نبض إفريقيا.. ماكرون يٌصحح العلاقات مع عواصم القارة و«تينوبو » رئيسا لنيجيريا

بدأ الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، اليوم جولة إلى 4 بلدان إفريقية لتصحيح مسار العلاقات ومواجهة التحديات التي تواجه نفوذ باريس بالقارة في ظل تنامى المشاعر المعادية لها في مستعمراتها القديمة، في وقت فاز مرشح حزب «مؤتمر جميع التقدميين» الحاكم في نيجيريا، بولا أحمد تينوبو، بالسباق الرئاسى ليخلف محمد بخارى رئيسا للبلاد، وسط مخاوف من استقطاب دينى وعرقى في ظل الاتهامات التي وجهها منافساه الرئيسيان عتيق أبوبكر، وبيتر أوبى، اللذان رفعا دعوى تزوير في المحكمة الفيدرالية العليا في كونا.
في نيجيريا، أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات/ مساء أمس بالتوقيت المحلي لأبوجا، عن فوز مرشح حزب «مؤتمر جميع التقدميين» الحاكم، بولا أحمد تينوبو، بالسباق الرئاسى ليخلف محمد بخارى لرئاسة البلاد، بعدما حصل على 8.8 ملايين صوت متقدما على منافسيه الرئيسيين عتيق أبوبكر، مرشح حزب الشعب الديمقراطى الذي حصل على 6.9 ملايين صوت وبيتر أوبى، مرشح حزب العمال الذي حصد 6.1 ملايين صوت، في جولة وصفت بالأصعب في تاريخ البلاد منذ استقلالها، فيما سادت حالة من التشاؤم وسط مخاوف من استقطاب دينى وعرقى، بين الشمال ذى الأغلبية المسلمة، والجنوب ذى الأكثرية المسيحية في ظل الاتهامات التي وجهها منافساه الرئيسيان عتيق أبوبكر، وبيتر أوبى بالتلاعب بالنتائج.
لكن «تينوبو» دعا في خطاب ألقاه في العاصمة أبوجا، فور فوزه، منافسيه «أبوبكر» و«أوبى»، لتشكيل حكومة وحدة وطنية «تضم الجميع» وذلك للتغلب على مخاوف الاستقطاب الدينى والعرقى.
في غضون ذلك، هنأ الرئيس النيجيرى السابق، محمد بخارى، تينوبو متعهدا بالعمل معه ومع فريقه لضمان «تسليم منظم للسلطة».
ويخلف بينوبو الرئيس المنتهية ولايته محمد بخاري البالغ 80 عاما الذي تولى الرئاسة لولايتين متتاليتين وهو الحد الأقصى المسموح به بموجب الدستور.
كان تينوبو حاكمًا سابقًا لولاية لاجوس بين عامي 1999 و2007 هو عضو بارز في الحزب الحاكم «مؤتمر جميع التقدميين» (All Progressives Congress) كما أن ترشحه جاء مدعوما من الرئيس المنتهي الولاية، محمد بخاري. وهو مسلم من جنوب غرب نيجيريا، موطن إثنية يوروبا.
ويلقب الرئيس الجدي، البالغ من العمر 70 عاما ب«العراب» بسبب نفوذه السياسي الواسع، وقد حقق بفوزه طموحا رافقه طوال مسيرته ولطالما ردد خلال حملته الانتخابية «أتى دوري».
وتخللت مسيرته السياسية اتهامات عدة بالفساد لكن لم يصدر أي حكم قضائي عليه ولطالما نفى أن يكون ارتكب أي مخالفة.
ينتظر الرئيس الجديد آفاق وتحديات؛ إذ تلقب نيجيريا ب «عملاق أفريقيا» وتعدّ أكبر اقتصاد في القارة. ويقدّر سكانها بما لا يقل عن 216 مليون شخص، منهم نحو 151 مليون شاب. ويتوقع تضاعف عدد سكانها إلى 400 مليون شخص في السنوات ال 25 المقبلة. ومع ذلك، كان إهدار نيجيريا إمكاناتها وعدم استغلالها لمكانتها الاستراتيجية على المستويين الأفريقي والدولي أكسبها لدى البعض وصف «العملاق النائم»، خاصة أن أبناءها يتصدرون مغامرات ابتكارية ومشاريع ريادة أعمال كبيرة في دول مختلفة خارج أراضيهم، بعد أن تلاشى الأمل الذي رافق مجيء الرئيس بخاري إلى السلطة في عام 2015.
