أسدل مهرجان الدوحة المسرحى، فعاليات دورته السابعة والثلاثين، والذى تنظمه وزارة الثقافة ممثلة فى مركز شؤون المسرح بالتعاون مع مركز قطر، وذلك على مسرح يوفينيو، بمشاركة مجموعة كبيرة من الفرق الممسرحية، وشركات الإنتاج. باقة متنوعة من العروض والفعاليات، شهدتها الدورة ال 37 من المهرجان، تضمنت عدد من العروض المسرحية وهم «غرق»، «كون سيئ السمعة»، «الساعة التاسعة»، «أنتم مدعوون إلى حفلة»، «الغريب»، «الربان»، «نخل»، «ريحة الهيل»، «مطلوب مهرجين»، «البهلول»، إلى جانب عدد من الندوات الفكرية والتطبيقية، وتدشين كتب التوثيق المسرحى «حارس الذاكرة- رحلتي». وقال عبد الرحيم الصديقى، مدير مركز شؤون المسرح، ورئيس المهرجان، إنه يتسائل أحيانًا عن ذلك السر الذى يجعل الناس فى جميع أنحاء الأرض يستمرون فى الذهاب إلى المسرح رغم كل التحولات التى طرأت على الذائقة العامة، ومع طغيان الهشتاجات واللايكات والترندات فى المنصات الرقمية؟ أهو سحر التواجد فى القاعة نفسها مع أشخاص جاؤوا مدفوعين بالهدف ذاته؟ ثم تساءل: «أهو شعور الانتماء إلى المجموعة؟ أم هو الإحساس بنبض الوجود الحى للممثل على الخشبة، وإدراك أن ما يجرى معه إنما يجرى هنا الأن، أو ربما يكون السر فى كون المسرح هو ذلك الفن الشامل الذى يجمع بين الفنون فى آن واحد. وفى قالب تراجيدى، تضمنت الفعاليات عرض «أنتم مدعوون إلى حفلة»، لشركة تذكار للإنتاج الفنى، الذى حظى بإقبال جماهيرى كبير. دارت أحداث المسرحية فى قالب تراجيدى، حفلةُ عيد ميلاد لإحدى الشخصيات الرئيسية فى العمل، وعلى عكس ما يوحى إليه العنوان، فإن الحفلة تتجاوز مفهومها المتداول، بكل ما تحمله الكلمة من فرح وغبطة، إلى ما يمكن أن يشكل طرحًا فلسفيًا وجوديًا. كما طرح العمل تساؤلات أعمق حول العلاقات الإنسانية، من خلال قصة رجل ينتقل أثناء حديثه مع أصدقائه بين محطات من حياته التى قضاها باحثًا عن السعادة التى طالما حلم بها، لذلك كانت الحفلة مكسوة بالحزن والأمل فى ذات الوقت، ونكتشف فى مواقف درامية عميقة وحوارات مكثفة عبث اللحظة ووجع الزمن، كما يقول مخرج العمل. عرض «أنتم مدعوون لحفلة» من تأليف فاطمة العامر، وإخراج فيصل العذبة، تمثيل: مشعل الدوسرى، عبدالله مبارك، خالد السيارى، سارة، مساعد مخرج: تميم البورشيد، ونور النصر، ماكياج: شيماء وهيا المطاوعة، مصمم الديكور: محمد بهبهانى، مصمم الإضاءة: فاضل النصار، مصمم الأزياء: عبدالرحمن الحمد. أحمد العتبانى: مغنى سولو، سيرين عبدالله: قائد الكورال، ومحمد الطناحى: مهندس الصوت. وأعقب العرض المسرحى ندوة تطبيقية، حاضرها الكاتب والناقد المسرحى القطرى د. حسن رشيد والفنان الإماراتى حسن رجب. وأعرب الناقد حسن رشيد، عن سعادته بإحياء المهرجان الذى طالما حلم به، واصفا إياه بمنصة لأصوات جديدة كجيل فيصل العذبة، وأحمد مجداف، وفهد الباكر، الذين تجاوزوا الأطروحات التقليدية حول الأسرة والاجتماعيات إلى قضايا أكثر شمولية. وأضاف: «إننا نحتاج اليوم إلى أن نُعرّف العالم بمواهبنا، فلدينا الإمكانات لصناعة حراك مسرحى حقيقى، متمنيًا أن تستمر العروض