عيار 21 ارتفع 115 جنيهًا.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الجمعة بالصاغة بعد قرار المركزي    كنيسة بالسويس تساهم في مشروع صكوك الأضاحي (صور)    فلسطين.. شهداء ومصابون في قصف إسرائيلي استهدف منزلًا بخان يونس جنوب قطاع غزة    تهديد إيراني جديد ل إسرائيل وأمريكا ردًا على خطة نتنياهو : «ستدفعون الثمن»    حادث واشنطن .. شريط فيديو وضع إلياس رودريجز في ورطة (تفاصيل)    يرغب في الرحيل.. الزمالك يبحث تدعيم دفاعه بسبب نجم الفريق (خاص)    لاعب الأهلي السابق: «الأحمر هيعاني من غير إمام عاشور»    ننشر أسماء ضحايا ومصابي حادث انقلاب ميكروباص المنيا    مراجعة مادة العلوم لغات للصف السادس الابتدائي 2025 الترم الثاني (فيديو)    بسبب خلافات أسرية.. التحقيق في اتهام جامع خردة بقتل زوجته بأوسيم    نموذج امتحان مادة الmath للصف الثالث الإعدادي الترم الثاني بالقاهرة    "مياه الفيوم" تنفي شائعة تسرّب الصرف الصحي.. وتؤكد: مياه الشرب آمنة 100%"    هزة أرضية جديدة تضرب جزيرة «كريت» اليونانية (بؤرة الزلازل)    شيخ الأزهر يُعزِّي المستشار عدلي منصور في وفاة شقيقه    أرقام رافينيا مع برشلونة بعد تمديد عقده حتى 2028    روسيا.. توقف الرحلات الجوية في مطاري فنوكوفو وجوكوفسكي بسبب تفعيل الدفاعات الجوية    أخبار × 24 ساعة.. حوافز استثمارية غير مسبوقة لتعزيز مناخ الأعمال فى مصر    جامعة دمنهور تشارك فى فعاليات إطلاق برنامج عمل "أفق أوروبا Horizon Europe" لعام 2025    وكيله: لامين يامال سيجدد عقده مع برشلونة    خروجه مجانية.. استمتاع أهالى الدقهلية بالويك إند على الممشى السياحى.. صور وفيديو    الضرائب تنفي الشائعات: لا نية لرفع أو فرض ضرائب جديدة.. وسياستنا ثابتة ل5 سنوات    مدفوعة الأجر.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    «الطقس× أسبوع».. درجات الحرارة «رايحة جاية» والأرصاد تحذر من الظواهر الجوية المتوقعة بالمحافظات    دينا فؤاد: شغفي بالفن أهم من الحب.. والابتعاد عن التمثيل موت بطيء    دينا فؤاد: مفيش خصوصيات بيني وبين بنتي.. بتدعمني وتفهم في الناس أكتر مني    دينا فؤاد: صحابي كانوا كتار ووقعوا مني في الأزمات.. بالمواقف مش عدد السنين    بعد الإفراج عن عمر زهران .. هالة صدقي توجه رسالة ل مرتضى منصور    بمشاركة منتخب مصر.. اللجنة المنظمة: جوائز كأس العرب ستتجاوز 36.5 مليون دولار    صراع ناري بين أبوقير للأسمدة وكهرباء الإسماعيلية على آخر بطاقات الصعود للممتاز    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    السلطات الكورية الشمالية تبدأ تحقيقًا في حادث أثناء إطلاق سفينة حربية جديدة    سعر التفاح والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 23 مايو 2025    تعليم القاهرة يحصد المراكز الأولى في العروض الرياضية على مستوى الجمهورية    وجه لها 16 طعنة وهي ونايمة، قرار من النيابة ضد طالب بالصف الأول الإعدادي حاول قتل والدته بالغربية    مصرع طالب أسفل عجلات قطار الركاب بمحطة كفر الدوار بالبحيرة    مصرع وإصابة 5 أشخاص فى حادث تصادم سيارتين بطريق إدفو مرسى علم    مصرع شاب