75 رغبة لطلاب الثانوية العامة.. هل يتغير عدد الرغبات بتنسيق الجامعات 2024؟    بحضور مجلس النقابة.. محمود بدر يعلن تخوفه من أي تعديلات بقانون الصحفيين    الأوقاف تعلن أسماء المرشحين للكشف الطبي للتعاقد على وظيفة إمام وخطيب من ذوي الهمم    لمدة 15 يوما.. وزير الإسكان: غداً.. بدء حجز الوحدات السكنية في «بيت الوطن»    «الإحصاء»: 4.1 مليار دولار صادرات مصر لتركيا خلال عام 2023    الأردن.. الخصاونة يستقبل رئيس بعثة صندوق النقد الدولي للمملكة    مؤشر egx70 يرتفع.. البورصة تقلص خسائرها في منتصف تعاملات اليوم الثلاثاء    «مياه أسيوط» تستعرض تنفيذ 160 ألف وصلة منزلية للصرف الصحي    الضرائب: تخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية ل25 ألف جنيه بدءًا من أغسطس المقبل    بنك مصر شريكا ومستثمرا رئيسيا في أول منصة رقمية للمزادات العلنية «بالمزاد»    بوتين يوقع مرسوم استقالة الحكومة الروسية    أوكرانيا: مقتل وإصابة 5 أشخاص في قصف روسي على منطقة سومي شمالا    مسؤول إسرائيلي: اجتياح رفح يهدف للضغط على حماس    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    الإليزيه: الرئيس الصيني يزور جبال البرانس الفرنسية    مؤرخ أمريكي فلسطيني: احتجاجات طلاب جامعة كولومبيا على الجانب الصحيح من التاريخ    قبل موقعة بايرن ميونخ| سانتياجو برنابيو حصن لا يعرف السقوط    بعد الإنجاز الأخير.. سام مرسي يتحدث عن مستقبله مع منتخب مصر    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    أول صورة للمتهم بقتل الطفلة «جانيت» من داخل قفص الاتهام    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    تأجيل محاكمة المتهمة بقت ل زوجها في أوسيم إلى 2 يونيو    ضبط شخص بالمنيا يستولى على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بالمواطنين    مهرجان المسرح المصري يعلن عن أعضاء لجنته العليا في الدورة ال 17    حفل met gala 2024..نجمة في موقف محرج بسبب فستان الساعة الرملية (فيديو)    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    بأمريكا.. وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلاً غنائيًا    في يومه العالمي.. تعرف على أكثر الأعراض شيوعا للربو    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    ضمن حياة كريمة.. محافظ قنا يفتتح عددا من الوحدات الطبية ب3 قرى في أبوتشت    غدا.. "صحة المنيا" تنظم قافلة طبية بقرية معصرة حجاج بمركز بنى مزار    عاجل:- التعليم تعلن موعد تسليم أرقام جلوس امتحانات الثانوية العامة 2024    «تعليم الإسماعيلية» تنهي استعدادات امتحانات الفصل الدراسي الثاني    جمهور السينما ينفق رقم ضخم لمشاهدة فيلم السرب في 6 أيام فقط.. (تفاصيل)    انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض المسرحية الطويلة بجامعة القاهرة    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    مصرع سيدة دهسًا تحت عجلات قطار بسمالوط في المنيا    سعر الأرز اليوم الثلاثاء 7-5-2024 في الأسواق    «تعليم القاهرة»: انتهاء طباعة امتحانات نهاية العام الدراسي لصفوف النقل.. وتبدأ غدًا    رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية التجارة    "تم عرضه".. ميدو يفجر مفاجأة بشأن رفض الزمالك التعاقد مع معلول    المتحف القومي للحضارة يحتفل بعيد شم النسيم ضمن مبادرة «طبلية مصر»    اقوى رد من محمود الهواري على منكرين وجود الله    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    لقاح سحري يقاوم 8 فيروسات تاجية خطيرة.. وإجراء التجارب السريرية بحلول 2025    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 7-5-2024    لاعب نهضة بركان السابق: نريد تعويض خسارة لقب الكونفدرالية أمام الزمالك    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    العاهل الأردني يطالب بمضاعفة المساعدات الإنسانية إلى غزة وإيصالها دون معيقات أو تأخير    شكر خاص.. حسين لبيب يوجه رسالة للاعبات الطائرة بعد حصد بطولة أفريقيا    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    ياسمين عبدالعزيز عن محنتها الصحية: «كنت نفسي أبقى حامل»    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الجاكتة» و«العروة « و«البطانة»
نشر في المصري اليوم يوم 08 - 08 - 2010

المثقف المصرى نشأ وترعرع فى أحضان السلطة، فقد دأبت الحكومات التى تعاقبت على هذا الشعب على تغذيته وتربيته وتكبيره و«تسمينه» ليصبح أداتها فى خداع الشعب وتزيين الباطل ودفع الحق الظاهر البين، ويكون جزاء من يفعل غير ذلك وينحاز لمواطنيه التهميش والمحاصرة والاستبعاد خوفاً من أن يعكر صفو المزاج الشعبى الذى يضبطه مثقفو السلطة على ساعة يدهم.