وباتفاق معظم النيجيريين، كان الاقتصاد النيجيري وتدهور الوضع المعيشي من الجوانب الرئيسية التي عانت بشدة في السنوات الأخيرة؛ إذ بالرغم من أن الاقتصاد النيجيري لا يزال الأكبر في أفريقيا، فإنه لم يؤثر في حياة المواطنين، كما أنه تعثّر في السنوات الثماني الماضية، وانخفض دخل الفرد مع عيش 90 مليون شخص بأقل من 1.90 دولار في اليوم، كما انخفضت قيمة العملة النيجيرية (نايرا Naira)، فيما ارتفع التضخم وتراجع إنتاج النفط إلى أدنى مستواه منذ 40 عامًا.
وهناك تحدٍّ آخر يتمثل في تقلص الاستثمار الأجنبي وتقهقر قاعدة التصنيع، فيما لا تزال صادرات البترول تشكّل 80% من إيرادات الحكومة. وكشفت تحقيقات السنتين الماضيتين أن النسبة الكبيرة من نفط البلاد تُسرَق من قبل مجرمين وجهات حكومية فاسدة، وهو ما أدى إلى انخفاض الإنتاج الرسمي إلى أقل من الحصة المخصصة لنيجيريا من قبل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك). ويؤشر على هذا أن الشباب بمعظمهم يرون أن البلاد تحت الإدارة الحالية أخذت منعطفًا خاطئًا، وأنه لا يمكن إعادة ضبط الأمور إلا من خلال الانتخابات. وعزّز هذا الشعور ما عانوه في السنوات الثلاث الماضية التي شحت فيها فرص العمل. وكانت النتيجة أن أصبح ما لا يقل عن ثلث السكان عاطلين من العمل فيما اضطر عشرات الملايين إلى الانخراط في وظائف محفوفة بالمخاطر في القطاع غير الرسمي.
ماكرون يصحح مسار العلاقات
في سياق آخر، حضر الرئيس الفرنسى، إيمانويل، أمس قمة «الغابة الواحدة» البيئية في الجابون، التي تستهدف الحفاظ على غابات حوض الكونغو المهددة جراء التغيرات المناخية.
ويسعى الرئيس الفرنسى لصياغة طور جديد للعلاقات، إذ تعهد بتخفيض الوجود العسكرى في القارة بعدما واجهت بلاده انتقادات لاذعة، ووعد بإعادة القطع الأثرية التاريخية الإفريقية إلى أوطانها.
وينتقل ماكرون من الجابون إلى أنجولا لإطلاق شراكة إنتاج زراعى ثم برازافيل، لاعتماد استراتيجية لتعميق العلاقات في مجالات التعليم والصحة والبحث العلمى والثقافة والدفاع، وذلك في إطار سعيه لتصحيح مسار العلاقات مع عواصم القارة، وسط تنامى القلق في باريس بشأن النفوذ الروسى والصينى المتزايد في البلدان الأفريقية الناطقة بالفرنسية، حسبما أفادت به «فرانس برس».
ويسعى ماكرون لاستعادة النفوذ المتراجع لبلاده في إفريقيا التي بباتت تلفظ الاستعمار الجديد، لاسيما بعد طرد آخر جندي فرنسي من من مالى وجمهورية إفريقيا الوسطى، وعلى الرغم من تراجع النفوذ العسكري الفرنسي في منطقة الساحل إلا أن باريس لا تزال تسجل حضورًا عسكريًا في ستة بلدان هي النيجر، وتشاد، والسنغال، وساحل العاج، والغابون وجيبوتي. وكان من المنتظر أن يكشف ماكرون عن تصوره لتموضع قواته اللاحق ومهامها الجديدة.
وثمة هدف إضافي لجولته المقبلة، وهو دفع الأفارقة إلى الانضمام إلى المعسكر الغربي في إدانة الحرب الروسية على أوكرانيا.
والحال، أن ثلاثاً من الدول التي سيزورها (الغابون والكونغو وأنغولا) امتنعت عن التصويت لصالح القرار الذي صوتت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي يطلب من روسيا سحب قواتها من أوكرانيا.
ويصح تسمية الأسبوع الحالي بأنه «أسبوع أفريقيا» بالنسبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وفيه مجموعة محطات رئيسية، أولها الخطاب الذي ألقاه أمس في قصر الإليزيه وخصصه لرؤيته لمستقبل علاقات بلاده مع القارة السوداء التي احتضنت الكثير من المستعمرات الفرنسية حتى سبعينات القرن الماضي، وهي تعاني اليوم من صعوبات جمة، ومن منافسة متعددة الجنسيات (صينية، روسية، تركية وحتى أميركية وإسرائيلية).