المسرحية بشكل مستمر لإبراز إبداعات شبابنا، وتعزز التواصل مع المهرجانات الدولي». وأثنى الفنان الإماراتى حسن رجب، على التطور الملحوظ فى أعمال الشباب بدول مجلس التعاون الخليجى، مشيرًا إلى تركيز الأعمال المسرحية على الدراما السوداوية، وكأنها أصبحت «موضة مسرحية»، متمنيًا أن يرى أعمالًا أكثر تفاؤلًا، تعكس تنوع حياتنا وتثرى المشهد الثقافى. وتساءل الفنان: «لماذا نختار اليأس بدلًا من الجمال فى حياتنا؟ الكوميديا صعبة، نعم، ولكنها ضرورية لموازنة رؤيتنا للعالم. لدينا طفولة جميلة، وتجارب إنسانية مليئة بالفرح، فلماذا لا نعكسها على المسرح؟». وتابع: «هناك حاجة لقراءة النصوص بعمق قبل تقديمها، والاهتمام بالتفاصيل التى تجذب الجمهور، لا أن ننفرهم بأعمال نخبوية مفرطة فى التعقيد، فالمسرح يجب أن يكون للجميع، بلغة بسيطة ومواضيع متنوعة». من ناحيته، عبّر الفنان العمانى محمد العجمى، عن سعادته بالمشاركة، كضيف شرف فى مهرجان الدوحة المسرحى، قائلاً: «يُعد المهرجان من أقدم المناسبات المسرحية فى المنطقة، وربما الثانى أو الثالث على مستوى الوطن العربى من حيث عدد نسخه واستمراريته». وتابع: «يشعر أى فنان أو ناقد أو ضيف هنا بالفخر والاعتزاز، لما يمثله هذا الحدث من قيمة فنية وثقافية، خاصة أنه يواصل عطاءه وتطوره عامًا بعد عام». كما أوضح الفنان الكويتى عبدالكريم الهاجرى، أن مهرجان الدوحة المسرحى يأتى ضمن سلسلة الملتقيات المسرحية المهمة التى تحتضن العروض وتطرح الفكر، حيث يجمع بين الفن والتبادل الثقافى والنقاشات الجادة التى تلامس واقع المسرحيين وما يواجهونه من تحديات. وأشار إلى أن وجود ما يقارب عشرة عروض مسرحية فى دورة واحدة هو ظاهرة مميزة تعكس حجم التنافس وحيوية المشهد، إذ كل عرض يحمل رؤية إخراجية وسينوغرافية مختلفة، مما يشكل زخمًا إبداعيًا يتطلب تركيزًا وجهدًا كبيرًا من المشاركين، لافتا أنه لا شك أن الدورة السابعة والثلاثين تؤكد استمرارية المهرجان وتطوره، وهو ما يعود بالنفع على الحركة المسرحية فى قطر، خاصة فى ظل وجود ندوات فكرية تثرى الحوار الفنى وتعزز من قيمة التبادل الثقافى. وأكدت الناقدة والكاتبة الأكاديمية د. سعداء الدعاس، على أهمية المهرجانات المسرحية رغم طابعها الموسمى، مشيرة إلى أنها تسهم – بشكل أو بآخر – فى تطور المنجز المسرحى، بشرط أن تستمر وتُرفق بقراءة نقدية جادة، وتفتح المجال أمام الجميع دون استثناء. وأضافت أن المهرجانات الخليجية على وجه الخصوص استفادت من هذه العوامل، وساهمت فى تعريف العالم العربى بالمشهد المسرحى الخليجى من حيث العروض والتلقى، وتابعت: «نتمنى أن يحقق مهرجان الدوحة المسرحى فى دورته السابعة والثلاثين ما نطمح إليه، بما يحمله من مفاجآت وطاقات شابة نعوّل عليها كثيرًا فى تشكيل وتطوير مشهدنا المسرحى الخليجي». واستهل العرض المسرحى «كون سئ السمعة» الفعاليات، وهو من تأليف وإخراج حمد الرميحى، ومخرج مساعد ومخرج اللقطات السينمائية إياس مقداد، تمثيل: حنان صادق، سالم الجحوشى، محمد أنور، فاطمة الشروقى، فاطمة يوسف، عبدالله حسن، بمشاركة فردوس