في مطار سبها بالجنوب الليبي، كتب القدر فصلًا فريدًا من فصول الإيمان واليقين، بطله شاب يدعى عامر المهدي منصور القذافي، كان يستعد للرحيل إلى أطهر بقاع الأرض، لكنه واجه اختبارًا من نوع مختلف، اختبار نوايا وثبات ويقين بأن مَن قصد الله لا يُرد خائبًا. رحلة العمر تبدأ بنية خالصة كان عامر قد أعدّ نفسه بكل خشوع للرحلة المقدسة، ارتدى لباسه الأبيض النقي، وجهّز أوراقه، ثم ودّع أهله في جنوب ليبيا بقلب مفعم بالشوق إلى البيت العتيق، حتى وصل إلى المطار في وقت الظهر، متأخرًا قليلًا عن غيره من الحجاج، لكن بثقة لا توصف قال في سره: «اللهم إنّي نويتُ حجّ بيتك»، هكذا حدث نفسه وهو يدخل صالة المغادرة دون أن يدري أن أول باب سيُغلق في وجهه هو باب الطائرة. «الله غالب.. مش مقسومة لك» بينما كانت الوجوه تتجهز للسفر، وقلوب الحجاج تخفق بالرجاء، أوقف رجال الأمن عامر، وأبلغوه بوجود مشكلة أمنية في اسمه بجواز السفر، وذلك بسبب تشابه اسم عائلته «القذافي» مع أسماء ممنوعة من السفر داخل ليبيا، فقالوا إنها مسألة إدارية وستُحل، لكن الوقت مرّ وصعد الركاب جميعًا وأُغلق باب الطائرة، بينما وقف عامر وحيدًا ينظر من خلف الزجاج نحو حلم يبتعد حتى جاءه مدير أمن المطار مواسيًا بكلمات تشبه السكينة اليائسة: «الله غالب، مش مقسومة لك».. لكن رد عامر لم يكن كأي رد: «إن شاء الله الطيارة ما تطير، وإن شاء الله نركبها، أنا نيتي الحج»، وفقًا لما رواه عبر مقطع فيديو انتشر بشكل موسع على منصات التواصل الاجتماعي. المعجزة الأولى: الطائرة تعود بعد إقلاعها لم تمضِ دقائق حتى أتى النداء من مكبرات المطار يفيد بأن الطائرة التي أقلعت قبل قليل، عادت إلى المطار بسبب عطل فني، وهنا أشرقت عينا عامر، فالطائرة رجعت، نادوه ليصعد، وطلبت سلطات المطار من الطيار فتح الباب لاستقباله، لكن الردّ جاء من كابتن الرحلة بأنه لا يمكن إعادة فتح الأبواب ونقل السلم من أجل راكب واحد، لتغادر الطائرة مجددًا ويبقى عامر في المطار جسدًا، أما قلبه فمعلق بكسوة الكعبة. لا يأس.. الإيمان لا يعرف التراجع عاد إليه مدير الأمن مرة أخرى، يربت على كتفه بحزن: «مرّة ثانية.. مش مقسومة لك»، لكن حسبما أفادت به وسائل إعلام ليبية، قال عامر بثبات لا يبرحه اليقين: «أنا مش ماشي من هنا.. هذه الطيارة بالذات أنا راكبها، بإذن الله». جلس الشاب الليبي في المطار ينتظر، وكل من حوله بدأ يُسلّم بأن الحكاية انتهت، إلا هو. المعجزة الثانية: الطائرة تعود ثانيةً وها هي السماء تتحدث للمرة الثانية، إذ عادت الطائرة مجددًا بعد أن حلّ بها خلل جوي، وأمام تململ المسافرين داخل الطائرة، نودي لهم بالسلم لينزلوا من الطائرة وينالوا فرصةً للتجول بدلًا من الجلوس على المقاعد، وهو ما مكن عامر من الصعود أخيرًا، وعند بوابة المغادرة، استقبله رجال الأمن بتحية مختلفة، مزيج من الفخر والدهشة قائلين: «دعواتك يا شيخ عامر، بركاتك معانا». والتقط صورًا تذكارية مع الطاقم، وركب على مقعده وقلبه يردد: «اللهم لك الحمد أن بلغتنا مرادنا»، وفي المقطع المصور من داخل الحرم، الذي روى خلاله تفاصيل ما حدث، قال عامر إنه كان متأكدًا من أن الطائرة عائدة إليه لأنه عقد النية الخالصة لله بالحج إلى بيته الحرام، مشيرًا إلى الصبر واليقين في حكايته الغريبة. تفاعل واسع… ورسائل من القلب تداول رواد مواقع التواصل مقطع الفيديو مصحوبًا بتعليق: «ماذا بينك وبين الله يا عامر؟ كيف دعتك النية، فلبت السماء؟»، وكتب أحدهم عبر حسابه على «إكس»: «إن الله إذا كتب لك شيئًا، فكل تعطيل هو لحظة انتظار حتى يبلغك مقامك.. حجًا مبرورًا وسعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا بإذن الله». فيما سلط آخرون الضوء على الدروس المستفادة من قصة عامر القذافي والتأكيد على أنها تذكر بأن باب الله لا يُغلق لمن طرقه بيقين، وأن النية إذا خلصت والرجاء إذا صدق، فإن الأسباب تُقهر، والعالم يتغيّر لأجل عبدٍ قال: «أنا نويت، وأنا واثق بربي».