أطلّت هذه الحقيقة بوجهها عبر الاجتماع الذى عقده السيد جمال مبارك مع عدد من المثقفين، وكشف عنه مؤخراً الأستاذ أحمد الصاوى فى عموده المتميز «عابر سبيل» ب«المصرى اليوم» لتعيد إلى الذاكرة ذلك المشهد القديم المتجدد الذى يبدأ به كل من يريد الوصول إلى عرش مصر قصة فيلمه بالالتقاء بالمثقفين والحديث إليهم، يستوى فى ذلك أن يكون أسماء أبطال هذا المشهد «الإمام محمد عبده» أو «الأستاذ أحمد لطفى السيد»، أو «الدكتور إسماعيل سراج الدين» أو «الدكتور جابر عصفور» وغيرهم.
فالتاريخ يحكى لنا أن نابليون حرص- بعد أن وطئت أقدامه مصر كغاز محتل- على تقريب مشايخ الأزهر، إذ كانوا يمثلون فى ذلك الوقت النخبة المثقفة والقادرة على تزيين حكمه لجموع المصريين الرافضين له، وهو الأمر نفسه الذى فعله محمد على عندما وصل إلى سدة الحكم بعد خروج الحملة الفرنسية من مصر فقرّب المشايخ هو الآخر ودفع إمامهم «الشيخ محمد عبده» إلى رئاسة تحرير جريدة «الوقائع المصرية».
ولماذا نذهب بعيداً ونتوغل فى أقصى التاريخ ولدينا مثل واضح من التاريخ القريب، حين بدأ الرئيس مبارك فترة حكمه انطلاقاً من المعادلة نفسها، وبادر إلى عقد لقاء مع المثقفين والسياسيين المصريين الذين أصدر الرئيس السادات قراراً باعتقالهم فى سبتمبر 1981، ووعدهم بفتح صفحة جديدة مع النظام . وها هو الابن يستقل القطار من نفس المحطة مصداقاً لقول الشاعر «وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوَّده أبوه».
وقد لا يرى بعض المثقفين عيبا فى مسألة اقترابهم من السلطة، وقد يبررون لأنفسهم ذلك بأن ما يملكونه من رؤية وخبرة وفكر ومعرفة يؤهلهم، بل يفرض عليهم، أن يكونوا جزءاً من تركيبتها. وقد كان من الممكن أن نتقبل هذه المعادلة لو أن المثقفين يلعبون دوراً حقيقياً فى التأثير فى صناعة القرار، أو أن الجالسين على كراسى الحكم يكترثون بما يقدمونه من آراء وأفكار ووجهات نظر حول القضايا والمشكلات المختلفة.
فالعكس هو الصحيح، والذى يحدث فى الأغلب أن دور المثقف ينحصر فى تبرير قرارات السلطة و«تبليعها» للناس نظير تحقيق بعض المكاسب المادية أو المعنوية. ويعاند بعض المثقفين أكثر وأكثر حين يرون أن من الطبيعى أن ينعموا بالحياة وأطايبها، وأن بضاعة الفكر والمعرفة التى يروجون لها تستوجب أن يربحوا الكثير . والمشكلة أن المثقف عندما يدخل هذه الدائرة فإنه يخرج- بصورة مباشرة- من دائرة «مثقف السلطة» ليدخل فى دائرة «المسخ» ويصبح مثل الأراجوز الذى تتحدد كل مؤهلاته فى القدرة على «الأرجزة» والضحك على «دقون» الناس.