وفلة ومالك بن رحومة، وفيصل الدوسرى وآخرين. وتدور أحداث المسرحية فى إطار تراجيدى داخل مملكة كان أهلها يعيشون فى فرح واستقرار، حتى قام ملكها بجلب إحدى العرافات التى ستكشف له عما سيحدث فى المستقبل. كما أعقب العرض ندوة تطبيقية شارك فى الحديث فيها الفنان رشيد ملحس والناقدة الدكتورة سعداء الدعّاس، وقدما رؤية نقدية للعمل بمشاركة عدد من النقّاد المتخصصين. كما شارك عرض «الربان» ضمن الفعاليات، وهو من إنتاج شركة جسور، وكتب نصّه الدكتور خالد الجابر وأخرجه الفنان على ميرزا محمود، وتدور وقائعه داخل سفينة يتنافس على قيادتها مجموعة من الأشخاص من ذوى الاتجاهات السياسية والفكرية المختلفة. وفى الندوة التطبيقية التى تلت العرض، وبعد الإشادة بجهود الممثلين والمخرج، تطرق الدكتور أيمن الشيوى، إلى المؤثرات البصرية والإضاءة فى حين تحدث الدكتور أحمد عبد الملك عن الديكور وأداء الممثلين ومطابقته للواقع. وتحت عنوان «المسرح فى ظل الذكاء الاصطناعى وصراعه مع الإبداع الإنساني»، شهدت الفعاليات الندوة الفكرية، والتى أقيمت فى مسرح يوفينيو، وتطرقت إلى موضوع راهن، والتى تحدث فيها كل من الدكتور سامح مهران، وسعود عبدالله الكوارى. كما تضمنت عروض المهرجان، مسرحية «نخل» وهى من تأليف وإخراج فيصل رشيد، وإنتاج شركة فضائية للإنتاج الفنى. وتلى العرض ندوة تطبيقية تحدث فيها كل من الفنانين محمد السنّى وأنور أحمد. أيضا شارك عرض «الغريب» وهو من إنتاج مؤسسة إشهار، وأخرجها عبدالله الملا، بناء على نص لتميم بورشيد، وسط إقبال جماهيرى كبير.، وعقب الندوة التطبيقية التى تلت العرض أشاد الفنان جمال سليمان، بجهود الشباب فى إنجاز هذه المسرحية ووجه بعض الملاحظات التقنية حول الإضاءة. كما قام الدكتور حسن رشيد والمخرج فالح فايز، بتوقيع الكتابين اللذين أصدرهما مركز شؤون المسرح عن سيرة حياتهما بحضور جمهور غفير من الأصدقاء والمهتمين. أيضا تضمنت الفعاليات مشاركة عرض «ريحة الهيل» والذى دارت أحداثه فى الزمن الحاضر، وتتناول فى قالب تراثى قضية صراع الأجيال، وتثير بلهجة محلية أصيلة إشكالية التراث والحداثة، وأعقب العرض المسرحى ندوة تطبيقية، حاضرها الفنان القطرى سعد بورشيد، والناقدة المسرحية د. أميرة الشوادفى. وقال «بورشيد» إن المسرحية حاولت الحفاظ على السرد القصصى للتراث، مشيدًا بتلقائية النص والشخصيات والجهد الكبير الذى بذله المخرج عبدالرحمن المناعى، حيث حاول نقل صورة للتراث بأسلوب رائع، متمنيًا أن يواصل المناعى الكتابة والإخراج باعتباره رمزًا للحركة الفنية فى دولة قطر. كما اعتبرت الناقدة أميرة الشوادفى، أن المسرحية تميزت بديكور بسيط كان من الممكن أن تدخل إليه بعض العناصر الحديثة، لكن العرض ناقش قضايا الاغتراب بشكل جيد، وتناول صورة المرأة بأسلوب متحضر فكانت البطلة هى العنصر المحرك للأحداث بشكل تصاعدى. كما شهدت الدورة السابعة والثلاثون، تدشين كتابين جديدين يوثقان السيرة الذاتية لرمزين من رموز الإبداع المسرحى فى قطر، الناقد المسرحى الدكتور حسن رشيد والفنان والمخرج فالح فايز. وجرى توقيع الكتابين