أدت الاشتباكات بين قوات الأمن التابعة للحكومة الانتقالية السورية وفلول النظام السابق مع أنصار الرئيس المخلوع بشار الأسد، إلى مقتل وإصابة مئات الأشخاص، وتعتبر هذه الاشتباكات الأسوء منذ سقوط النظام وتولي الحكومة الجديدة للسلطة، وبدأت الاضطرابات في السادس من مارس في محافظتي اللاذقية وطرطوس على ساحل البحر الأبيض المتوسط، حيث تتواجد الأقلية العلوية في سوريا، كما اشتعل العنف الطائفي على مدى الأشهر الثلاثة الماضية. وأفادت وكالة «رويترز»، أن مئات السوريين، أغلبهم من النساء والأطفال وكبار السن، قد لجأوا إلى قاعدة حميميم الجوية الروسية في اللاذقية هربا من أعمال العنف، ونشر عدد من مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي «إكس» صورًا لنساء وأطفال مع تعليقات تشير إلى أنهم لاجئون مسيحيون ودروز وعلويون منحتهم روسيا فرصة اللجوء إلى قاعدة حميميم الجوية. وكانت وكالة «سانا» السورية، قد نقلت عن متحدث باسم وزارة الداخلية السورية أن «حشودا كبيرة غير منظمة تحركت باتجاه الساحل بعد مقتل عدد من رجال الشرطة والأمن». وقال رئيس المخابرات السورية أنس خطاب، إن «مسؤولين عسكريين وأمنيين سابقين يقفون وراء التخطيط وتنفيذ عمليات قتل العشرات من كبار المسؤولين في الجيش وأجهزة الأمن والشرطة». وبحسب بعض الإحصائيات فقد قتل أكثر من 225 شخصًا في الاشتباكات منذ يوم الخميس، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وقالت المنظمة التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها إن 125 مدنيا كانوا بين القتلى، حيث زعمت أن القوات الحكومية نفذت «إعدامات ميدانية جماعية» بحق الشباب والبالغين «دون التمييز بشكل واضح بين المدنيين وغيرهم». وأفادت أنباء أن هناك فصائل مسلحة غير تابعة لإدارة العمليات العسكرية والأمن العام التابع للحكومة الجديدة هي من قامت بالانتهاكات ضد المدنيين بطريقة إنتقامية، وهذا ما دفع الرئيس السوري أحمد الشرع لتشكيل لجنة من مختصين لبحث التجاوزات ومعاقبة المسؤولين عن الجرائم والفوضى. وقالت الباحث في العلاقات الدولية، شروق أحمد، إن التنسيق السوري الروسي جاء بنتائج سريعة لحماية المدنيين، فإدارة القاعدة العسكرية الروسية قامت باستقبال المدنيين بهدف حمايتهم من الاشتباكات العنيفة الدائرة منذ أيام، وكانت زيارة وفد من إدارة منطقة جبلة وإدارة الأمن العام إلى مطار حميميم لطمأنة الأهالي الموجودين فيه وإعادتهم لقراهم شاهدًا على التنسيق بين الطرفين، وهذا ما قد يمهد لتنسيق أكبر في الأيام المقبلة لحماية المدنيين وبسط الأمن في منطقة الساحل بعد الهجمات التي نفذها مسلحين وفلول النظام السابق. كما حصلت قناة «RT» الروسية على لقطات من قاعدة حميميم الجوية في غرب سوريا، حيث لجأت أعداد غفيرة من المواطنين المدنيين هربا من الاشتباكات التي اندلعت الأسبوع الماضي. في ظل هذه الظروف سمح مطار حميميم للمدنيين السوريين بالدخول لحرمه، وتظهر الصور التي ننشرها نازحين معظمهم من النساء والأطفال، متواجدين داخل منشآت وفي الهواء الطلق في أراضي القاعدة. ويقدر عدد المدنيين الذين تستضيفهم حميميم بالمئات، وقد وفر العسكريون الروس لهم مطبخا ميدانيا ومركزا طبيا وخياما، لكن الوضع الإنساني هناك لا يزال صعبا، كون القاعدة غير مهيئة لإقامة مثل هذه العدد الكبير من الناس. وحسب تقارير، فقد قدمت الحكومة السورية أمس الأحد مواد إغاثية للأهالي الذين احتموا بقاعدة حميميم. وبخصوص التجاوزات التي حصلت من قبل بعض العناصر المسلحة، تعهد الرئيس السوري أحمد الشرع في خطاب متلفز يوم الجمعة بملاحقة المسؤولين عن مقتل العشرات من مسؤولي الأمن ودعا قوات الأمن إلى «عدم الرد بشكل مفرط أو غير مبرر» بعد ورود تقارير عن سقوط العديد من الضحايا المدنيين في الاشتباكات. وبدوره قال المتحدث باسم وزارة الدفاع السورية العقيد حسن عبدالغني إن «مجرمي الحرب» «مشتتون في مختلف الجبال وليس لديهم ملجأ سوى المحاكم حيث سيواجهون العدالة». وشهدت منطقة الساحل، التي تعيش فيها أغلبية من الطائفة العلوية، توترات أمنية، منذ يوم الأربعاء الماضي، حيث دارت معارك عنيفة بين قوات الأمن العام وعناصر تابعين لقوات النظام السابق. وتحدثت تقارير عن ارتكاب جرائم بحق المدنيين في الساحل، تسببت بمقتل مئات الأشخاص، فيما أعلن الأمن العام السوري اعتقال مجموعات غير منضبطة بسبب ارتكابها انتهاكات. وشهدت العلاقات الروسية مع الإدارة السورية تطورًا ملحوظًا في الأسابيع الأخيرة، بعد توقعات بخروج روسيا من قواعدها على الساحل السوري فور سقوط نظام بشار الأسد. وبدوره أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالًا هاتفياً منذ أيام مع الرئيس السوري أحمد الشرع، هو الأول من نوعه منذ الإطاحة بالنظام البائد. وأفاد المكتب الصحافي للكرملين بأنه جرى خلال الاتصال «تبادل مفصل لوجهات النظر حول الوضع الحالي في سوريا». وأكد الجانب الروسي على موقفه المبدئي الداعم لوحدة وسيادة وسلامة أراضي الدولة السورية، مضيفًا أنه تم التأكيد على «أهمية تنفيذ مجموعة من التدابير للتطبيع المستدام في البلاد، وتكثيف الحوار بين السوريين بمشاركة القوى السياسية الرائدة والمجموعات العرقية والدينية من السكان».