إجازة رسمية للقطاع الخاص من 15 إلى 20 يونيو بمناسبة عيد الأضحى    ختام امتحانات نهاية العام بجامعة طيبة التكنولوجية 2023-2024    القراءة نبض الحياة، إطلاق مسابقة معرفية لطلاب الوادي الجديد    الإسكان: رفع درجة الاستعداد لتوفير الخدمات للوافدين على العلمين الجديدة    أسعار السمك اليوم الثلاثاء 11-6-2024 في محافظة قنا    اليوم الأخير لسفر الحجاج وإغلاق المطارات: تحذيرات من التعامل القانوني الصارم للحجاج غير النظاميين    محافظ مطروح يشدد على استمرار الجهود لمراقبة الأسواق وضبط الأسعار    رئيس الوزراء يشارك في الملتقى الدولي الأول لبنك التنمية الجديد بمصر    زيلينسكي: استعدنا السيطرة على البحر الأسود وأحرزنا تقدما على الأرض    الهجرة الدولية: غرق 39 مهاجرا وفقدان 150 قبالة سواحل اليمن    الكرملين: نعتزم تطوير العلاقات مع إيران    رونالدو يقود تشكيل البرتعال المتوقع أمام أيرلندا في البروفة الأخيرة قبل يورو 2024    كولر يدرس استبعاد ثنائى الأهلي من المشاركة أمام فاركو    طارق السعيد: المنتخب قدم أداءً مميزًا أمام غينيا بيساو    «قدوة وذات مكانة كبيرة».. إنييستا يتغنى ب محمد صلاح بهذه الكلمات    "كنت تسأل صلاح الأول".. ميدو يوجه رسالة نارية لحسام حسن: "لازم يبقى فيه احترام"    مدرب هولندا يهاجم برشلونة بعد استبعاد دي يونج من اليورو    مفاجأة للموظفين بشأن إجازة عيد الأضحى 2024.. مجلس الوزراء يوضح    مراجعة الثانوية العامة.. 46 سؤالًا لن يخرج عنها امتحان الإحصاء    إيلون ماسك: سأحظر أجهزة آيفون في شركاتي    ضبط 7 مليون جنية حصيلة الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    موعد ومكان جنازة الموسيقار الراحل أمير جادو    «العقرب» لا يعرف كلمة آسف.. رجال هذه الأبراج الفلكية يرفضون الاعتذار    ما هو يوم الحج الأكبر ولماذا سمي بهذا الاسم؟.. الإفتاء تُجيب    رئيس هيئة الدواء: تسعير الأدوية فى مصر يتم بشكل عادل    «تيودور بلهارس» للأبحاث: تأسيس شركة تكنولوجية لتطبيق المُخرجات البحثية    وحدة جديدة للعناية المركزة للأطفال في بني سويف    محاولات للبحث عن الخلود في "شجرة الحياة" لقومية الأقصر    تكريم مبدعين من مصر والوطن العربي بافتتاح المعرض العام للفنون التشكيلية    غدا .. عرض الحلقة الأخيرة من مسلسل " دواعي السفر "    وزير النقل يوجه تعليمات لطوائف التشغيل بالمنطقة الجنوبية للسكك الحديدية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 11-6-2024في المنيا    سحب عينات من القمح والدقيق بمطاحن الوادي الجديد للتأكد من صلاحيتها ومطابقة المواصفات    تراجع كبير في أسعار السيارات والحديد والهواتف المحمولة في السوق المصري    توقعات تنسيق مدارس الثانوية العامة بالقاهرة 2024-2025    محافظ القليوبية يستقبل وفدا كنسيا لتقديم التهنئة بعيد الأضحى المبارك    ارتفاع مؤشرات البورصة المصرية في بداية تعاملات اليوم الثلاثاء    محمد أبو هاشم: العشر الأوائل من ذى الحجة أقسم الله بها في سورة الفجر (فيديو)    أدعية مستحبة فى اليوم الخامس من ذى الحجة    «الضرائب»: نتبنى فكرا جديدا لتكثيف التواصل مع مجتمع الأعمال الخارجي    بن غفير: صباح صعب مع الإعلان عن مقتل 4 من أبنائنا برفح    استخدام الأقمار الصناعية.. وزير الري يتابع إجراءات تطوير منظومة توزيع المياه في مصر    "الصحة" تنظم ورشة عمل على تطبيق نظام الترصد للأمراض المعدية بالمستشفيات الجامعية    مكون يمنع اسمرار اللحم ويحافظ على لونها ورديا عند التخزين.. تستخدمه محلات الجزارة    طائرته اختفت كأنها سراب.. من هو نائب رئيس مالاوي؟    