ملامحها يكسوها الحزن، فى ركن منزو بمنزلها فى شبرا الخيمة تبكى ابنها المقتول على يد زوج شقيقته، وزوجها الذى مات بعد أسبوع من الواقعة قهرًا على «الولد الوحيد»، سؤالها المتكرر باستنكار لأقاربها وجيرانها:«هو أنا لسه عايشة ليه، ولمين؟»، كأنها تعاتب المتهم، «ضربته ليه 5 طعنات، كنت عوّره بس، سيبُه يعيش».. «محمود تربص بابنى مصطفى وضربه على غفلة، لأنه بِعِد عن طريقه». كان والدا «مصطفى» قد تلقيا اتصالًا مفجعًا من جارهما الأسطى «محسب»: «البقاء لله ابنكم مات»، هرولا إلى محل عمل الابن «على عربية كبدة»، لم يجداه ولم يمهلهما الأهالى للاستفسار عما حدث، كانت الكارثة تُروى على كل لسان بنفس واحد: «دا محمود كان قاعد منتظره من صباحية ربنا، وأول ما فتح ابنكم المكان، جه له من ضهره وضربه بمطواة وبعدين جاب سكين الكبدة وأجهز عليه، خدناه المستشفى وفى الطريق كان ميت». أم «مصطفى» وجدت ابنها مسجيًا أمامها على سرير فى المستشفى، رددت عليه كلمات حزينة: «يا واد مش إنت لسه سايبنى الصبح.. مش كنت بتكلمنى إنى أخطب لك»، سحبها الأطباء من يديها، مرددين: «شدّى حيلك»، قالت لهم: «سندى وضهرى اتكسروا من بعده»، اقترب منها الأسطى «محسب»، يحاول تهدئتها فسألته: «ليه ما أنقذتش ابنى»، روى لها: «كان بيطلع الفاترينة برا وضهره للشارع، ونسيبه سدد له طعنة وأكمل ضربه بسكين الشغل، اتصلت بالشرطة واحتجزت الجانى لحد ما وصلت». قبل ساعات من الجريمة، كان «مصطفى» يشكو ل«فرج»، شقيق نسيبه: «أخوك عمال يضايقنى وبيبعت لىّ ناس تشوف البضاعة بتاعتى صالحة ولا لأ، وأنا مليش دعوة بيه وتركت صحبته من فترة طويلة»، ودلل على كلامه: «دا حتى عمل معاك نفس الحكاية وبعت ناس لك فى محل المجمدات، علشان يرازى فيك». وفق والدة المجنى عليه: «الغل ملأ قلب زوج بنتى من ابنى، وتوعده واتصل على زوجى وقال له: هحزنك على ابنك، وقال لأخويا إنى ببلغ عنه». فى الصباح الباكر، تربص «محمود» بنسيبه، حسب شهود عيان: «كان قاعد بعربيته الملاكى، لحد ما وصل مصطفى، ركب توك توك ومشى به عكس الاتجاه، وفتح المطواة وضرب نسيبه وجاب سكين الكبدة وكمل عليه، ثانية واحدة وكانت روح الضحية صعدت إلى بارئها». «الساعة 2 بالليل، يوم الثلاثاء، أبوه نزل عليه التربة».. تدمع عين والدة «مصطفى» وهى تسرد مأساتها: «جوزى غسّل ابننا ونزل يدفنه، وبعدها بأسبوع اندفن جنب منه».. تتذكر لحظات الزوج الأخيرة: «زار قبر ابنه وقرأ له قرآن، وجه البيت قعد شوية يصلى ويدعو له، وفجأة مسك قلبه ومات بعد أن أوصى أحد أقاربنا: البنتين وأمهم وحق ابنى لازم يرجع». الأم تحكى أن زوجها مات كمدًا على الابن: «لما عرف إنه مضروب غدر، وأول طعنة اتضربها كانت من الضهر وطلعت من الرئة، حُزن على الغل، وكان ممكن الخلاف يتحل فى جلسة صلح»، تضيف: «ابنى حاصل على ليسانس حقوق، واشتغل على عربية الكبدة بتاعة والده لحد ما يلاقى وظيفة، وأبوه زعل عليه لأنه هو اللى طلب منه يشتغل معاه». أجهزة الأمن ضبطت المتهم واعترف بجريمته وقررت النيابة العامة حبسه احتياطيًا، وتطالب والدة «مصطفى»: «عاوزه حق ابنى بالقانون ومحاكمة عاجلة»، تقول: «عملنا عزا لجوزى بس، ابنى عزاه بعد رجوع حقه». خرج مئات من الأهالى فى جنازة «مصطفى»، ولقبوه ب«شهيد لقمة العيش»، وأدانوا سلوك المتهم: «ظروفه المادية كويسة، وكان يبيص لغيره؛ خاصةً نسيبه».
