وزير الدفاع يستقبل اللواء محمود توفيق ووفد من قيادات الشرطة لتقديم التهنئة بمناسبة انتصارات أكتوبر    وزيرة التخطيط تستعرض «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية» مع رئيس جامعة القاهرة.. ويوقعان بروتوكول تعاون في مجالات الحوكمة والتطوير الإداري    شراكة مصرية بلجيكية على الطريق.. الرئيس السيسى يغادر إلى بروكسل لرئاسة وفد مصر بالقمة المصرية الأوروبية الأولى    وزير الاستثمار: الحكومة تركز على تعزيز مساهمة القطاع الخاص باعتباره المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي    القاهرة الإخبارية: رئيس المخابرات المصرية يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي لدفع "خطة ترامب" بشأن غزة    التحالف الوطنى يشارك في احتفالية التعاون المصري القطرى لتلبية الاحتياجات الإنسانية بغزة    ترافقه لعنة أموال القذافى ..الرئيس الفرنسي السابق "ساركوزى" يصل السجن لتنفيذ حكم حبسه 5 سنوات    الأولمبية المصرية تعلن إحالة ثنائي تنس الطاولة ومدربهما إلى لجنة القيم    ضبط (396) قضية مخدرات وتنفيذ (83) ألف حكم قضائي خلال يوم    الأرصاد: أجواء خريفية مستقرة وارتفاع طفيف فى درجات الحرارة    كشف ملابسات واقعة نصب على سيدة بادعاء المتهم كونه ضابط شرطة    ليلى علوى: مشهد الأكل فى حب البنات جمع الأخوات وأعاد الدفء للعلاقات الأسرية    أيمن محسب: المتحف المصري الكبير رمزا لنهضة وطنية شاملة قادها الرئيس السيسى    وزير الصحة يعقد اجتماعًا لمتابعة نتائج زيارته الرسمية إلى الصين    وزير الصحة يستقبل سفير فرنسا بمصر للإتفاق على تنفيذ خطة لتقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    رئيس هيئة الرعاية الصحية: الرعاية الطبية التزام إنساني دولي تؤمن به مصر ومؤسساتها الصحية    تنس طاولة - محمود أشرف: أعتذر عما حدث مع عمر عصر.. ومستعد للمثول للتحقيق    مصر تحصد المراكز الأولى بمسابقات المنتدى الأفرواسيوى للابتكار والتكنولوجيا في ماليزيا    وزير الثقافة يتابع استعدادات إنعقاد معرض القاهرة الدولي للكتاب    الخميس.. محمد ثروت ومروة ناجى بقيادة علاء عبد السلام على مسرح النافورة    انخفاض ملحوظ في أسعار الأسماك بأسواق الإسكندرية.. البلطي ب70 جنيها    تامر أمين عن سرقة مجوهرات نابليون من اللوفر: اللي يشوف بلاوي غيره يحمد ربنا على نعمة مصر    نقيب المحامين يترأس اليوم جلسة حلف اليمين للأعضاء الجدد    6 مصابين في انقلاب ميكروباص على طريق مصر-أسيوط الصحراوي الغربي بالفيوم    اليوم، ختام تعديل رغبات الانضمام لعضوية اللجان النوعية بمجلس الشيوخ    تصريحات ذكرتنا بالحقائق    أمينة خليل: أنا وسط البنات اللي في جيلي تأخرت شوية في الجواز    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في محافظتي القاهرة وكفر الشيخ    بروتوكول تعاون بين جامعة القاهرة و «القومي للحوكمة» لدعم التنمية المستدامة    الخارجية الروسية: لم يتم الاتفاق على عقد لقاء بين لافروف وروبيو    أمريكا وأستراليا توقعان إطارا للمعادن الحيوية والعناصر الأرضية النادرة    رئيس البرلمان العربي يطالب بتشكيل مجموعة عمل برلمانية لدعم تثبيت وقف إطلاق النار في غزة    «التضامن» تعلن فتح باب التقديم لحج الجمعيات الأهلية.. غدًا    بسبب 200 جنيه.. مقتل فكهاني طعنا على يد سباك في الوراق    محاكمة 68 متهمًا في قضية خلية قصر النيل بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية    ميدو: كنا نسبق الكرة المغربية.. والعدل في الدوري سبب التفوق    بالصور.. بدء التسجيل في الجمعية