وصول آخر أفواج حجاج الجمعيات الأهلية إلى مكة المكرمة    وفاة المؤلف الموسيقي أمير جادو بعد معاناة مع المرض    عشق ومخدرات وفيديوهات لعلاقة كاملة.. حكاية الزوجة الثانية في حياة سفاح التجمع    عصام السيد: وزير الثقافة في عهد الإخوان لم يكن يعرفه أحد    فلسطين.. إضراب شامل في محافظة رام الله والبيرة حدادا على أرواح الشهداء    8 نصائح من «الإفتاء» لأداء طواف الوداع والإحرام بشكل صحيح    موعد ومكان تشييع جنازة وعزاء الفنانة مها عطية    ذاكرة الكتب.. كيف تخطت مصر النكسة وبدأت حرب استنزاف محت آثار الهزيمة سريعًا؟    انتشال جثامين 8 شهداء من تحت أنقاض منزل بحي الدرج وسط غزة    كواليس جديدة بشأن أزمة رمضان صبحي ومدة إيقافه المتوقعة    صلاح لحسام حسن: شيلنا من دماغك.. محدش جه جنبك    عيد الأضحى في تونس..عادات وتقاليد    هل تحلف اليمين اليوم؟ الديهي يكشف موعد إعلان الحكومة الجديدة (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخنا المطوىّ (1 - 7) .. لفائف البردى العربية
نشر في المصري اليوم يوم 28 - 07 - 2010

تردَّدتُ فى اختيار موضوع «السُّباعية» الجديدة، بين ثلاثة اختيارات تجول برأسى منذ أيام. الأول منها أن أكتب السباعية عن «أحوال المحبة» لأعرض من خلال المقالات لمفهوم الحب والمحبة فى تراثنا، الصوفى منه خصوصاً، ليستروح الناس فى غمرة الهوس الذى نعيشه حالياً نسمات روحية تؤكد أن الإسلام، كثقافة، يحفل بمحبة لا تقل عن مثيلتها فى أى دين، بل تزيد عن «المحبات» المزعومة، فى أنها صارت عند صوفية المسلمين وكثير من أعلامهم، سلوكاً فعلياً له تطبيقات حياتية، ولم تكن محض أقاويل وتهاويل لفظية، وعبارات محكية، ليس لها فى الواقع الفعلى أى دليل.
وكان الاختيار الثانى، المطروح، أن تكون السباعية بعنوان «باب الألقاب» حيث أطرح من خلال المقالات مدخلاً أراه مهماً لفهم تراثنا وطبيعة ثقافتنا الحالية، هو مدخل «أو بوابة» الألقاب. فهناك ألقاب تدل على عوالم رحيبة ومعارف كثيرة، من المهم أن نحيط بها. كأن تكون المقالة الأولى عن «الحشَّاشين» وهو اللقب الذى ألصقه بعض المؤرِّخين بجماعة الإسماعيلية «الشيعة» الذين عاشوا قديماً بقلعة «أَلمَوت» وكانوا يغتالون معارضيهم. وتكون بقية المقالات عن ألقاب: المملوك، الساسانى، النبطى.. وغيرها.
وكان عنوان هذه السباعية، هو اختيارى الثالث: تاريخنا المطوىّ.. وقد ربح عندى هذا الاختيار لأسباب، أهمها أن الكثيرين منا يعتقدون «وبالأحرى: يتوهمون» أن الماضى والتاريخ والتراث هى أمور بعيدة عن الواقع الفعلى الذى نعيشه هذه الأيام. وهم يظنون أن الانشغال بمشكلاتنا الحالية أهم بكثير من معرفة ما كان يوجد سابقاً، ويعتقدون أن الحاضر يختلف عن الماضى!
