واشنطن وموسكو تواصلان سباق «التوغل العسكري» في إفريقيا (تقرير)

وسط حالة من التنافس الدولي المحموم في إفريقيا، تواصل واشنطن وموسكو سباق التوغل وبسط نفوذهما العسكري في القارة الغنية بالموارد؛ حيث حلت قاعدة عسكرية روسية محل قاعدة فرنسية سابقة في جمهورية أفريقيا الوسطى، رفع عليها العلم الروسي، اليوم، وسط ترحيب رسمي.
موقع استراتيجي
ويأتي ذلك بعدما شهدت الدولة ذات الموقع الاستراتيجي في منتصف المسافة بين شمال إفريقيا وجنوبها، خروج آخر جندي فرنسي، نهاية ديسمبر الماضي، ضمن مهمة لوجيستية مدفوعة بإرادة شعبية.
أعلن سفير جمهورية أفريقيا الوسطى لدى روسيا، ليون دودونو بوناغازا، اليوم الإثنين، أن بلاده مهتمة بإنشاء قاعدة عسكرية روسية على أراضيها.
وقال السفير«بوناغازا»، في مؤتمر صحفي، اليوم، أن: «إفريقيا الوسطى كانت أولى البلدان الإفريقة التي قاومت الوجود الفرنسي، لكنها في الوقت الراهن تحتاج إلى قاعدة عسكرية روسية يمكن أن يوجد فيها ما بين خمسة إلى عشرة آلاف جندي».
ووصف السفير رفع العلم الروسي في القاعدة الفرنسية السابقة في جمهورية أفريقيا الوسطى بأنه علامة على أن البلاد «طردت الفرنسيين أخيراُ» وأن «روسيا الآن سوف تكون جنبًا إلى جنب مع جمهورية أفريقيا الوسطى».
واعتبر السفير بوناغازا أن وجود مدربين عسكريين روس في البلاد عزز القدرة القتالية للجيش، وذلك بسبب استمرار التهديدات الأمنية.
موسكو واشنطن تتوغلان في القارة
ويأتي ذلك في وقت تتوغل فيه كل من موسكو وواشنطن عسكريا في القارة؛ فبالتزامن مع التوترات القائمة بين السلطات في أفريقيا وفرنسا، تحركت الولايات المتحدة من جانب وروسيا من جانب آخر، عبر إبرام اتفاقات عسكرية وأمنية واقتصادية متعددة، مع مختلف الدول الأفريقية.
روسيا في عمق القارة
تسعى السياسية الخارجية الروسية إلى تعزيز حضورها على الساحة الأفريقية وذلك ضمن أهدافها الاستراتيجية لعام 2023، وهذا التوجه المتزايد يأتي في إطار مزاحمة النفوذين الأمريكي، أو ما يمكن أن نطلق عليه المنافسة الاستراتيجية خارج المجال.
وصرح نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوجدانوف، في يناير الماضي، بأن السلطات الروسية تعمل على افتتاح بعثات دبلوماسية في العديد من دول القارة الأفريقية، ريثما يتم الاتفاق على الجوانب القانونية والبروتوكولية.
ويرى مراقبون أن تفجر الصراع في أوكرانيا ساهم في منح التواجد الروسي في أفريقيا المزيد من الأهمية، كأداة لنقل صراعها مع القوى الغربية إلى خارج الحدود.
تعتمد روسيا في دعم نفوذها في القارة على تقديم نموذج جديد للتأثير، مستعينة بصفقات الأسلحة والمرتزقة، الشراكات طويلة الأمد لتحقيق مكاسبها في القارة.
من جهة أخرى تستخدم موسكو قوات فاجنر كأداة للتدخل المباشر في القارة، 'ذ نشطت فاجنر في 7 بلدان أفريقية حتى عام 2022، هي: السودان، مالي، أفريقيا الوسطى، غينيا، موزمبيق، وليبيا، ومدغشقر.
ويتوقع خبراء اتساع مدى انتشار «فاجنر» في بلدان أخرى مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، أنجولا، سيراليون، وأثيوبيا.
ومؤخرا توغلت روسيا في عمق القارة الإفريقية؛ إذ تتنشط روسيا من في غينيا بعد عملية الانقلاب التي أطاحت بالرئيس ألفا كوندي، في سبتمبر 2021 داعمة الجنرال مامادي دومبويا، الذي أطاح بالقوات الفرنسية، إذ تدعم الزعيم العسكري مقابل صفقة كبيرة تسمح لها بالاستفادة من حق التعدين في جميع أنحاء البلاد.
ففي مالي، عززت موسكو علاقتها مع المجلس العسكري الحاكم، الذي أتاح لها فرصة كبيرة لتكون لاعبًا محوريًا في منطقة الساحل منذ عام 2020؛ إذ يتبادل الطرفان المصالح.
وكذلك تواجدت في بوركينافاسو، في أعقاب الانقلاب الذي قام به النقيب إبراهيم تراوري في سبتمبر 2022 .
وفي جنوب إفريقيا التي تمدها بخبرات عسكرية وأمنية، خاصة وأن التعاون بين البلدين يشهد تطورات سريعة منذ انضمام جنوب أفريقيا لمجموعة بريكس.
قواعد امريكية في 33 دولة إفريقية
وفي ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، يثير التوغل العسكري الروسي في إفريقيا، مخاوف الولايات المتحدة، في ظل حالة منالتنافس الأمريكي الصيني الروسي الامحموم على الموارد الإفريقية .
وفي وقت سابق، تحدثت وسائل إعلام أميركية عن الطرق التي تتحرك فيها إدارة بايدن بشكل أكثر حزمًا في أفريقيا، وكيف تستخدم تكتيكات جديدة لإحباط المكاسب الروسية في القارة.
وزادت واشنطن من تواجدها العسكري في إفريقيا لتأتي القارة الإفريقية في المرتبة الثانية بعد قوات الولايات المتحدة التي نشرتها في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن لمحاربة الإرهاب؛ إذ نشرت الولايات المتحدة قوات عسكرية في ما لا يقل عن 33 دولة إفريقية من بين 54 دولة في القارة، بنسبة أكثر من 60٪، فهناك ما يقرب من 1700 من قوات العمليات الخاصة في 33 دولة إفريقية لدعم سبع عمليات كبرى في القارة، كما أن الوجود العسكري الأمريكي يشمل إجمالا نحو ألفي جندي منهم 300 جندي وطائرة مراقبة في أوغندا و120 جنديا في نيجيريا و20 في الصومال، لتدريب وتوجيه القوات المسلحة في هذه الدول، إضافة إلى 100 جندي في النيجر علاوة على الفوج العسكري الأمريكي لتحقيق الاستقرار في جنوب السودان.
وذلك إضافة لوجود 12 قاعدة عسكرية أمريكية «سرّية» في إفريقيا، أبرزها في واجادوجو عاصمة بوركينافاسو، والتي تستخدم كنقطة انطلاق لشمال مالي حيث تتمركز المجموعات المسلحة مثل تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وجماعة أنصار الدين والحركة الوطنية لتحرير آزواد.
ويأتي ذلك في ظل حالة من التنافس الدولي المحموم في إفلايقيا، وبينما في تعتمد موسكو واشنطن على تعزيز تواجدهما العسكري في القارة تستند بكين إلى القوة الناعمة الاقتصادية والدبلوماسية.
وتسعى القوى الثلاثة الكبرى ومعهم أطرافا أخرى بينها تركيا وإسرائيل للاستفادة من مخزون هائل من الموارد الطبيعية الاستراتيجية في القارة لا سيما في مناطق الصراع.