بأسلوبه الهجومي المعتاد كتب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منشورًا عبر منصته للتواصل الاجتماعي «تروث سوشيال»، دعا فيه إلى السماح للسفن الأمريكية، العسكرية والتجارية على حدٍ سواء، بالمرور مجانًا عبر قناتي بنماوالسويس، موضحًا أن هاتين القناتين ما كانتا لتوجدا لولا الولاياتالمتحدة، وبينما أثارت أحدث تصريحات ترامب «المتبجحة» جدلًا واسعًا في لحظة حرجة من التوترات الجيوسياسية، فإنها فتحت أيضًا ملفات تاريخية لطالما وُضعت جانباً، وعلى رأسها السؤال: هل لبلاده فضلٌ في إنشاء قناة السويس حقًا؟ ترامب يحفر في التاريخ بالمقلوب! الدكتور حسن سلامة أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الإسكندرية أجاب عن السؤال ببساطة: قطعًا لا؛ فالقصة تعود إلى مئات القرون، حين راودت حاكم مصر القديمة، الملك سنوسرت الثالث فكرة ربط البحرين الأحمر والمتوسط عبر نهر النيل وفروعه، ثم توالت المحاولات عبر الزمان من نخاو الثاني إلى دارا الأول، ولكن القناة بشكلها الحديث لم تُحفر إلا في منتصف القرن التاسع عشر، بعد أن منح محمد سعيد باشا امتيازًا للسياسي الفرنسي فرديناند ديليسبس عام 1854 لإنشاء الشركة العالمية لقناة السويس البحرية. وأضاف «سلامة» ل«المصري اليوم» أن الولاياتالمتحدة امتلكت بعض الأسهم لاحقاً في الشركة المشغلة، إلا أنها لم تكن طرفًا فاعلًا في التمويل أو الحفر أو الإدارة، بل إن مصر برغم الضغوط الدولية وقتها، امتلكت وحدها أكثر من نصف أسهم الشركة بعد أن اقترضت مبالغ ضخمة لتحصل عليها. ابتزاز أم جهل بالتاريخ؟ استمر حفر القناة 10 سنوات، وشهدت مصر لحظة تاريخية في 17 نوفمبر 1869 عندما افتُتحت لأول مرة في حفل أسطوري حضره ملوك وأباطرة وسفراء العالم، لتصبح شريانًا حيويًا للتجارة العالمية، قبل أن تشتري بريطانيا حصة مصر من الأسهم وفاءً للديون التي أثقلت بها كاهل الاقتصاد القومي، وباتت القناة خاضعة لنفوذ فرنسي بريطاني مشترك. ثم جاءت لحظة التحول الكبرى في 26 يوليو 1956، حين وقف الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر في الإسكندرية وأعلن تأميم القناة، لتنتقل ملكيتها بالكامل إلى الدولة المصرية، في خطوة أدت إلى العدوان الثلاثي، لكنها أثبتت أن القناة لم تعد خاضعة لأية قوى أجنبية. اليوم وبعد سلسلة طويلة من الطموح والكفاح، تخضع قناة السويس لنظام قانوني صارم يستند إلى اتفاقية القسطنطينية لعام 1888 التي تضمن حرية الملاحة لجميع الدول دون تمييز، ومن هنا وصف أستاذ التاريخ مطالبة ترامب بالمرور المجاني بأنها لا تستند إلى أي أساس تاريخي أو منطقي، وإنما يمكن اعتبارها حركة ابتزاز سياسي لمصر التي وقفت في وجه مشروع تهجير الفلسطينيين من غزة. كما يشير التصريح الاستفزازي إلى محاولة ترامب الضغط على الدول المالكة للممرات الملاحية العالمية، بما في ذلك قناة السويس، لتخفيض رسوم المرور للسفن الأمريكية، في محاولته المزعومة بجعل أمريكا «عظيمة مرة أخرى».