«طريق متسع لشخص وحيد».. حكايات أسامة علام من 12 مدينة عجيبة

أعذب إهداء قرأته لمجموعة قصصية كان فى كتاب «طريق متسع لشخص وحيد.. حكايات من 12 مدينة عجيبة» للدكتور أسامة علام، صدر مؤخرًا عن دار الشروق.. وجاءت كلماتها كالآتى: «إلى الدكتور محمد المخزنجى..أرجو أن تسامحنى على كل سنوات الغياب، وأرجو أن أسامح نفسى».. هذا ما أوضحه الأديب الكبير محمد المنسى قنديل فى بداية تقديمه للكتاب، قال له الكاتب والصديق محمد المخزنجى ناصحًا: يجب أن تكف عن التشرد وتستقر فى مكان ما، ولكن آن لروح طليقة مثل (أسامة علام) أن تستقر فى رقعة ضئيلة من الأرض، أن تكتفى بإعادة تدوير الهواء الذى يتنفسه، لن يستطيع أن يمثُل للنصيحة، فهو مفتون بالترحال، باستنشاق هواء لم يملأ رئتيه من قبل، يسعى دائما لاكتشاف الجوانب الخفية للمدن، وكانت حصيلة ذلك هى هذا الكتاب المدهش، وتلك الحكايات التى تشع بالسحر، فرغم أن روحه لا تطيق الاستقرار إلا أنه يتأمل المدن طويلا، لا يراها كأبنية مرصوصة وشوارع مرصوفة، ولكن كأساطير حية، عليه أن يعيد تأويل رموزها، ويستشف معالمها من وجوه ساكنيها، البشر الذين يلتقيهم فى الشوارع والمقاهى، وسرعان ما يقيم معهم علاقة إنسانية ويستمع فى صبر إلى بوحهم الدفين.
أسامة طبيب بيطرى، يتعامل طوال الوقت مع عجماوات لا يُجدن التعبير عن مشاعرهن، لذا تتجلى موهبته فى استنطاق كل من يقابلهم ويحولهم جميعًا إلى حكايات صغيرة أشبه بالأيقونات، تتجلى فيها موهبة الكاتب وقدرته على مزج الواقع بالخيال، يرسم فيها صورًا فنية فائقة الجودة، ترتقى لجودة الشعر، أشبه بطقوس أسرة، يحول البشر الذين يقابلهم إلى جزء من أسطورة المدينة ويضع على رؤوسهم هالات من الخيال، وعلينا أن نصدق أن هناك كل ما يطرحه من رموز، علينا أن نصدق أن هناك مخلوقات ضئيلة لا تكاد تُرى معنا فى المنزل نفسه، وأن الأفيال تستجيب للغناء وتمارس الاحتضان، وأن كاتبًا عجوزًا يحقق أمنيته ويتحول إلى طائر نورس، ونستمع معه إلى كورال راهبات كنيسة نوتردام وهن يغنين بأصوات ملائكية، ونرقص معه فى المصنع المهجور عندما تدب الحياة فى الدُّمى، ونعقد مثله صداقة مع فأر المكتبة، نفحات لا تتوقف من السحر تنبعث من كل حكاية، مرحة وآسرة ومعبرة عن بؤس الوحدة.
نحن أمام كاتب يمتلك رهافة الشعراء وتمعن الفلاسفة، يأخذنا فى رحلته الغرائبية عبر المدن، ويجعلنا نتمنى ألا يوقف ترحاله، وأن يواصل غناءه العذب.. كانت أهم حكايات مدنه العجيبة هى: «صورة قديمة من سوق البراغيث»، «وحيدة فى مدينة للغرباء»، «خمس دقائق فى انتظار القطار»، «الجرامافون»، «مكالمات منتصف الليل اللذيذة»، حكايات عن نيويورك، «أغنية لكائن وحيد»، «الجميلة صاحبة العيون الزرقاء»، «كوب قهوة»، «سرد أحداث موت قطة»، «عيد ميلاد صديقتى الوحيدة» حكايات عن نيوجيرسى، «هدايا العاشق المتوحد»، و«بائعة الأزهار التى تعرف الحقيقة» حكايات عن باريس، «مصنع الدمى العجيبة»، و«حجرة الفراشات» حكايات عن مونتريال، «بائعة الأحلام» و«أسعد رجل فى العالم» حكايات عن تولوز، «أنا بندق اللطيف جدًا» حكاية عن أولاندو، «صلاة لطفل غائب»، و«فقط أحتاج للثرثرة» حكايات عن أدمنتون، «عودة»، و«يمامة بيضاء» و«ونس» حكاياته فى القاهرة، «الحكواتى» حكاية عن الشام، «رقصة على شرف الرجل الغريب» حكاية عن سان جون، ونيوفوندلاند، «ألف طائر صغير للصغيرة الغائبة» حكاية عن ميامى، أما حكاية «هذا العزيز الذى أحبه» فكانت عن شيكاغو.
أسامة علام طبيب، روائى مصرى، يعيش فى كندا ويحمل الجنسية الكندية والمصرية، حصل على الماجستير من فرنسا والدكتوراة فى المناعة من جامعة مونتريال بكندا. صدر ل«علام» الكثير من الأعمال الأدبية، منها «واحة الزهور السوداء»، و«الاختفاء العجيب لرجل مدهش»، «تولوز»، و«الوشم الأبيض»، رواية «الحى العربى»، و«أربع محاولات للحياة».
فازت مجموعته القصصية الوحيدة «قهوة صباحية على مقهى باريسى» بجائزة غسان كنفانى من الصالون الأندلسى فى مونتريال عام 2014.