وإصابة آخر في حادث مروري بقنا    تعليم القاهرة يحصد المركز الأول على مستوى الجمهورية بمسابقة الخطابة والإلقاء الشعري    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الجولة قبل الأخيرة لدوري المحترفين    الكشف عن موقف تشابي ألونسو من رحيل مودريتش عن ريال مدريد    كرة يد - موعد مباراة الأهلي والزمالك في نهائي كأس الكؤوس الإفريقية    Spotify تحتفل بإطلاق أحدث ألبومات مروان موسى في مباراة "برشلونة"    تنفيذًا لحكم القضاء.. محمد رمضان يسدد 36 مليون جنيه (تفاصيل)    الشعبة: أقل سيارة كهربائية حاليًا بمليون جنيه (فيديو)    ما حكم ترك طواف الوداع للحائض؟ شوقي علام يجيب    أدعية مستحبة في صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    ما حكم تغيير النسك لمن نوى التمتع ثم تعذر؟ المفتي السابق يجيب    قباء.. أول مسجد بني في الإسلام    «المفرومة أم القطع».. وهل الفرم يقلل من قيمة الغذائية للحمة ؟    «بربع كيلو فقط».. حضري «سينابون اللحمة» بطريقة الفنادق (المكونات والخطوات)    «لقرمشة مثالية وزيوت أقل».. أيهما الأفضل لقلي الطعام الدقيق أم البقسماط؟    مسلسل حرب الجبالي الحلقة 7، نجاح عملية نقل الكلى من أحمد رزق ل ياسين    "القومي للمرأة" ينظم لقاء رفيع المستوي بعنوان" النساء يستطعن التغيير"    تشميع مركز للأشعة غير مرخص بطهطا بسوهاج    «المصريين»: مشروع تعديل قانون الانتخابات يراعى العدالة فى التمثيل    هل التدخين حرام شرعًا ؟| أمين الفتوى يجيب    وزير الصحة ونظيره السوداني تبحثان في جنيف تعزيز التعاون الصحي ومكافحة الملاريا وتدريب الكوادر    جدول مواعيد الصلوات الخمسة في محافظات مصر غداً الجمعة 23 مايو 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألبير كامو وإنسانه المتمرد.. عبثية أم تجديد؟
نشر في المصري اليوم يوم 07 - 12 - 2022

شكّل الكاتب والروائى ألبير كامو انعطافًا كبيرًا فى المدرسة العبثية بالأدب العالمى رغم حياته القصيرة نسبيًا.. وما بين العبث والتمرد كتب فى روايات سابقة، منها رواية (الطاعون وأسطورة سيزيف وكذلك روايته الشهيرة الغريب)، إلا أن ما كتبه كامو فى رواية «الإنسان المتمرد» يقودنا إلى معرفة ما دفعه للخوض فى كتابتها، لِما امتلكت من مفهوم بعيد وغريب وذات أبعاد فلسفية تكمن فى الوجدان الإنسانى.
إن الظروف الصعبة التى عاشها وتعرّض لها كامو فى حياته مع أمه فى أواسط القرن العشرين، وما جرت عليهما من انعكاسات ظروف الحرب العالمية الثانية، شكلت فى ذاته النزعة التشاؤمية والمتمردة، وهذا ما انعكس على روايته التى تميزت بعمقها وثرائها الفكرى، لذلك نجد عند قراءتنا لروايته التى يستفز فيها القارئ بعمقها الفلسفى وأسئلته المتكررة للبحث عن سر الوجود وكينونة الإنسان، ف«كامو» يشكل نقطة مهمة فى تأريخ الأدب العبثى أو المدرسة العبثية، ولم يختلف اثنان على أن شخصية ألبير كامو شخصية إنسان تتصارع فى داخل ذاته المتمردة، صراعات تحمل تاريخ طفولته المعذبة، فضلًا عن الفترة الزمنية التى عاشها فى منتصف القرن العشرين، ومدى انعكاسات هذه الفترة التاريخية على حياته الخاصة، وبالتالى على كتاباته الروائية.