لكن هذه كلها توهُّمات، نتجت عن نظام التعليم الذى خاب مؤخراً فى بلادنا «العربية» واستبعد من التاريخ جوهره الحقيقى. وهو أنه مقدمة لابد منها لفهم الحاضر، وعنصر فاعل فى واقعنا المعيش، لا يمكن من دونه التعامل مع مفردات الواقع ومشكلاته، تعاملاً رشيداً. وإلا، فكيف نفهم سلوك الجماعات الإرهابية المعاصرة، من دون التعرف إلى جذور هذه الظاهرة فى تراث الخوارج ومتعصِّبى الحنابلة «وهم بالمناسبة قليلون جداً فى تراثنا» والطريقة التى كان المتأسلمون يستخرجون بها الفتاوى. وكيف نفهم «الغاغة» الحالية الزاعمة أن أقباط مصر مضطهدون! كأن المسلمين المصريين غير مضطهدين. وكيف نفهم ما يجرى اليوم من أزمة مياه النيل، لولا اهتمامنا بتاريخ العلاقة بين مصر ودول حوض النيل ومنابعه، ناهيك عن تراث هذه الدول والجماعات التى لا نكاد نعرف عنها شيئاً.
■ ■ ■
من هنا أقول، إن تاريخنا لا ينفصل عن الواقع، والتراث ممتد فى الحاضر، والمشكلات الكبرى لن تحل بطريقة «يوم بيوم» التى يلجأ إليها الجهلةُ، ظناً منهم أنها أسهل وأسرع وأبسط.. وتكون النتيجة أن تتراكم فى حاضرنا المشكلات، ويزداد جهلنا بنا.
وموضوع هذه السباعية سندخل إليه من باب «البرديات العربية» وهى اللفائف التى كانت منسية، ومطوية، حتى بدأ الأوروبيون الاهتمام بها فى النصف الأول من القرن العشرين، وجمعوها من أنحاء مصر وخرجوا بها إلى المكتبات الكبرى فى أوروبا، وظلت هناك إلى اليوم.. ويقال إن متحف فيينا، وحده، يقتنى حالياً أكثر من خمسين ألف بردية (مصرية) مكتوبة باللغة العربية! وفى دار الكتب عددٌ هائل من البرديات، لا يعلم عددها الحقيقى إلا الله.. ولكن ما هو البردى، أصلاً؟
منذ اكتشف الإنسانُ سرَّ الكتابة، وعرف أهمية الأبجدية؛ صار يدوِّن ما يريد أن يتركه للأجيال القادمة فى (أوعية) تضم النصوص. وكان أول وعاءٍ هو الحجر، وقد نقش الإنسان عليه كل ما أراد أن يبلِّغه للأجيال التالية. وفى حضارات العراق القديمة اكتشفوا طريقة بديعة هى المسماة «الكتابة المسمارية» وهى نقوش على ألواحٍ من الطين، الطرىّ، تجفَّف حتى تصير كالصفحات التى تبرز منها الحروف كرؤوس المسامير. وفى مصر القديمة، ابتكر العباقرة القدماء طريقة أبدع، هى شقُّ أعواد نبات البردى، اللزج بطبعه، ووضعها فى شرائح طولية متجاورة، عليها شرائح عرضية، ثم تلصق متخالفةً. فإذا جفَّ الاثنان، صارا كمثل الورقة التى نعرفها اليوم، وصارت وعاءً جيداً للكتاب.
وقبل اكتشاف العرب لصناعة الورق، كان البردى هو المستخدم فى الكتابة بأنحاء مصر وما حولها. وكانت الجلود تستخدم فى البلاد المجاورة التى لا ينبت فيه البردى، فإن كانت قطع الجلود مكتوباً فيها على حالها الطبيعى «بعد الدباغة» فهى الرقاع، المفرد رُقعة. وإن كانت الجلود معدة بشكل جيد، ومرقَّقة بعد دباغتها لتكون أرقَّ وأقل سمكاً، فهى الرُّقوق، المفرد رَقّ.