العمومية لنادي الزمالك    نيويورك تايمز: إدارة ترامب تضغط على نتنياهو لعدم تقويض الاتفاق مع حماس    جامعة قنا تطلق مشروع التطوير الشامل للمدن الجامعية    "تأهيل وتوعية الطلاب بدور المشروعات المتوسطة والصغيرة فى تعزيز الاقتصاد".. ندوة ب"طب بيطري بنها"    ناهد السباعي: «السادة الأفاضل» ليس فيلم ممثل واحد.. ولم أشعر بصغر مساحة الدور    مع اقتراب دخول الشتاء.. أبراج تبحث عن الدفء العاطفي وأخرى تجد راحتها في العزلة    الحكومة: تنظيم مهرجان شتوى فى تلال الفسطاط على غرار فعاليات العلمين    ما حكم الاحتفال بالموالد مثل مولد سيدنا الحسين والسيدة زينب؟ وما حكم أفعال بعض الناس خلال الموالد من الذبح والنذور وغيرها من الطقوس ومظاهر الاحتفال؟ وما حكم تشبيه بعض الأفعال الخاصة فى الاحتفالية بمناسك الحج؟    المشرف على رواق الأزهر عن جدل مولد السيد البدوي: يجب الترحم عليهم لا الرقص عند قبورهم    وليد عبداللطيف: الأهواء الشخصية تسيطر على اختيارات مدربي المنتخبات الوطنية    ياسين منصور: لا ديكتاتورية في الأهلي.. وهذه تفاصيل جلستي مع الخطيب    إصابة 13 شخصا إثر انقلاب ميكروباص فى العياط    وزير الصحة يتابع نتائج زيارته إلى الصين لتعزيز التعاون في الصناعات الدوائية والتحول الرقمي    كيف تميز بين نزلة البرد العادية والتهاب الجيوب الأنفية؟    موعد مباراة برشلونة وأولمبياكوس بدوري أبطال أوروبا.. والقنوات الناقلة    أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 21 أكتوبر 2025    بيان عاجل لوزارة العمل حول زيادة الحد الأدنى للأجور    متحدث «الشباب والرياضة» يكشف أزمة الإسماعيلي بالتفاصيل    هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها؟.. دار الإفتاء تحسم الأمر    اتحاد "شباب يدير شباب" (YLY) ينظم جلسة تدريبية حول مهارات التواصل الفعّال ضمن برنامج "تماسك"    مواقيت الصلاة في أسيوط اليوم الثلاثاء 21102025    هل يشترط وجود النية في الطلاق؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تبوير الأرض السوداء آخر فصول الخراب
نشر في المصري اليوم يوم 03 - 08 - 2010

أوشك على إكمال خمسين عامًا فوق هذه الأرض، لم تنقطع فيها علاقتى بقريتى بالشرقية، وأنا لا أتحدث هنا عن مكان بالظهير الصحراوى أقصى شرق الشرقية، وإنما عن قرية تبعد خمسين كيلو مترًا عن النيل والقناطر الخيرية. هذا التوضيح ضرورى لأننى بصدد الحديث عن الزراعة والأرض الزراعية.
طوال السنوات الخمسين، منذ فتحت عينى فى ميت سهيل، وحتى هذا الموسم الزراعى الصيفى لم أر شبر أرض بور فى قريتى التى تكونت تربتها السوداء عبر آلاف السنين، إلا فى حالة واحدة، عندما كنا نستيقظ فنجد قطعة أرض محشوشة فى ثأر بين عائلتين، وكان المشهد كفيلاً بإصابة من يراه بالرهبة، لأن ذنبًا كبيرًا تم ارتكابه بحق الزرع، نعمة ربنا التى يجب أن تكون فوق الخلافات والثارات.
يعرف الفلاح قيمة الأرض إلى حد مبالغ فيه، يجعل الكردون السكنى للقرى المصرية الأكثر تقشفًا بين القرى فى العالم، حيث يخصص الفلاحون المصريون لسكناهم الحد الأدنى من الأرض، ويحاول المهرة منهم زراعة ثلاثة محاصيل فى العام.
وكان جديدًا علىّ أن أرى فى هذا الصيف أراضى بور لم تجد من يزرعها، لأن المحاصيل الصيفية تحقق خسارة منذ عدة سنوات، وكان الفلاح يتحمل هذه الخسارة مقابل زرع حصة أرز تعوضها على طريقة «دى تشيل دى» وهو لا يفعل ذلك باتفاق مع أحد، ولكن مع ذاته، مسوغًا لنفسه الأسباب التى تجعل أرضه خضراء، لأن الفشل فى زراعة الأرض، بل مجرد اعتلال الزرع هو أحد أسباب العار عند الفلاح.