ففى روايته «الإنسان المتمرد»، يسعى كامو للبحث عن جوهر الإنسان ومناقشته لنتاج القيمة الإنسانية الخارجة منه، أى من خلال تمرده للبحث والخوض عن شكل التمرد وبعده وماهيته الوجودى والتاريخى.
فمثلًا فى روايته «أسطورة سيزيف»، نجد أول ملامح العبثية التى بدأ فيها كتابته وهو يسعى دائما من خلالها ليشكل معنى جديدا لوجوده.. ليتقدم فيما بعد بمفهوم الفلسفة العبثية، والتى نجدها فى روايته «الإنسان المتمرد» التى قدمها للعالم بأسلوبه الأدبى الرفيع. إن قراءتنا لما يسعى إليه كامو فى هذه الرواية إنما هى دعوة تكمن وراء الثورة على الواقع لتجديده وفق الشروط التاريخية التى تحكم حركة الواقع المتطور.. ومن الجدير بالذكر أن الانعكاسات النفسية الواقعية كما أشرنا لها، التى عاشها بين فرنسا والجزائر كان لها تأثيرها على فلسفته للحياة ونظرته للتعامل معها وكتاباته الروائية.
لقد كانت أحداث الحرب العالمية الثانية وتحرير فرنسا من الاحتلال النازى فى عام 1944 من العوامل الرئيسية التى استفزت ألبير كامو.. فرغم أن روايته «الإنسان المتمرد» لم تنل الشهرة كما فى روايته «الغريب»، التى حاز عليها جائزة نوبل للآداب، إلا أنه فى رواية «الإنسان المتمرد» شىء آخر تمامًا، حيث كانت تحمل عمقًا فلسفيًا وبعدًا تاريخيًا، ففى هذه الرواية كان لا يريد أن يقف عائقًا عن التفريق بين مفهومى الثورة والتمرد، وهذا يعنى أن مفهوم الثورة لديه هو ذلك الإنسان الثائر المتمرد على ذاته والواقع الذى يحيط من حوله. رغم أنه لم ينظر للعالم بنظرة المفكر الأكاديمى بقدر نظرته التحليلية من منظور أدبى، ودراسته لأهم ثورتين حصلتا فى التاريخ الحديث، وهما: الثورة الفرنسية والثورة البلشفية الروسية. كما لم يكتف كامو بهذا القدر من السعى لفهم وأبعاد روح التمرد الإنسانى، فقد سعى إلى دراسة العديد من الشخصيات والفلسفات والأحداث التاريخية عبر العصور.. ومنها عصر الإغريق، وتحديدًا أخذ الشخصيتين اللتين عرفتا بالصراع بينهما، وهى شخصية زيوس وشخصية برموثيوس، حيث تعمق ببحث شخصيتيهما، فضلا عن شخصيات أخرى أعطاها دراسة واسعة تمثلت فى شخصيات أمثال ماركس وكذلك نيتشه، وصولًا إلى المدارس الفلسفية الفنية وغير الفنية كالسريالية والدادائية والشيوعية، ومنهم من الكتاب الذين أضافوا للفكر الإنسانى والأدب العالمى أمثال تيودور دوستوفسكى وأندريه بريتون.
إن اطلاعه الواسع أراد من خلاله أن يعطى فى روايته «الإنسان المتمرد» حقائق مكشوفة أكثر للمرحلة التى أعقبت الحرب العالمية الثانية، ودلالات تكمن وراءها نزعة الإنسان الذى يتمرد لواقعه بشتى الأساليب، لما امتلكت هذه الفترة من تحولات كبيرة ليس على أوروبا فحسب، بل على العالم كله.