■ ■ ■
وقد لفت نظرى إلى أهمية النظر فى تاريخنا المطوى فى لفائف البردى العربية، ذلك الكتاب الذى نشره د. جاسر أبوصفية قبل سنوات قليلة، بعنوان «برديات قُرة بن شريك العبسى» وقبله بقليل كان الصديق د. سعيد مغاورى يكتب كثيراً عن أهمية البرديات العربية، ولا يكف عن الشكوى من إهمالنا لها. وقبله بكثير كان المستشرقون الأوروبيون من أمثال جروهمان «وغيره كثيرون» يقدمون نصوصاً مذهلة من تراثنا المحفوظ فى البرديات العربية.
وبطبيعة الحال، فإن أوراق البردى التى ظلت وعاءً للكتابة لمدة ألفىْ سنة، أو أكثر، كانت اللغات المكتوب بها تتغير بحسب المراحل التاريخية. ففى دول مصر القديمة المسماة اعتباطاً «الفرعونية» كانت الكتابة على البردى باللغة المصرية المقدسة المسمَّاة اعتباطاً أيضاً «الهيروغليفية» وفى مرحلة تالية، كانت الكتابة على البردى باللغة العامية المصرية المسماة اعتباطاً «القبطية» وما هى إلا مزيج من العامية المصرية «الديموطيقية» واليونانية القديمة. وباليونانية كانوا يكتبون على البردى، حتى حكم العرب مصر باسم الإسلام.. بعدما كانوا يعيشون فى مصر فى جماعات كبيرة جداً، قبل الفتح «الغزو» الذى قام به الفاتح البديع: عمرو بن العاص، فصاروا من بعد ذلك يكتبون على أوراق البردى، باللغة العربية التى صارت «اللغة الأم» لمصر والمصريين، منذ أكثر من ألف عام.
■ ■ ■
وأعتقد من جانبى، أن أول نصٍّ مهم كتب على البردى باللغة العربية، وتم توزيعه على نطاق واسع فى مصر، ليعلم به الجميع، هو «عهد الأمان» الذى أطلقه عمرو بن العاص للأنبا بنيامين، فى السنة الأولى من تاريخ مصر العربية «=18 هجرية = 642 ميلادية = 358 للشهداء = 634 القبطية الإثيوبية = 4402 لآدم التوراتى».. ولهذا النص قصة، سنورد ملخصها قبل أن نورد النص الكامل لعهد الأمان:
قبل الغزو «الفتح» الإسلامى لمصر، كان المسيحيون الملكانيون «الروم الأرثوذكس» يحكمون البلاد، ويسومون المسيحيين اليعاقبة «الأقباط!» سوءَ العذاب. وفى خريف سنة 631 ميلادية جاء لحكم مصر الأسقف البشع «قيرس» الذى سماه العرب أو المصريون «المقوقس» لأنه من بلدة فاسيس، بالقوقاس «القوقاز» وقد أراد هذا الرجل الفظيع الذى كان يستر قبحه بالملابس الكنسية الموشاة، ويخفى شناعته بصولجان الأسقفية وبالصليب الذهبى؛ أن يصير «المذهب» المسيحى فى مصر مذهباً واحداً. ولم يعرف أن «المذهب» عند العامة أهم من الديانة نفسها.
وكان رئيس المسيحيين المصريين اليعاقبة «الغلابة» آنذاك، هو الأسقف بنيامين. وهو رجلٌ طيب، مسكين، متواضع. وكان رئيس المسيحيين المصريين الملكانيين «الأغنياء» هو الأسقف صفرونيوس. وهو رجل طيب أيضاً، مسكين، ومتواضع.. وجاءت الأخبار تقول إن قيرس «المقوقس» جاء ليضغط على اليعاقبة والملكانيين، ويجعلهم على مذهب مسيحى بائس، مخترع ومفبرك، يسمى المونوثيلية، أى مذهب الإرادة الإلهية الواحدة، بصرف النظر عما إذا كان المسيح عليه السلام هو ابن الله أو ابن الإنسان.
