مذكرات محمد فايق: مسيرة تحرر واستقلال وتنمية وحقوق (1- 2)

(1)
«محمد فايق: عطاء وطنى ممتد»
فى يوليو الماضى، صدرت مذكرات الأستاذ محمد فايق تحت عنوان: «مسيرة تحرر: مذكرات محمد فايق»؛ والقارئ للمذكرات التى تعكس حياة الرجل يمكنه أن يلحظ بسهولة كيف أن المحطات المتعاقبة التى انتقلت فيها حياة محمد فايق: كمحارب، وسياسى ووزير، وإعلامى، وحقوقى، ووسيط دولى؛ ما هى فى الواقع إلا انعكاس لمراحل تاريخ مصر: الباحثة عن الاستقلال، والمحارِبة ضد الاستعمار هنا فى مصر وفى إفريقيا، وصاحبة المشروع التنموى المتجاوز الحدود بإنتاجه المادى/ الصلب والمعنوى/ الناعم، والساعية لتأمين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فالسياسية والمدنية والثقافية. فلقد كان حاضرًا وبقوة فى كل مرحلة من هذه المراحل، متوحدا بأهدافها، ومثابرا من أجل تحقيقها التحقيق الأمثل من أجل الصالح الوطنى العام؛ وكان التوفيق دائمًا إلى جانبه أو كما يقول أستاذ العلوم السياسية الكبير الدكتور «أحمد يوسف أحمد» فى تقديمه للكتاب: «كانت حياة محمد فايق سلسلة متصلة من النجاح.. اضطلع فيها بأدوار تاريخية حقق من خلالها إنجازات لا يمكن أن تُمحى...».
(2)
«كلمات مفتاحية»
هناك عدة كلمات - أعدها مفتاحية - استوقفتنى فى مذكرات الأستاذ محمد فايق. الأولى: إضاءة المستقبل. والثانية: خدمة غير القادرين. والثالثة: المشاعر أكثر ما تدفع الإنسان يشعر بإنسانيته.. الكلمة المفتاحية الأولى: إضاءة المستقبل؛ كلمة مفتاحية تمثل جوهر المنهجية التى قارب بها الأستاذ محمد فايق سيرته. فلقد شاءت الأقدار أن «يقوم بأعمال وتكليفات.. ويشارك فى أحداث.. ويرى ويسمع» الكثير والكثير؛ ما يُحتم عليه أن يدوّن كل ذلك ليس «ترويجًا لحقبة بعينها»، وإنما من أجل إضاءة «الطريق من أجل المستقبل»، وهو أمر لا يمكن تحقيقه ما لم يتم سرد الماضى - فى تصوره - «بنجاحاته وسقطاته».
الكلمة المفتاحية الثانية: عن خدمة غير القادرين؛ تعكس الأخلاق الرفيعة للرجل، وقد وردت فى تفاصيل القصة التى رواها فى الفصول المبكرة للمذكرات المتعلقة برحلة العمل البحرية التى انطلقت مطلع الخمسينيات لزيارة بعض موانئ البحر الأبيض المتوسط التى دارت فيها معارك الحرب العالمية الثانية، حيث عانى معظم المشاركين من دوار البحر وكان صاحب المذكرات من «القلائل الذين لم يصابوا بدوار البحر».. وهنا يقول محمد فايق: «مكننى ذلك من أكون فى خدمة من هم غير قادرين».. وأشهد أنها فضيلة أصيلة/ راسخة تميز شخصية الأستاذ محمد فايق، أدركتها منذ أن التقيته لأول عندما أصبحت عضوًا فى مجلس حقوق الإنسان فى أول تشكيل له عقب حراك 25 يناير 2011، وكان الأستاذ فايق نائبًا لرئيس المجلس فى هذا التشكيل يمارسها بكل تلقائية. أما الكلمة المفتاحية الثالثة: المشاعر، فهى أكثر ما يجعل الإنسان يشعر بإنسانيته؛ عبارة رددها تعليقًا على أحد زملاء المعتقل الذى قضى فيه «فايق» عشر سنوات - ظلمًا - فيما عُرف بقضية مراكز القوى (مايو 1971). فبينما قال زميل «فايق»: «إننى لم أعد أفرح أبدًا حتى لو توافرت أسباب الفرح كلها بشكل كبير». ويعلق فايق فى مذكراته بقوله: «هذه الحكاية أفزعتنى كثيرًا. فبئس حياة بلا مشاعر وبلا فرح... فالمشاعر هى أكثر ما يجعل الإنسان يشعر بإنسانيته».. إذن، ويقينًا، الانشغال بالمستقبل، والخدمة العامة، والشغف الإنسانى؛ مفاتيح شخصية الأستاذ «محمد فايق» التى مكنته من أن ينتقل من محطة إلى محطة فى حياته بنجاح، بما فيها محطة المعتقل التى جعلها فترة تعلُّم من السجناء وكتابة المرجع المعتبر الذى صدر لاحقًا «عبدالناصر والثورة الإفريقية»، كذلك التحصيل الثقافى وإلقاء المحاضرات التكوينية على زملاء المعتقل.. ما مكنه من أن يبدأ من جديد كناشر وناشط حقوقى، والأهم كيف استثمرت دولة مبارك خبرته وعلاقاته للقيام بمهام وطنية وعضو بارز فى كثير من المحافل الحقوقية الدولية.
(3)
«مسيرة تحرر مصر»
مسيرة تحرر؛ مذكرات محمد فايق؛ أكثر من سيرة ذاتية.. إنها وقائع وأحداث واستراتيجيات وأفعال وفعاليات وقرارات وانتصارات وإخفاقات ومعارك ومهام عن مصر: الثورة، والدولة، والمجتمع الحقوقى المصرى والعربى والدولى، والإعلام والثقافة، وعن إفريقيا والدول الحالمة بالاستقلال والازدهار فى زمن ثورات تحرير خمسينيات وستينيات القرن العشرين.. ونذكر فقط أهم عناوين المسيرة التحررية: مقاومة العدوان الثلاثى، تأميم القناة، السودان وحق تقرير المصير، مصر والتحرر الإفريقى.. نواصل.