ولأن الشرقية من بين المحافظات التى نزل عليها فرمان منع زراعة الأرز كالصاعقة، فقد اضطر الفلاح لأن يتخلى عن عاداته القديمة ويقتصد فى الخسارة، محتميًا من عار البطر والتبوير بزراعة أرضه فقط، وعدم السعى لتأجير مساحات أخرى فوقها، فانخفض إيجار الفدان من ألف وخمسمائة جنيه للفدان فى نصف العام إلى مائتين وأربعين، ومع ذلك بقيت بعض الأراضى المعروضة للإيجار بورًا.
فى عرف الفلاحين يعد إتلاف الزرع أو تبوير الأرض كبيرة من الكبائر. والنظام الموروط فى كبائر الصفقات فى جزيرة آمون والسليمانية ومدينتى وما ظهر من كبائر وما بطن، لا وقت لديه ليسأل الفلاحين عما دفعهم لارتكاب كبيرة ترك الأرض بورًا.
لا تعرف الحكومة سوى ورطة الحصة المصرية والخلاف مع دول المنبع والهروب باقتراحات حول إغلاق المصب، أما ما يجرى بين المنبع والمصب، فهو أمر لا يهم أحدًا، حتى لو كان تبوير الأرض السوداء التى بناها النيل ذرة طمى فوق ذرة.
لا أحد يسأل كم يتكلف فدان ذرة أو قطن فى الموسم الصيفى وكم يعطى من عائد. ومنذ سنوات طويلة يتحمل الفلاح الخسائر بصبر المؤمنين على العبادة والرغبة فى البعد عن الذنوب والكبائر. مسألة دينية بحتة بالفعل هى التى تقف وراء استمرار الزراعة حتى الآن، لكن بداية التبوير تعنى أن الخسارة لم تعد محتملة، وأن سياسات هذه الحكومة تولد الكفر.
باستثناء الأرز، صار الفارق كبيرًا بين العائد وبين مدخلات الإنتاج التى تبالغ الحكومة فى تسعيرها، من البذور والمبيدات والأسمدة، حتى الماء الذى كان مجانيًا صارت تكلفته فوق الاحتمال الآن.
ما حدث فى سياسات تسعير مدخلات ومخرجات الزراعة معروف، ويتناوله الدكتور محمود عمارة على هذه الصفحة، مثلما يتناول صعوبات الاستصلاح، وبينها صعوبات رى الأراضى الصحراوية من واقع خبرته العملية فى زراعة الصحراء.
وقد نسمى فوضى وعدم كفاءة التعامل مع الصحراء إهمالاً من نظام يكره الإنتاج، لكن ما يجرى فى قطاع الرى فى الأراضى القديمة الأكثر قربًا من النيل ليس أقل من جريمة يجب أن يعاقب عليها القانون وكبيرة عند الله.
تحولت الرى إلى وزارة متخصصة فى شؤون المنبع والمصب وإن اهتمت بشىء بينهما، فبالمغامرات غير المدروسة فى الصحراء، مثل توشكى المهداة إلى مستثمر سعودى واحد أو توصيل المياه إلى ملاعب الجولف التى تخدم ألف شخص فى مصر.
لم يعد هناك وجود لوزارة الرى بين الفلاحين، ولم تر الترع القديمة كراكة التطهير منذ سنوات، لأن شركة الكراكات أضيفت إلى وزارة الاستثمار بدلاً من الرى، وهذا لم يكن ممكنًا تصوره فى ظل الاحتلال، لأن الاحتلال عاقل ويدرك نتائج أفعاله، ويعرف أن مساعدة الفلاح على إنتاج عيشه أقل كلفة من إفقاره ثم البحث عن محسنين لإعالته.
انسدت الترع والمصارف وانزرعت الأرض مواسير وطلمبات أعماق لاستخدام المياه الجوفية على مرمى حجر من النيل، وأصبح استخراج المياه غير اقتصادى فى ظل ارتفاع أسعار الوقود، الذى يضاف إلى التكاليف الأخرى، مما يجعل فدان الذرة يحقق خسائر بين الخمسمائة جنيه والألف جنيه بخلاف مجهود المزارع طوال العام، أما القطن الذى يعد دائمًا بالمفاجآت فيمكن أن تقود ديونه المزارع إلى السجن.
هذا هو الوضع الآن بلا تزويق، وإن كان الرأى والمشورة فالأمر يتطلب عددًا من الإجراءات الفورية فى مجال تسعير مستلزمات الإنتاج والمحاصيل وإعادة الهيبة وشركة الكراكات إلى وزارة الرى. أما إن كان وحيًا يوحى من قوى غامضة لإفقار مصر، فليس لنا إلا التوجه بالدعاء لخفى الألطاف كى ينجينا مما نخاف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.