كان الأسقفان فى مأزق خطير، لأن قيرس «المقوقس» معروف عنه البطش والعنف. وكانت دماء اليهود تملأ العالم، بعد المقتلة الهائلة التى قام بها الروم وأساقفة الشام وإيلياء «أورشليم= القدس» عقاباً لهم على ما زعمه البعض من مساعدة اليهود للروم.. كانت الأجواء ملتهبة، ومنذرة بالمريع من أمور الشر المستطير. فماذا فعل الأسقفان؟
هرب الأسقف بنيامين، واختفى بوادى النطرون أو بالصعيد.. وذهب الأسقف صفرونيوس إلى قيرس «المقوقس» ليرجوه أن يصرف نظره عن تعميم المذهب الجديد. رفض المقوقس، فارتمى صفرونيوس عند أقدامه وبكى بالدموع والدم «كما يقول المؤرخ القديم، ساويرس بن المقفع» ولكن المقوقس رفض.
ورفض المصريون المسيحيون، الملكانيون واليعاقبة، المذهب الجديد.. فقام المقوقس بنشر الرعب فى أنحاء البلاد، وقتل عشرات الآلاف من الناس، حتى جاء عمرو بن العاص. وكان الأسقف بنيامين، لا يزال هارباً مختفياً، رغم مرور أكثر من عشرة أعوام، عانى فيها أهل مصر من ويلات المقوقس. فلما استقر الأمر بيد المسلمين، أراد عمرو بن العاص أن تستقر أحوال الرعية، فأقرَّ الملكانيين على كنائسهم وأديرتهم، ومنها أهم وأقدم كنيسة ودير فى مصر إلى اليوم «دير سانت كاترين، بسيناء» وأقرَّ اليعاقبة الذين سماهم العرب والمسلمون بعد ذلك بالأقباط، على كنائسهم وأديرتهم. وقالوا لعمرو بن العاص، إن رئيس اليعاقبة هاربٌ منذ سنين، ومختفٍ، فكتب ابن العاص الوثيقة التالية، وأمر أن تُكتب وتعمَّم على جميع أنحاء البلاد، حتى عاد بعدها بنيامين الأسقف، وصارت له بطريركية خاصة به.. وها هى «عهود الأمان» التى انتشرت نسخ كثيرة منها آنذاك، وتوزَّعت بردياتها التى حفظت لنا نصها، وتناقلها المؤرخون المسيحيون والمسلمون من أمثال ساويرس بن المقفع، والطبرى، وابن كثير، والمقريزى، وقد جاء فيها:
هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان، على أنفسهم وملتهم وكنائسهم وصُلُبهم وبرهم وبحرهم. لا يدخل عليهم شىء من ذلك، ولا يُنتقص، ولا يُساكنهم «النوب».
وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا على هذا الصلح.. فإن أبى أحد منهم أن يجيب رُفع عنهم من الجزاء بقدرهم. وذمتنا ممن أبى بريئة.. وأينما كان بطريق «بطرك» القبط بنيامين، نعدُه الحماية، والأمان، وعهد الله. فليأت البطريق إلى هاهنا، فى أمان واطمئنان، لِيَلِى «يتولى» أمر ديانته، ويرعى أهل ملته.
■ ■ ■
وتعليقاً على هذا النص، يقول القس الباحث د. ألفرد بتلر فى كتابه الشهير «فتح العرب لمصر» الذى ترجمه لنا محمد فريد أبوحديد: لم يلبث عهد الأمان أن بلغ بنيامين، فعاد من مخبئه ودخل إلى الإسكندرية دخول الظافر، وفرح الناس برجوعه بعد أن بلغت مدة غيابه ثلاثة عشر عاماً، منذ هجر «البطرخانة» وهرب إلى الصحراء الغربية عند قدوم قيرس. ومن هذه المدة عشر سنين وقع فيها الاضطهاد الأكبر للأقباط على يد قيرس «المقوقس» والثلاث الباقية كانت فى ظل حكم المسلمين.
وكان بنيامين فى كل هذه المدة يتنقل خفية بين أصحاب مذهبه، أو يقيم مخبأً فى أديرة الصحراء. وإنه لمن الجدير بالالتفات، أن هذا البطرك الطريد لم يحمله على الخروج من اختفائه.. إلا عهد أمان لا شرط فيه «انتهى كلام ألفريد بتلر، وانتهت المقالة الأولى من هذه السباعية!».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.