في هذا الإهمال الذي أودى بحياة ابنها ،من المسؤولين عن العمارة ،موضحة أنها كانت حريصة على الأطفال من أبناء سكان العمارة وكانت تترك طعامها لتقوم تفتح لهم المصعد وتطمئن أنهم يركبونه في امان . وأكدت انها طالما طالبت من المسؤول عن شؤون العمارة بضرورة إصلاح المصعد بشكل سريع حتى لا تقع أية حوادث بسببه، خاصة بعد انذار الحي الذي طالب السكان بسرعة إصلاحه ،وعدم الإهمال فيه . وأشارت إلى أن كان رد مسؤول العمارة عليها دائما بالمماطلة والتأجيل والتسويف ،دون أي اهتمام، وبعد وقوع الحادث ليوسف ابني، قاموا بأعمال الصيانة اللازمة للمصعد ،موضحة أنها عرفت من أشخاص يقطنون بالمنطقة أن السكان قاموا بإصلاحه من أموال التبرعات التي تم جمعها لعلاج يوسف ،ولم يصلنا منها سوى القليل . وقد بدأت الأسرة بالفعل اتخاذ إجراءات قانونية، وتوكيل محامٍ لتحرير محضر ضد مسؤولي العمارة وسكانها بتهمة «الإهمال الجسيم» الذي أدى إلى الوفاة. وبنبرة يملؤها الحسرة والحزن الشديد قالت :«حلمت بيوسف بعد وفاته يسقيني الحليب ويطعمني السمك بيده، ولكنني رأيت دمه فصورته لم تغيب عن عيني لحظة وحتى الآن لا اصدق ما حدث له وأنني أن أراه مرة أخرى بعد أن وارى جسده التراب». وتابعت:«ابني ياسين شقيق يوسف يسألني عنه دائما ،ولاةيرغب في تناول الطعام ويقول لي :»فين يوسف يا ماما، انا هستناه يجيي من المسجد بعد الصلاة عشان نلعب سوا، ودائما يبكي عشانه كان ونيسه الوحيد«. ووجهت رسالة لطفلها الراحل عن دنيانا يوسف :«حقك عليا يا ابني.. مكنتش اعرف اني شغلي في العمارة هيكون تمنه حياتك، سامحني يا ابني». وبلقائنا مع جد الطفل «يوسف» لأبيه أكد أن يوسف كان يتسم بصفات الرجولة رغم صغر سنه ،وكان طفل مسؤول عقله وتفكيره يسبق عمره ،فكان يساعد والده ووالدته ويهتم بدراسته ومن المتفوقين . وأضاف جد يوسف أنه لن يترك حق حفيده، ولديه ثقة في القضاء المصري أنه سيأتي بحقه وسيتبع كل الإجراءات القانونية اللازمة حيال الواقعة وسيتم فتح التحقيق مرة أخرى بعد التحفظ على القضية بسبب عدم توجيه أي اتهام بالاهمال ،وهذا يرجع لصدمة الام والاب حينها . الأب: «ابني شالني وشال تعب الحياة.. وشوفت رحيله في المنام» الأب «رضا جمعة» الذي يعمل كحارس للعقار منذ سنوات، كان قد أصيب سابقًا في حادث نتج عنه تركيب شرائح ومسامير، ما جعله عاجزًا عن الحركة في كثير من الأحيان. وقال باكيًا:«يوسف كان ضهري وسندي.. في المنام قبل يومين من وفاته، شفته بيصحى من الغيبوبة وبيقول لي: يلا نمشي يا بابا، ومسك إيدي ومشي.. وفعلًا ما رجعش». واضاف الأب إلى أن يوسف كان ثاني ابناؤه ،فالاولى كانت فتاة توفيت في عمر شهور بسبب مرضها بثقبين بالقلب ولضيق دخله وبساطة حاله لم يملك من الأموال ما يجعله يعالج صغيرته، ويموت يوسف انحرق قلبه مرتين . وأوضح الاب المكلوم أنه اتي لبورسعيد من محافظة المنيا ،ليوفر لأولاده حياة أفضل ويجد ما يجعله يحسن من دخله ،وترك بلده لانه لا يملك فيها أي شيء سوا، وعندما عمل بالعمارة الكائنة في حي العرب ،بمنطقة ارض العزب كان راتبه 400 جنيها فقط، ورضى بها، وعاش مع اسرته في غرفة واحدة غير آدمية. وأشار إلى سوء معاملة سكان العقار معه ومع أسرته ،بالاضافة إلى معايرتهم بالطعام الذي يعطونه لهم،وكانت الغرفة تغرق في مياه الصرف الصحي فضلا عن رائحتها الكريهة ،ومع ذلك كان راضي وغير قانط على حياته . واختتم حديثه قائلًا:«الان انا بدون مسكن ولا عمل ولا مصدر دخل ،استطيع به توفير متطلبات الحياة لي ولاسرتي الصغيرة بعد فقداني ابني الكبير وسندي في الحياة».