الدكتور خالد إسماعيل، أحد ألمع العقول المصرية فى مجال الهندسة الكهربية والإلكترونيات، تخرج فى هندسة القاهرة، ونال الدكتوراه من أرقى جامعات أمريكا، وله 170 بحثًا؛ منها أبحاث رائدة فى مجال النانو تكنولوجى وأشباه الموصلات والنظم، والسيليكون-جيرمانيوم، وله 24 براءة اختراع، ولديه خبرات دولية كبيرة، وعمل مع شركات كبرى مثل «إنتل» و«آى بى إم»، ونال خبرات كبيرة من العيش والعمل فى أمريكاوألمانياوفرنسا وكوريا واليابان، ويجيد عدة لغات، وهو مستثمر «ملائكى» ومستشار مشروعات هندسية وإلكترونية، وعضو مجلس إدارة سابق وحالى للعديد من الشركات الخاصة والمراكز الرسمية، وصاحب إسهامات بارزة فى العمل العام الأكاديمى والمهنى. «المصرى اليوم»، حاورته حول مستقبل أطفالنا ومدارسنا وجامعاتنا وشركاتنا وعمالنا وإعلامنا وأمن بلادنا، مع التطور الشديد فى التكنولوجيا، واتساع المسافة بين الدول المتقدمة والمتأخرة. وقد اكتشفت مصادفة، رغم عشرة السنين، أنه نجل الدكتور عز الدين إسماعيل، الراحل الذى تولى رئاسة هيئة الكتاب، وأمين المجلس الأعلى للثقافة، وعميد كلية الآداب بجامعة القاهرة. وإلى نص الحوار: ■ هناك خطاب يفزع الناس، ويكاد يقول لهم إن أغلبكم لا لزوم له فى عصر الذكاء الاصطناعى (AI). هل من طريقة أخرى لإثارة الاهتمام؟ - من المهم أن نقدم للناس رؤية واضحة حول تلك التكنولوجيا ومستقبلها وتأثيراتها الشاملة، وما فيها من فرص جبارة وتحديات ضخمة للدول والمجتمعات والشركات، وخطاب الخوف ليس حلًا، وأنا لن أطمئن الجمهور، بقدر ما أدعو الجميع إلى الانتباه واليقظة؛ فهذه ثورة تكنولوجية ليست مثل ما سبقها، كما أن هذا السباق لا يُعترف ب«الفضية» أو «البرونزية»، إما أن تكسب أو تُستبعد. إذا تخلفت، ستصبح كمن لا دور له فى العالم، مجرد كائن يأكل ويشرب وينام. هذا المصير يهدد كل من يتخلف عن الركب، وليس بلدنا فحسب. من ينجح اليوم سيجنى عوائد مضاعفة، ومن يُهمَّش سيواجه مصيرًا قاسيًا. والخمس سنوات المقبلة، حاسمة؛ إن لم نلحق بركب التكنولوجيا – وفى المقدمة أدوات الذكاء الاصطناعى – سنصبح كمن يستخدم «فيسبوك» اليوم للشتيمة بدلًا من الإنتاجية، أو كمن يشاهد التلفاز للتسلية دون استفادة. ■ كيف نتصرف إذن؟ - التكنولوجيا الجديدة ستتحول إلى أدوات متاحة، ومن يتقن استخدامها سيحصد الثروات، بينما يدفع المتأخرون ثمن التخلف. لذلك، يجب أن نبدأ الآن فى تبنى هذه الأدوات وتوظيفها جيدًا فى أعمالنا ومهامنا وحياتنا والاستعداد لها، بدلًا من محاولة تطويرها من الصفر، فذلك أصبح صعبًا للغاية. ولنكن واقعيين، علينا التركيز على كيفية استخدام ما هو موجود، بدلًا من إضاعة الوقت فى اختراعه. ومن المؤكد أن أرباح المخترع أضعاف من يحسن الاستخدام فقط، لكن هذا هو ثمن التقدم فى عصر الثورات التكنولوجية السريعة، وبالمناسبة، أتمنى أن ندرك أن الثورات التكنولوجية تُصمَّم قصدًا، بطريقة تجعل الفجوة بين المتقدمين والمتخلفين واسعة، وكلما حاولت اللحاق، زاد المتقدم من سرعته. وسنحتاج إلى توجيه واعٍ، سياسيًّا وتعليميًّا وبحثيًّا، وتحفيز ومساعدة من يواكبون التطور. ■ خلال لقاء عام فى الغردقة، منذ أسابيع، دعوتَ إلى أن تتكلم مصر كلها AI، ويكون ذلك مشروعنا القومى الأول. فما الذى تقترحه عمليًّا؟ - نبدأ من الطفل.. منزله هو بيئته الأساسية، فهو ليس فى المدرسة ولا فى الخارج، بل فى المنزل معظم الوقت، مع وجود بعض الوقت فى الشارع. والأم بالتأكيد هى الأكثر تأثيرًا عليه، مقارنة بأى شيء آخر. اليوم، لا يوجد اهتمام كافٍ بتطوير التربية، وتثقيف الأمهات على مستوى الدولة بشكل عام، ليعرفوا الجديد فى أدوارهم التربوية المطلوبة لهذا الزمن. بالطبع، هناك سيدات عظيمات يربين أطفالهن بشكل صحيح، لكننى أتحدث بشكل عام. وهذا الجانب يحتاج تطويرًا منهجيًّا، أى أن يسير فى اتجاه محدد. ونكف عن تخويف الصغار. نعلم الطفل ألا يخشى التجريب، وأن يحل مشكلات بسيطة. الإعلام أيضًا يلعب دورًا مهمًّا، فهو يدخل كل بيت، والسيدة التى تريد أن تتعلم كيف تربى أطفالها، يمكن أن يكون الإعلام جزءًا من تطويرها. هذا الجانب مهمل فى رأيى، ونحن ندفع ثمن ذلك لاحقًا. والتربية فى السنوات الثلاث الأولى مهمة جدًا، حيث كانت جزءًا لا يتجزأ من التعليم فى المرحلة المدرسية، ويجب أن يستمر ذلك. لأن الاثنين مرتبطان ببعضهما البعض. ويجب ألا نقوم بتعليم الجغرافيا والتاريخ والحساب فقط، بل يجب أن يفهم التلميذ البيئة التى يعيش فيها، وكيف يحترم الآخرين، وكيف يساعدهم، وكيف يتعاطف معهم، وكيف يتعايش ويعمل معهم، وكيف يحافظ على البيئة، وكيف يكون مسؤولًا. ■ فى طفولتك، هل كان هناك شيء أثَّر عليك لدرجة أنك توجهت نحو دراسة الهندسة والإلكترونيات؟ - لا.. لم أكن حتى مخططًا لذلك. البيئة التى تربيت فيها كانت جيدة جدًا ومميزة. والداى كانا مثقفين جدًا، وكانت الكتب تحيط بى. كنت قد أنهيت قراءة جميع روايات نجيب محفوظ وأنا فى الثالثة عشرة من عمرى، وقرأت جميع كتب السير الشعبية، وكانت والدتى متخصصة فى الأدب الشعبى، ما أعطانى بعدًا ثقافيًّا مهمًّا. ومع ذلك، توجهت نحو دراسة الهندسة، على الرغم من أن البيئة التى نشأت فيها كانت أدبية وفكرية. الإنسان كائن متكامل، حتى عندما يعمل فى الهندسة، يجب أن يكون لديه بعد ثقافى، وأن يتذوق الفن. والدى، رحمه الله، كان أستاذًا فى الأدب والنقد، وكان يتحدث معى فى الرياضيات والمعادلات، وكان يحب أن يناقش هذه الأمور. الإنسان كلما كان أكثر تكاملًا، كان قادرًا على العطاء والإبداع أكثر. ■ تنقلتَ بين الشرق والغرب، ما النموذج التربوى الذى تراه مناسبًا ويمكننا أن نعلِّم به أطفالنا فى سن مبكرة؟ - لقد تربيتُ فى المدرسة الألمانية فى القاهرة. فى الحضانة، ولم نكن نتعلم القراءة والكتابة مبكرًا كما فى المدارس الأخرى. تعلمت أشياء بسيطة جدًا، مثل أن أضع الكرسى فى مكانه بعد أن أقوم منه، وأن أحنى رأسى احترامًا للمعلم، عندما يقف أمامى. هذه الأشياء البسيطة كانت تُغرس فينا أثناء اللعب والمرح. كنت أشعر بالحزن إذا لم أذهب إلى المدرسة. وكانت المدرسة تغرس فينا أصول التربية والفكر، وكيف لا نخاف من التجربة، وكيف نتعامل مع المشاكل. كل هذا بدأ فى سن مبكرة، وهذا النظام جيد. الصين أيضًا مثال جيد، فقد قررت فى بداية التسعينيات سياسة الطفل الواحد، وكانت مفيدة جدًا. ■ كيف؟ - كان الهدف الأساسى من سياسة الطفل الواحد فى الصين هو الحد من التزايد السكانى، وإلا لكان عدد السكان اليوم تجاوز مليارين ونصف المليار، ما كان يُشكِّل ضغطًا هائلًا على الموارد. لكن ما ظهر لاحقًا نتيجة سياسة الطفل الواحد هو التركيز المُفرط للأسرة على طفلها الواحد، فقد أصبح الاهتمام به مُكثَّفًا للغاية. وانخفضت أعداد الطلاب فى الفصول الدراسية، ما أدى إلى تحسُّن جودة التعليم والرعاية التربوية. هذه النتائج الإيجابية تستحق الدراسة، خاصةً فى ظل غياب مثل هذه السياسة فى بلادنا، حيث تُشكِّل الزيادة السكانية تحديًا اقتصاديًّا جسيمًا لا جدال فيه، واكتظاظ الفصول ب50 أو 60 طالبًا، أو وجود أسر تضم 6 أطفال حتى تكاد الأم تنسى أسماءهم، ما يُنتج مجتمعًا يعتمد على الصدفة فى إنتاج الأفراد المبدعين، وهو تعليم بلا ضمان لجودة المخرجات. بينما نحن فى أمسِّ الحاجة إلى التركيز على الجودة، خاصة فى عصر التكنولوجيا، الذى تُهيمن عليه دول مثل أمريكا، التى تتميز جامعاتها النخبوية بجودة تعليمية عالية جدًّا، لا تزال مصدر التميُّز الأمريكى الأبرز. ■ يقول البعض إن الصين ستسبق أمريكا فى التكنولوجيا، وآخرون يقولون إن أمريكا متقدمة بمراحل؟ - أكبر ميزة لأمريكا تكمن فى برامج الدراسات العليا فى جامعاتها الرائدة، لأنها تجذب الطاقات العالمية من ألمانيا ومصر والهند والصين ونيجيريا.. إلخ. يلتقون هناك، ويبقى معظمهم لاحقًا فى أمريكا، ما يُسهم فى توليد الأفكار والابتكارات. ومن بين أفضل 200 جامعة عالميًّا فى الدراسات العليا، تحتل أمريكا 100 مركز، بينما يتوزع الباقى على بقية العالم، ما يُعطيها تفوقًا تنافسيًّا استثنائيًّا. أما الصين فتشهد تقدمًا هائلًا، حتى فى جوانب مثل أخلاقيات استخدام التكنولوجيا والحوكمة، بعيدًا عن الصورة النمطية عن سيطرة الدولة على الشعب. لكنّ الولاياتالمتحدة تتمتع بميزة كونها ملتقى للثقافات والمواهب العالمية، ما يُثرى الإبداع والتقدم التقنى، بينما المجتمع الصينى أكثر انغلاقًا، وقليلون من يرغبون فى العيش هناك أو تعلم اللغة الصينية. ورغم أن الصين لديها كتلة بشرية ضخمة (مليار ونصف مليار نسمة) وقاعدة علمية كبيرة، إلا أن جودة الابتكار فى أمريكا تظل متفوقة بسبب تنوعها وبيئتها المنفتحة. لكنّ الصراع بين القطبين سيستمر، كلٌ يسعى للهيمنة بطريقته. ■ كيف تعوض الصين عدم التنوع؟ - غياب التنوع ليس أمرًا إيجابيًا، لكنهم يعوِّضون ذلك جزئيًا بالحجم (أى الكم)، ويبنون سياسات دولة قائمة على مبدأ «الحياة أو الموت»، بمعنى التمسك بالهوية والثبات على المبادئ مع التقدم المستمر. عندما تتحدث مع الصينيين، تتفاجأ! لقد زرت الصين لأول مرة خلال تسعينيات القرن الماضى، وجلست مع سائق تاكسى أخبرنى بثقة أن الصين ستكون ثانى أكبر اقتصاد فى العالم بعد 20 عامًا. لم يقل الأول. واستغربت وقتها، لكنه كان يعرف تمامًا ما يقول، لأن سياسة الدولة واضحة ومُنزلة إلى عامة الشعب، وجميعهم متحدون نحو هدف واحد. فى الصين، الكتلة المجتمعية متماسكة ومتكاملة مع بعضها البعض، بينما فى أمريكا، الاقتصاد يتحكم فيه قطاع الشركات التى أصبحت أقوى من الدولة نفسها. نرى مثالًا واضحًا فى إيلون ماسك، الذى يُعتبر فردًا يحكم شركة بقوة تفوق دولًا بأكملها. الصين تعتمد على النظام المتكامل، أما أمريكا فتعتمد على مراكز القوى الاقتصادية. كل نموذج له مميزاته، والصراع بينهما مستمر فى مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا. أما بقية الدول (200 دولة)، فغالبًا ما تتبع أحد النموذجين أو تحاول إيجاد مسارها الخاص، لكن الصراع المركزى يبقى بين القوتين العظميين. ■ تشير أبحاث الدكتور راجى أسعد (جامعة مينيسوتا) إلى أن الأكثر تضررًا من التكنولوجيا ليسوا أصحاب المهارات المُنخفضة، بل أصحاب المهارات المتوسطة - كالصحفيين والمحامى والمحاسبين والأطباء؟ نعم؛ لكن الحل لا يكمن فى مقاومة التكنولوجيا، بل فى رفع القيمة المضافة للمهارات، حتى لو لم تكن عالية التقنية. فمثلًا، فى هندسة الإلكترونيات، تُنجز الأدوات الرقمية 80٪ من العمل، بينما يركز المهندس على ال 20٪ الأصعب، كالتوصيلات المعقدة أو تصميم الرقاقات التناظرية، التى تبقى ضرورية لمعالجة الإشارات الطبيعية (كالصوت والصورة)، وهى فى الأصل تناظرية، قبل تحويلها إلى رقمية. التعميم عمومًا فى تحليل موقف المهن خطر؛ فكل مجال يحتوى على مستويات مختلفة. الهندسة الإلكترونية، مثلًا، تنقسم إلى تخصصات دقيقة كالتصميم الرقمى والتناظرى، وكل منها يتطلب مهارات مختلفة. والمفتاح هو التكيُّف مع الاحتياجات المتغيرة، والتركيز على التميُّز فى الجزء الأكثر تعقيدًا من العملية، لتبقى القيمة الحقيقية. ■ إلى أى مدى تعتقد أن مجال الإلكترونيات سيستمر فى التطور وبالتالى التأثير على أسواق العمل؟ - لا يمكننى تعميم القول بأن تأثيرات الإلكترونيات ستنتهى أو تستمر إلى الأبد. هناك جوانب معينة، مثل أجهزة الكمبيوتر والذكاء الاصطناعى، ستظل تُسهم فى تعزيز قدراتنا، ما يتيح لنا إنجاز مهام أكثر تعقيدًا بفعالية أكبر. أحيانًا يخيل للبعض أنه مع آفاق AI، وهى بلا حدود، أن التطور التكنولوجى وصل إلى منتهاه وأصبح العالم الافتراضى، أصليًا فى حياتنا.. لا.. واليوم، على سبيل المثال، يمكن تصميم شريحة إلكترونية تحتوى على 100 مليار ترانزستور، بينما فى الماضى كنا نتعامل مع كل ترانزستور على حدة. تخيل لو حاولتُ اليوم استخدام الأسلوب ذاته لتصميم 100 مليار ترانزستور! الأمر مستحيل. ■ والبعض يرى أن هناك تحيزات فى البحث التكنولوجى تجعله ليس خادمًا للإنسان على طول الخط، مثلًا السيارات ذاتية القيادة قد لا تكون أولوية أبدًا؟ - لنأخذ مثالًا واقعيًا: سائق سيارة فى شوارع القاهرة المزدحمة، مهما بلغت براعة الذكاء الاصطناعى، لن يتمكن من توقع كل الاحتمالات الفوضوية، مثل عبور شاة أو حمار أو جمل فجأة أو تجاهل إشارة مرور، أو سير عكس الاتجاه. هنا مستحيل عمل السيارة ذاتية القيادة. تفضيل أو عدم تفضيل السيارة ذاتية القيادة يعتمد على السياق الثقافى والبيئى، ومنه ما يصعب برمجته كما هو أحوال مرورنا وشوارعنا، وعموما كل السيناريوهات غير المنطقية لا تُدار إلا بالخبرة البشرية. بينما فى دول مثل أمريكا، قد تصبح السيارات ذاتية القيادة واقعًا خلال سنوات، لأن القيادة هناك أكثر انتظامًا، وهذه التكنولوجيا ضرورية فى أى بلد فيه منظومة مرور منضبطة. فقد أحتاج أنا مثلًا؛ كصاحب شركة فى مثل تلك البلاد إلى تشغيل سيارة 24 ساعة يوميًا، فهل أوظف 3 سائقين ليتناوبوا عليها؟. وكلما قمت بتعيين سائق، ستزداد مطالبه المالية تدريجيًا، بينما الحاسوب لن يطالب بزيادة حتى إن ظل يعمل 20 أو 40 عامًا، وحتى الآن، ومع أن التكنولوجيا لم تصل إلى ذروتها، فإن أخطاء الحاسوب فى القيادة أقل بكثير من أخطاء البشر وهذا أمر مؤكد. كما أن التكلفة الأولية للحاسوب هى الوحيدة، دون تكاليف متكررة، ولا يشعر بالملل أو التعب، ولا يتسبب فى إزعاج مثل التحدث بالهاتف أثناء القيادة. أليست كل هذه مزايا؟. ■ كيف ترى انخفاض تكلفة الكمبيوتر والبرامج مع الوقت؟ - هذه إحدى المعجزات التقنية! الكمبيوتر هو السلعة الوحيدة فى العالم التى تنخفض تكلفتها إلى النصف كل عامين منذ 40 عامًا، وفقًا لقانون مور. ولو قارنت قدرات الكمبيوتر الحالى من حيث الحوسبة والتكلفة بما كان متاحًا قبل 4 عقود، لوجدت أن التقدم مذهل. بينما ترتفع أسعار كل شيء حولنا، تظل الإلكترونيات استثناءً ينمو باطراد، ما يفتح آفاقًا لا حدود لها للابتكار لمن يريد؛ سواء كان غنيًا أو فقيرًا، لأن مسار أجهزة التكنولوجيا ديمقراطى بالسليقة. ■ أين يكون الإنسان مهمًا.. وأين تكون الآلة/ الكمبيوتر مهمة؟ - أتذكر جيدًا فى عام 1997، كنت أعمل فى مختبر أبحاث فى أمريكا وكان فى المكتب المجاور لى الشخص الذى طور «ديب بلو»، الكمبيوتر الذى يلعب الشطرنج. لقد استضافوا كاسباروف، السوفيتى أو الروسى، أسطورة عالم الشطرنج، وكانت المرة الأولى بعد أن هزم الكمبيوتر بطل العالم، وألقى كاسباروف محاضرة عن تجاربه، وقال إن الكمبيوتر لن يحل مكانه، وأضاف:« إذا أردت تجربة 300-400 تحرك فى ثانية، فالكمبيوتر سوف ينفذها بدقة، لكن الإنسان هو من يختار الاستراتيجية بناءً على الخبرة.» ثم أضاف:« أنا وهذا الكمبيوتر، لا يستطيع أن يهزمنا أحد». ما يوضح أن التكنولوجيا لا تلغى الدور البشرى إلا فى المهام ذات القيمة المضافة المحدودة، ومع ذلك لا مشكلة فى انتهاء بعض المهن. فالثورة الصناعية أنهت العديد من الأعمال، مثل المحركات التى حلت محل السواقى، ودائمًا ما تختفى أشياء ويحل محلها ما هو أفضل وأغنى للبشرية. لذا، لست قلقًا من التغيير. ■ حدثنا عن تجربتك مع منصات الذكاء الاصطناعى وتطبيقاته؟ - عندما اختبرت تطبيق «ديب سيك» (DeepSeek) للذكاء الاصطناعى، لاحظت تفوق «تشات جى بى تي» (ChatGPT) فى التعامل مع اللغة العربية، ما يشير إلى أن التطبيقات المحلية عند الأول ما زالت فى مراحلها الأولى وتحتاج إلى تطوير، ويجب ألا نغفل أن أمريكا تمتلك قاعدة بيانات هائلة من المعلومات التى جمعتها عبر سنوات من السيطرة على منصات التواصل الاجتماعى، بينما اتخذت الصين إجراءات استباقية بحظر منصات مثل «جوجل» و«فيسبوك» واستبدالها بحلول محلية، ما منحها سيطرة أكبر على بياناتها، والحكم على منصات التواصل AI، غربية أو شرقية، سابق لأوانه؛ لأن المباراة لا تزال فى بدايتها. ■ هل الصين سرقت التكنولوجيا؟ - لا فى العموم؛ لكن هناك ادعاءات بأن الصين كانت تعتمد على تقليد التكنولوجيا الغربية، والواقع أكثر تعقيدًا.. نعم، هناك حالات فردية للتقليد السريع (مثل تصميم فنجان قهوة فرنسى يُباع بثلاثة يورو بعد تقليده)، لكن الصين طورت لاحقًا صناعات محلية متفوقة (كصناعة السيارات التى تفوقت على منافسيها). هذا ليس عيبًا، بل جزءًا من مسيرة التطور التكنولوجى التى مرت بها دول كثيرة. الصراع التكنولوجى والاقتصادى بين الصينوأمريكا سيستمر، لكن الصين تجاوزت مرحلة التقليد إلى الابتكار، ولديها قاعدة بيانات ضخمة ودعم سياسى واجتماعى يجعلها لاعبًا رئيسيًا لا يُستهان به، خاصة مع تأثيرها فى آسيا كمحور جيوسياسى. ■ ماذا عن مصر وغيرها فى منطقة النقل والتقليد؟ - الابتكار أمر جيد، وإن لم يكن لديك القدرة عليه بعد، فلا يجب أن تكتفى بأن تنعى سوء الحظ. كما ذكرت سابقًا، ليس ضروريًا أن تنتقل الدولة أو الفرد من الصفر إلى 100٪ فورًا؛ فهناك مساحات واسعة فى المنتصف يمكن العمل فيها بالتقليد. عندما تقلد بشكل متكرر، ستتدرب وتتقن ما تعلمته، ثم تكتشف أثناء الممارسة إمكانية إضافة لمسة إبداعية من عندك، لتبدأ مرحلة الابتكار. المشكلة الحقيقية هى عدم البدء من الأساس. لأنه من الصعب على الإنسان التنبؤ بالمستقبل بدقة، لكننا نستطيع التعلم من الماضى. فقد مرت البشرية بثورات كبرى، أولها الثورة الصناعية فى القرن التاسع عشر، وهيمنت خلالها دول مثل إنجلتراوفرنسا وإسبانيا على معظم العالم، مستغلة تقدمها التكنولوجى لمنع الآخرين من اللحاق بها. وبحلول الوقت الذى تحررت فيه الدول المستعمرة، كانت الفجوة الزمنية قد بلغت 40–60 عامًا، فأصبح اللحاق بهم مستحيلًا وتم الحكم على المتأخرين أن يكونوا مستهلكين.. وكمان غير جيدين؛ ثم جاءت الثورة التكنولوجية مع ظهور الحواسيب والإنترنت، وقادتها الولاياتالمتحدة هذه المرة، تليها دول أخرى، بينما انضم الباقون كمستهلكين، بعد عقدين، دون إسهام حقيقى فى البنية التحتية التكنولوجية. واليوم، نرى التاريخ يعيد نفسه مع الذكاء الاصطناعى. ■ لماذا لم نتعلم فك شفرة هذا النمط المتكرر مبكرًا؟ - يبدو أن هذا النمط مصممٌ بطريقة مقصودة: تشغل الدول المتقدمة الآخرين بالصراعات الداخلية أو الخارجية (كالحروب القبلية فى أفريقيا، أو المشاحنات الإعلامية) لتنفرد هى بالتقدم. وقد حدث هذا مع الثورات السابقة، ويحدث الآن مع الذكاء الاصطناعى، الذى بدأت ملامحه منذ التسعينيات مع «النظم الخبيرة» فى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT). الفارق الجوهرى بين الذكاء الاصطناعى والحواسيب التقليدية هو قدرته على تحليل البيانات واتخاذ القرارات، لا مجرد استرجاع المعلومات. وفى بداية تسعينيات القرن الماضى، لم يتحقق النجاح بشكل كبير؛ لأن الحواسيب كانت بطيئة ومكلفة وضخمة، ولم تكن متاحة للجميع. ففى ذلك الوقت، لم يكن يوجد فى الولاياتالمتحدة سوى حاسوبين فائقين، وفى فرنسا حاسوب فائق واحد فقط. وكنت خلال وجودى فى فرنسا مضطرًا لحجز عشر دقائق يوميًا على الحاسوب الفائق فى باريس لأداء مهمة ما، ثم طُلب منى العودة فى اليوم التالى. أما اليوم، فإن الحاسوب الموجود داخل الهاتف المحمول أقوى من الحاسوب الذى كنت أستخدمه عام 1984 فى فرنسا.. نعم، لقد تغير الزمن. ■ هل هناك فجوة فى العلاقة بين الهاردوير والسوفتوير يمكننا استغلالها كدول نامية؟ - فى مجال التكنولوجيا، هناك تزامن قوى بين تطور العتاد الصلب (الهاردوير) والبرمجيات (السوفتوير). فكلاهما يجب أن يتطورا معًا لتحقيق الفائدة المرجوة. لنبدأ بالحديث عن الحواسيب المركزية (المين-فريم)، التى كانت تُستخدم فى الشركات الكبرى مثل «آى بى إم» لأغراض مؤسسية كإدارة خطوط الطيران وغيرها، وكانت البرمجيات المُصممة لها؛ مثل «كوبول» و«فورتران» مخصصة لهذا النطاق المؤسسى، وليس للأفراد. وقد نجحوا فى تحقيق هذا التكامل بين العتاد والبرمجيات. ثم ظهرت الحواسيب الشخصية (اللاب توب) مصحوبةً بنظام «ويندوز»، ثم تلاها ظهور الهواتف الذكية مع نظام «أندرويد»، ما وسع قاعدة المستخدمين بشكلٍ كبير، لتصبح التكنولوجيا فى متناول الأفراد بدلًا من اقتصارها على الشركات. وحتى فى ثمانينيات القرن الماضى، كان عدد المستخدمين القادرين على التعامل مع الحواسيب محدودًا جدًا، ربما 1٪ من البشرية. ثم انتقلنا إلى عصر الهواتف المحمولة، التى جاءت مع برمجيات جديدة مثل تطبيقات التواصل الاجتماعى، مما جعل التكنولوجيا تشمل معظم سكان العالم. وهناك ملاحظة مهمة: أحيانًا تسبق البرمجيات تطور العتاد، كما حدث فى تسعينيات القرن الماضى، عندما فشلت بعض الأفكار، لأن العتاد لم يكن جاهزًا بعد. أما اليوم، فإن التطور يتسارع، وما زلنا ننتظر ظهور عتاد جديد يدعم تقنيات مثل الذكاء الاصطناعى المتقدم، ربما عبر أجهزة تُلبس كالخوذات أو النظارات الذكية، لكن التجارب السابقة مثل النظارات الذكية فشلت لعدم تكامل البرمجيات معها. وفيما يخص الوضع فى مصر والعالم العربى، يجب أن نكون واقعيين، لقد بدأ السباق العالمى فى هذا المجال منذ 20 عامًا، وتأخرنا عن المشاركة الفاعلة. ولو أردنا المنافسة فى مجال مثل الذكاء الاصطناعى، كان يجب علينا أن نبدأ منذ التسعينيات، بدعم الأبحاث الجامعية، ثم التحرك بقوة مع مطلع الألفية الثالثة، وليس فى السنوات العشر الأخيرة بعد أن أصبح المجال مكتظًا. للأسف، الواقع يشير إلى أننا لم نعد قادرين على اللحاق بالدول الرائدة، لكن هذا لا يعنى اليأس، بل يجب التركيز على مجالات أخرى نستطيع الإضافة فيها. ■ ما المدى الزمنى اللازم لتحقيق نجاح يُعتد به؟ - خذ الصين مثالًا؛ لقد استغرقت سنوات عديدة، واجتهدت فى سرية تامة، لم يلاحظها أحد حتى ظهرت فجأة بقوة. الأمر احتاج إلى 17 أو 18 عامًا من العمل الجاد، وجلب الخبراء، والاستثمار فى الأبحاث والتطوير. فى عام 1994، كنت جزءًا من فريق عمل فى شركة «آى بى إم» لمواجهة أزمة متوقعة عام 2017، وتوقعت أنا، أن تصبح الشرائح الإلكترونية صغيرة جدًا لدرجة تعجز معها التقنيات عن تصغيرها أكثر وكيفية التعامل مع هذا الحال. وضم الفريق 7 أو 8 أعضاء من تخصصات مختلفة، وبدأنا البحث عن حلول. كانت الأفكار التى طرحناها آنذاك مبكرة ب 23 سنة، لكن جزءًا كبيرًا منها نجح وتحول إلى منتجات صناعية حققت ل «آى بى إم» أرباحًا كبيرة. هكذا هى دورة الابتكار: طويلة ومتعبة، وإذا لم تبدأها فى الوقت المناسب، سوف تتفوق عليك الشركات التى بدأت قبلك بسنوات، وستجد نفسك فى سباق محموم لتطوير منتج، وتحتاج سنوات، بينما هم يطرحون منتجهم النهائى فى السوق. من عمل «إكسل شيت»، مثلًا سبق العالم وحقق مكاسب، وكان ممكنًا أى أحد فى أى بلد يعمله، وهذا مثال على الاستخدام الفعّال للتكنولوجيا عند من تخلّفوا عن إنتاجها، وأخشى أنه بعد 5 سنوات، حتى هذا قد لا يتاح للدول التى تتخلف. إن منع التفاعل مع التكنولوجيا والتطور بحجة الأمن أو أى حجة، خطأ كبير. إذا منعت الطلبة هنا، وأرى أساتذة يفعلون ذلك، حتى فى الجامعة، بداعى منع الغش، ستخسر، لأن غيرك لن يمنع. دع التلميذ أو الطالب يستخدم AI، بطريقة خلاقة. ■ كثيرون يكادون أن يكونوا أقرب إلى التشاؤم بشأن مستقبل الدول النامية فى ظل تطور AI؟ - التشاؤم يأتى من أننى لا أرى أننا سنقوم اليوم بإنشاء شركة تنافس «شات جى بى تي» أو «ديب سيك». هذا ليس المجال الذى يجب أن ندخله. لو كنا نريد دخول هذا المجال بشكل واقعى، كان يجب أن نبدأ فى التسعينيات، حيث تكون الجامعات لدينا قد أجرت أبحاثًا فى هذا المجال، ثم فى بداية الألفية نبدأ بالتحرك أكثر، ومنذ 10 سنوات عندما كانت الهوجة واضحة وبدأ الناس يعملون فى هذا المجال. كان يمكن أن نبتكر نحن فى مصر تطبيق جوجل ماب.. لو لم يكن لدينا الخوف ولدينا القيود. لا تعارض أبدًا بين أن نتقدم فى المجال وأن نضع قواعد وأسسًا لحوكمته... أوروبا تقدمت فى حوكمة الذكاء الاصطناعى، مقارنة بأمريكا؛ لكن الأخيرة هى الأكثر تقدمًا فى الإبداع والابتكار التكنولوجى، والإطار السليم مطلوب، والجرى فى السباق مطلوب أيضًا. أخشى من «تستيف الورق والمهام» فى مصر، فلدينا كل ما له علاقة بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعى.. استراتيجيات وخطط.. لجان عليا.. مراكز دعم؛ لكن المحصلة ضعيفة جدًا. لقد شاركت فى لجان كثيرة رفيعة المستوى. ومجالس استشارية.. نتكلم ونتكلم.. وأرى أن نتيجة العمل فيها صفر.. والحكم يكون على المخرجات وليس المدخلات، وكثيرًا ما يُعاد تشكيل لجان مثيلة لسابقتها أو منبثقة، والنتيجة صفر. نحن نذهب إلى هذا المؤتمر أو ذاك، ثم نخرج نهنئ أنفسنا بنجاح المؤتمر، دون أن نقول ما هى النتيجة العملية، وما معيار النجاح؟ واجب الدولة الأساسى هو التشريع والإطار التنظيمى، وتمويل البحوث الأساسية الحيوية، وغير ذلك، يجب أن تطلق العنان للمبتكرين والشركات الخاصة. ■ بلا حرج.. وبعيدًا عن مع أو ضد.. هل وضعنا فى التكنولوجيا كان أفضل مع حكومة الدكتور أحمد نظيف قبل 2011؟ - مصر أخذت لقطة تكنولوجية مميزة وقتها.. نظيف كان أول رئيس وزراء معلوماتى فى العالم. وبيل جيتس زارنا مرتين، وزارنا ستيف جوبز وكل عظماء التكنولوجيا فى العالم. وأسسوا شركات فى القرية الذكية، وفى عام 2004 لم تكن مصر ضمن أول 40 دولة فى مجال التعهيد، وتحدثت إلى صانعى التقرير العالمى عن صناعة التعهيد، لمعرفة الدروس المستفادة وعرضت الأمر على الوزير الراحل طارق كامل، وبعد مرور سنة أصبحنا رقم 12، ثم رقم 6 لاحقًا. «إنجاز». ■ قيل إن مصر كانت على وشك الفوز بمصنع ل «إنتل»، ماذا حدث ليضيع هذا الهدف؟ - بالمصادفة كان الملف بحوزتى وكنت مستشارًا أول لوزير الاتصالات، تسابقنا مع 40 دولة لاستضافة مصنع تقطيع الميكروتشيب واختباره وتغليفه، وهو يشد حوله عشرات الصناعات، وجاء وفد من «إنتل»، وقابلنا الدكتور يوسف بطرس، وزير المالية وقتها، والدكتور محمود محيى الدين، وزير الاستثمار، ونائب وزير الداخلية لشؤون التأمين، لهذا الغرض، وراح وفد «إنتل» يراجع وضع الطاقة والخدمات والمرور، ويحسب المسافة من المطار إلى المكان الذى سننقلهم إليه، وكم يستغرق الوصول فى الساعة الخامسة صباحًا، وكم يستغرق فى الساعة الثامنة صباحًا، وقاموا بهذا المشوار 10 مرات وبحث كل التفاصيل. كنا نعمل بشكل جيد حتى وصلنا إلى النهائيات مع فيتنام، وللأسف اختاروا فيتنام؛ لأنها لديها حوافز أكثر وحماس أكبر؛ ثم أضاف الدكتور خالد ضاحكًا: «لو كنا قدمنا لهم هذه الحوافز، لكنا دخلنا السجن بعد 2011 بدعوى إهدار المال العام». ■ فى مصر عدد ضخم من الموهوبين فى تكنولوجيا المعلومات بتجلياتها؛ لكنهم فُرط، والبلد ليست متقدمة. بماذا تفسر ذلك؟ - أحد أهم الأسباب فى نظرى أننا على المستوى القومى أو مستوى الأفراد نريد أن نكون عظماء فى كل مجال... ألم نكن سادة الدنيا فى كل المجالات منذ آلاف السنين؟ هذا مستحيل الآن حتى بالنسبة لأمريكا أو الصين. لا بد من التركيز، تمويلًا وبحثًا وتطويرًا، على مجالات محددة والتميز فيها وعدم التشتت، نحن لا نصنع إلكترونيات لكى ننتج الكهرباء، لكنها موجودة، وما يصنع التيار هو تحريكها فى اتجاه واحد. إسرائيل اختارت مبكرًا جدًا التميز فى علم الشفرة... وفك الشفرات، وأصبحوا رقم واحد عالميًا، ما ساعدهم فى العمليات الحربية، كما نرى، وتميزوا فى الزراعة. مصر يجب أن تختار ثلاث أو أربع مجالات على الأكثر. أن تكون مثلًا رقم 1 فى السياحة وليس 2 لأنها تستحق، وعليها أن تستخدم الذكاء الصناعى فى معرفة ذوق واحتياجات وثقافة السائح اليابانى أو الهندى أو الكورى أو البرازيلى، وفى تخطيط الحملات التسويقية وتقديم الخدمات رقميًا... إلخ. ونفس الأمر فى الزراعة، التى لا تزال كما هى تقريبًا من آلاف السنين، وصناعة الملابس الجاهزة، وهكذا، وأن يكون كل سائق تاكسى وكل مواطن على وعى بالهدف القومى الذى نسعى إليه ونشارك فى تحقيقه، ويمكننا ابتكار خدمات رقمية فى الطاقة والزراعة والصحة، وكما يوجد من يسبقنا، سوف نجد بعدنا عشرات الدول، فى أفريقيا وغيرها، أكثر تأخرًا منا وبحاجة إليها فنصدرها لهم. ■ بم تنصح الشباب؟ - عندما اخترت العمل فى مجال السوفت وير، كان لدى الخبرة فى السوفت والهارد كليهما، لكننى ركزت على السوفت وير، لأنه أسهل وأسرع، والطاقة البشرية متوفرة فيه أكثر، والتعقيد مفهوم، والعائد مرتفع؛ لذا دائمًا ما أنصح الشباب بعدم الاصطدام بالحائط، بل عليهم البحث عن الطريق الصحيح الذى يعود عليهم بالفائدة. وأرى أننا لو دربنا الشباب بشكل كافٍ، فقد ننجح نسبيًا فى مجال السوفت وير، الذى يتفاعل مع الهاردوير داخل الأجهزة، وليس السوفت وير التطبيقى أو الويب. ■ أريدك أن تعطينا مهمة فى «المصرى اليوم» حول كيفية توظيف الذكاء الاصطناعى لتطوير أنفسنا وتطوير رسالتنا؟ - أنا دائمًا أحب المغامرة، ما جعلنى أقدم على تجارب غير مألوفة، كان هناك كثير من الإخفاقات، لكننى لا أتذكرها، لأنها كانت جزءًا من تعليمى، أما النجاحات فكانت رائعة جدًا. ومن وحى اللحظة، أقترح على «المصرى اليوم» تخصيص صفحة مكتوبة بواسطة صحفيين، وفى نفس الوقت نجعل الذكاء الاصطناعى، يتحدث عن نفس الموضوعات. أى يُكتب نفس الموضوع مرتين: مرة بواسطة الكمبيوتر وAI، ومرة بواسطة الصحفى أو الخبير، عن مستقبل الجنيه المصرى خلال الأعوام الخمسة المقبلة مثلًا. وننشر المادة على صفحتين متقابلتين، ليلمس القراء نقاط الاتفاق والخلاف بين الرأيين. لقد قمت بهذه التجربة بنفسى ذات مرة، وطلبت من «شات جى بى تي» أن يفعل الشيء نفسه، الذى كتبته بوحى كل خبراتى، وكانت النتيجة جيدة، ظهر أن 70٪ مما كتبته، كتبه هو، وتفوق هو على فى 70٪؛ خاصة فى ترتيب النسق واللغة الإنجليزية.. وكان أسلوبه اللغوى أكثر رصانة، لكن من حيث المحتوى، كنت أفضل، وكان لدى 30٪ مختلفة. هو يتفوق على فى المستقبل. وللعلم، الذكاء الاصطناعى يمكن أن يولد صوتًا أهم من أم كلثوم، وإذا أعطيته أمرًا بتوليد صوت من أم كلثوم على عبد الوهاب، قد يصنع معجزة أو يقدم نشازًا. «المصرى اليوم»، يجب أن تغامر وتفتح آفاقًا جديدة للناس، دون أن تتورط فى النشاز، وهذا دور موهوبيها. ■ أصبح التداخل رهيبًا بين التكنولوجيا وكلا من السلاح والحروب... ما واجب علمائنا فى هذا المجال؟ - كما قلت، إسرائيل تخصصت فى علم الشفرة، ونرى أنها ترسل قبل أى غارة مثلًا طيارة وهمية لتلتقط الإشارات وتفكها، ثم يقوم الطيران الحقيقى بضرب الهدف دون أن تصيبه وسائل الدفاع؛ لأنه يشوشها. والكل يعلم الآن كمية الإلكترونيات فى أى صاروخ أو طيارة أو مدفع. وقد وصلنا إلى حد توجيه الصاروخ إلى هدف آخر قبل وصوله إلى الهدف الأول بمئات الأمتار فقط، لأن الموجه اكتشف فجأة هدفًا آخر أهم. ومصر أولى بأن تحتاط فى هذا المجال، ونحن نرى ما يحيط بها، ومؤكد لديها أدواتها واستعداداتها.