وهذا البعد الداخلى الوجدانى، إن صح التعبير، للإنسان المتمرد عند كامو ليس تمردًا عشوائيًا بقدر ما هو التمرد الثائر داخل الوجدان الإنسانى والذى يأخذ بأشكال متعددة عبر المنطق التأريخى لحركة الواقع فى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية تحديدًا، والتى عاشها بكل إرهاصاتها.
فإذا كان ألبير كامو يقودنا بإنسانه المتمرد نحو الحلم الجديد الذى يكتنف واقعه الداخلى المؤلم وصراعاته الداخلية المعذبة، فإن هذا يشدنا أيضًا إلى ما ارتبط بالواقع العربى من تغيرات كثيرة خلال أو بعد نهاية الحرب العالمية الثانية فى مرحلة الأربعينيات من القرن العشرين، لنجد ما أفرزته الحالة الإبداعية فى عالم التجديد بحركة الشعر العربى والرواية العربية وسردياتها والإنتاج السينمائى الذى عبر بأساليب تفرعت منها الرمزية والثورية على نمطية ورتابة الإبداع السينمائى آنذاك، الذى أكثر ما كان يركز على الجانب الرومانسى، فضلا عن التجديد فى مجال الفن التشكيلى والنحت والتصوير والموسيقى وحتى عالم الصحافة والإذاعة، وكل الفنون الإبداعية الأخرى.
ان فكرة التمرد عند إنسان ألبير كامو هى سعيه الحثيث لاكتشاف عالم جديد آخر لعصره، وعدم الالتزام بالتقيد الذى يفرض عليه، مما يعنى أنها نزعته أو ضآلته الوجودية والتاريخية، التى يريد أن يحقق وجوده وتفجير الكامن من عذابات الإنسان المعاصر، إذًا هو لم يكن يسعى بعبثيته بالمفهوم الأهوج أو اللامعنى أو اللاغاية، بل هو الغاية المنشودة وراء عبثيته، نحو التحرر دون الالتزام بالقيود المفروضة أو القوالب الجاهزة، شريطة أن تكون علاجا للفكر الإنسانى، وارتباطات الإنسان بها ماديًا كان أو معنويًا، نحو فكر متجدد يعطى للحياة معناها الجديد لا ضدها.
فإنسان كامو المتمرد جاء من خلال إطلاعه على تاريخ العالم وما أعقب ذلك من صراعات أفرزت عوالم جديدة، فهو يستند للثورية التى تبحث التجديد فى البناء التأرخى، فعندما يكون العدل هو عكس الظلم، إنما يقوده الدليل إلى أن الإنسان دائمًا ينشد العدالة. فهو يرصد فى روايته أو كتابه مفهومًا بأن إنسانه المتمرد ينبغى أن يحمل أفكارًا لا عبثية منغلقة بل متجددة، وأن تكون لديه القدرة على التوازن بين الموافقة والرفض أو بين القبول والرفض أو بين القيمة العليا للإنسان وموقعه داخل المجتمع، أو بين الإحساس بالمهانة والدونية، وأن تكون لديه القدرة على أدراك أن الثورة التى يسعى إليها قائمة على بناء الإنسان ولها دوافعها الإيجابية التى جاء بها أو يرنو نحو تحقيقها، فالعالم عنده تتصارع فيه البشرية وهى تحمل فى داخلها ذئابا مفترسة.
ف«كامو» يرى أن حالة التمرد عند إنسانه دائمًا ما تواجه بالرفض والمواجهة العنيفة، أو المحاولة لمنعها دون أن تأخذ حيزها عند الإنسان الساعى نحو الخروج لعالم أرحب، لكى ينقذ الإنسان من حصار ذاته أو ذاته المحاصرة.
* أديب وناقد ووزير عراقى
مفوض لدى جامعة الدول العربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.