فى حفل مشترك حضره كوكبة من رموز الثقافة والفن، حيث تتناول الأعمال تجارب كل من رشيد وفايز الشخصية والعملية بشكل متكامل. يمزج الكتابان بين الذاكرة الفردية لكل منهما والتاريخ الجماعى لحركة المسرح القطرى. ويعكس الكتابان رحلة كل من رشيد وفايز فى المسرح القطرى، والتى بدأت منذ سبعينيات القرن الماضى. حيث يقدم المؤلفان سردهما الخاص للمراحل التأسيسية للحركة المسرحية فى قطر، متناولين التحديات والصعوبات التى واجهتهما، بالإضافة إلى المحطات المضيئة التى شكلت وعيهما الفنى وأسهمت فى رسم ملامح المسرح المحلى وتطويره. واستهل فعاليات الختام، تقديم عرض مسرحى متنوع على خشبة مسرح «يو فنيو»، تناول أهمية عناصر المسرح من ممثلين ومخرجين وغيرهم من المكونات الفنية، وأعقبه وكرم الشيخ عبد الرحمن بن حمد آل ثانى، وزير الثقافة، الفرق المسرحية، وشركات الإنتاج المشاركة، وإحياء ذكرى صاحب الأثر الكبير فى المشهد المسرحى، الراحل موسى زينل، حيث تسلمت درع التكريم ابنته هنادى موسى زينل. كما تم تكريم المخرج والفنان المصرى الراحل عبد المنعم عيسى، وتسلم أبناؤه الدرع التكريمى، بينما جاء ثالث المكرمين الفنان القدير فهد الباكر، تقديرا لمسيرته المسرحية الطويلة. وأعلنت إدارة المهرجان عن الأعمال المسرحية الفائزة، حيث حصدت مسرحية «الساعة التاسعة» جائزة أفضل عرض متكامل، وهو لفرقة قطر المسرحية، كما فاز محمد المطاوعة من فرقة قطر المسرحية بجائزة أفضل ممثل واعد عن مسرحية "الساعة التاسعة"، فيما حصلت روان رمضان على جائزة أفضل ممثلة واعدة عن مسرحية «البهلول» من إنتاج شركة مشيرب للإنتاج الفنى. وعن الفرق المسرحية القطرية، تم تكريم الفنان يوسف أحمد من فرقة الوطن المسرحية، والكاتب والمخرج أحمد المفتاح من فرقة الدوحة المسرحية، والذى مثل قطر فى العديد من المحافل المسرحية، وكذلك الفنان والمخرج الأكاديمى سعد بورشيد من فرقة قطر المسرحية. ونالت مسرحية «مطلوب مهرجين» من إنتاج شركة السعيد للإنتاج الفنى جائزة أفضل إنتاج، أما جائزة أفضل فنان عربى مشارك فذهبت مناصفة إلى ريام الجزائرى عن «الساعة التاسعة»، والأمير دسمال عن «مطلوب مهرجين». وفازت كل من هيا وشيماء المطاوعة بجائزة أفضل مكياج عن مسرحية "نخل" من إنتاج شركة فضائية للإنتاج الفنى، كما نال فالح فايز جائزة أفضل أزياء عن مسرحية مطلوب مهرجين. وفى فئة المؤثرات الصوتية، فاز محمد الملا عن عمل «الساعة التاسعة» لفرقة قطر المسرحية، بينما حصل فيصل رشيد على جائزة أفضل إضاءة عن مسرحية «نخل»، كما نال محمد الملا أيضاً جائزة أفضل ديكور عن مسرحية «الساعة التاسعة». وفى جوائز التمثيل، فاز سامح الهجارى بجائزة أفضل ممثل دور ثانى عن «الساعة التاسعة»، ومريم فهد بجائزة أفضل ممثلة دور ثانى عن العمل نفسه. أما جائزة أفضل ممثل دور أول، فذهبت إلى خالد الحمادى عن مسرحية «بهلول»، وفازت أسرار محمد بجائزة أفضل ممثلة دور أول عن مسرحية «نخل». وحصل كل من طالب الدوس وسعود التميمى على جائزة أفضل نص عن مسرحية «البهلول»، بينما نال فيصل رشيد جائزة أفضل إخراج عن مسرحية «نخل».