نقلا عن افتتاحية صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية.. موجات الحرارة فى العالم تحمل تحذيرًا من المستقبل

لقد ظلت أشجار السيكويا العملاقة تنمو على مدى آلاف السنين فى العالم باعتبارها أحد أكبر وأقدم النباتات، ولكن هذا الشهر تعرضت هذه الأشجار للتهديد من قبل حريق غابات قريبة، تفاقم بسبب الظروف الجوية الجافة والحارة فى الولايات المتحدة.
ويعد هذا مجرد واحد فقط من العديد من الأحداث الجوية الدرامية التى تحدث فى جميع أنحاء البلاد والعالم، ففى تكساس، أجبرت درجات الحرارة المرتفعة بشكل قياسى الشركة المسؤولة عن تشغيل شبكة الكهرباء فى الولاية على تحذير السكان من أنهم سيواجهون خطر انقطاع التيار الكهربائى فى حال عدم قيامهم بخفض استخدام الطاقة، كما تم توجيه تحذيرات متعلقة بالحرارة المرتفعة للغاية أيضًا لحوالى 35 مليون أمريكى آخر.
وتشهد أوروبا الغربية أيضًا موجات حر شديدة، حيث تشهد إسبانيا الموجة الثانية فى أقل من شهر، بينما أصدرت المملكة المتحدة أول تحذير لها من «الحرارة الشديدة»، وتواجه إيطاليا درجات حرارة مرتفعة وجفافا منذ فترة طويلة، وقد أدى انهيار الأنهار الجليدية بسبب تغير المناخ إلى وفاة 11 شخصًا فى وقت سابق من هذا الشهر، وفى الصين، أصدرت 86 مدينة، على الأقل، تنبيهات بارتفاع الحرارة فى مدينة نانجينج، وفتح المسؤولون ملاجئ لتمكين السكان المحليين من الهروب من موجات الحر.
ولكن لا ينبغى النظر إلى هذه الحالات بمعزل عن غيرها، فعلى الرغم من أنه لا يمكن تحديد الروابط بين أحداث الطقس الفردية والاحتباس الحرارى بشكل فورى، فإن الدراسات وجدت أن موجات الحرارة المتزامنة التى تؤثر على أجزاء من أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا أصبحت أكثر كثافة وتكرارًا خلال العقود القليلة الماضية.
ووجد تحليل أجرته «World Weather Attribution»، وهى مجموعة من العلماء الذين يحللون ما إذا كان الطقس القاسى مرتبطًا بتغير المناخ، أن موجة الحرارة المدمرة فى العام الماضى فى شمال غرب المحيط الهادئ كانت «مستحيلة تقريبًا بدون تغير المناخ الذى يسببه الإنسان».
وسيتكون لهذه الموجات آثار كارثية بعيدة المدى، إذ تشكل موجات الحر تهديدًا خاصًا لإمدادات الغذاء العالمية، التى تتعرض بالفعل لضغوط من الغزو الروسى لأوكرانيا، كما أنها مرتبطة بمجموعة من المشكلات الصحية وبارتفاع معدلات الجريمة والشعور بالقلق والاكتئاب، إذ قدَّر تحليل أجراه المجلس الأطلسى فى عام 2021 أن الانخفاض فى إنتاجية العمال بسبب الحرارة الشديدة يكلف الاقتصاد الأمريكى 100 مليار دولار سنويًا، وهو رقم يمكن أن يتضاعف بحلول عام 2030.
وبينما يكافح الرئيس الأمريكى جو بايدن والديمقراطيون فى مجلس النواب الأمريكى لإيجاد دعم كافٍ لأجندة المناخ الخاصة بهم، فإن موجات الحر المستمرة توفر نافذة صغيرة لما يمكن أن يبدو عليه المستقبل فى حال استمر الاحتباس الحرارى بلا هوادة.
ووفقًا للجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، فإنه حتى لو حافظنا على ارتفاع درجة الحرارة العالمية تحت 1.5 درجة مئوية، وهى العتبة التى يعتقد العلماء أنه لا ينبغى تجاوزها، فإن عدد الأحداث المناخية القاسية التى سيشهدها الشخص سيتضاعف أربع مرات تقريبًا.
وسيكون لارتفاع درجات الحرارة بشكل أكبر من ذلك آثار أكثر تدميرًا، مع عواقب لا يمكن تصورها على الجوع والمرض والهجرة والإنتاجية ومستويات المعيشة فى العالم.
وصحيح أن خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى والانتقال إلى اقتصاد أكثر اخضرارًا بالنطاق والوتيرة اللازمتين يتطلب إبداعًا وابتكارًا وشجاعة سياسية، ولكن فى حال فشلنا سيكون الوضع أكثر صعوبة، إذ سنواجه مستقبلا تصبح فيه الكوارث المناخية، وكل الأضرار وعدم الاستقرار الذى يصاحبها، هو الوضع الطبيعى الجديد فى كل مكان فى العالم.