وينسى المثقف فى غمرة الاندفاع فى أحضان السلطة أن دوره الحقيقى يتحدد فى مراقبة ما يحدث فى المجتمع والتنبيه إليه والتوعية به ومساعدة المواطن على استيعاب طرق مواجهته، مما يفرض عليه أن يكون مستقلاً عن أى سلطة، وأن يحتفظ بمسافات معقولة تفصل بينه وبين صناع القرار، سواء فى دوائر الحكم أو فى دوائر المعارضة.
فمن حق أى مثقف أن يعلن عن رأيه وموقفه المؤيد للسلطة بشرط أن يكون مستقلاً عنها ولا يشكل قيادة داخل مؤسساتها المسؤولة عن صناعة القرار الثقافى. كذلك من حق المثقف أن يكون جزءاً من المعارضة وأن يبدى آراءه فى الإصلاح والتغيير، بل إن من واجبه ذلك، وهو مطالب أيضاً بأن يشارك مشاركة حقيقية مع التيارات الداعية إلى الإصلاح والتغيير شريطة ألا يميز ما بين أطيافها المختلفة. وإذا حدثت المعجزة ووقع التغيير فإن دور المثقف كجزء من «تركيبة المعارضة» لابد أن ينتهى وأن يعود إلى ثكناته ليواصل دوره فى الرقابة، وفى الحالة التى يسمح فيها لنفسه بأن يكون جزءاً من التركيبة الجديدة للسلطة (المعارضة سابقاً) فعليه أن يفهم أن دوره الحقيقى كمثقف قد انتهى، وأنه وقع فى الفخ نفسه الذى وقع فيه من سبقوه.
ومن العجيب أن يفعل المثقفون ذلك رغم ثقتهم فى أن الحاكم الشرقى لا يرى فيهم إلا مجرد «وردة فى عروة الجاكتة» فى أحسن تقدير، بل يأبى عليهم أن يكونوا جزءاً من بطانة هذه «الجاكتة».
فالبطانة عادة ما تكون من رجال الأعمال. فالزواج ما بين السلطة والثروة ممكن، أما أن تتزوج السلطة الثقافة فذلك هو المستحيل بعينه، خصوصاً فى المجتمع المصرى الذى تكرس فيه الاستبداد عبر عصور طويلة. فالحاكم المصرى يرى نفسه دائماً الأحكم والأعقل والأعدل، والسر فى ذلك هو المثقفون المنبطحون. فكيف يمكن أن يتصور الحاكم نفسه وهو يرى حملة الدكتوراهات وأصحاب العقل والفكر والمعرفة والإبداع يهرولون إليه إلا أن يكون عبقرياً أو نصف نبى؟!
إن تاريخنا يشهد أن النسبة الأكبر من مثقفينا آثرت الانحياز إلى السلطة والدخول فى تركيبته بدلاً من أن تقوم بدورها فى الرقابة العامة، وفضلت أن تجعل من الثقافة أداة للتكسب والتربح.
وفى تقديرى أن هذا الصنف من المثقفين أساء إلى الشعب المصرى أكثر مما أساء إليه حكامه، إلى الحد الذى يمكن أن نقول معه إن أزمة هذا المجتمع تكمن فى مثقفيه أكثر مما تكمن فى حكامه. فقد شوّه مثقفو السلطة- على مدار تاريخ هذا البلد- عقل الشعب ووجدانه، ومارسوا عليه أكبر عمليات النصب التى تمت فى تاريخه، بداية من الشيخ الإمام محمد عبده الذى زين الاستبداد وأطلق عبارته الشهيرة التى ذكر فيها «أن المستبد العادل هو الحاكم الأنسب للشرق» ليبرر حكم محمد على وأبنائه، ومروراً بأحمد لطفى السيد الذى تعامل مع هذا الشعب باحتقار واضح حين تحدث عن «أصحاب المصالح الحقيقية فى البلاد»، وهو يشير إلى ملاك الأرض وباشوات السياسة بعيداً عن الشعب الجاهل وغير الواعى، وانتهاء بهذه «الشلة» التى التأمت حول «جمال مبارك» لتبرر عملية توريث الحكم، وكأنى بهم وهم يجلسون منصتين إليه وهو يعرض أفكاره وتصوراته حول الثقافة والعمل الثقافى ويعقّبون عليها ممتدحين نبوغها وعبقريتها، وما أكثر ما يمتدح مثقفو السلطة عبقرية من لا يعتقدون فى عبقريته، وحكمة من لا يعتقدون فى حكمته!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.