لم يكن بوسع أحد ممن لم يذق غارات ألمانيا الصاعقة على لندن أن يعرف ما معنى أن يخلد الإنسان إلى فراشه وقد أقضت مضاجعه أصوات صفارات الإنذار وهدير الطائرات وقصف المدافع، ثم تلك الصفارات الخبيثة التى يعقبها انفجارات هنا وهناك. فى الصباح كانت المناطق المقصوفة تنضح ببقايا مياه راكدة وغبار متطاير وأخشاب محترقة. الآلاف، خصوصا فى حى إيست إند فى لندن كانوا يجدون أنفسهم بلا مأوى، كل فرقة مطافئ، كل مستشفى، وكل محطة إسعاف كانت تعمل ليل نهار، وكانت كل المخابئ ومراكز الإيواء مكتظة بشاغليها، فيما ظل أهل لندن يتحملون فى صبر وجلد ذلك القصف الوحشى الذى تعرضت له عاصمتهم. ثم جاءت الغارات الجوية التى لا تنقطع ومعها شبح التهديد بالغزو من الساحل الجنوبى لتزيد إلى حد بالغ من عوامل القلق التى ساورت وزارة الحرب ويتصاعد معها الإحساس بالخطر، بل وتحث على شن موجة قوية جديدة للرد على العدو أى مكان يمكن أن يتواجد فيه. فعندما اضطر سلاح الطيران الألمانى إلى تغيير تكتيكاته كى يشن غارات جوية على لندن فى سبتمبر 1940، أصبح البريطانيون فى كل من لندنوالقاهرة مفصولين عن بعضهم البعض بفعل وجود قوات المحور التى كانت تمتد من النرويج إلى ليبيا، لكن الانفصال بين العاصمتين ظل فى الواقع أمرا من نسج الخيال، هكذا سردت لنا المؤلفة فى مقدمتها. وفى القاهرة، عكف البريجادير إريك شيرر، مدير المخابرات العسكرية، وقد أخلد إلى مكتبه فى القيادة العامة، على إمعان النظر فى تلك الخطط التى أحضرها من لندن الكابتن جوردون ووتر فيلد وظل البريجادير يتعجب عن السبب الذى جعل وزارة الحرب البريطانية تولى هذه المهمة أسبقية غير عادية. كانت بريطانيا تواجه احتمال غزو ألمانى، وقد افتقرت إلى حد كبير إلى الطائرات، ومع ذلك كان من الأسباب الرئيسية لحمل الكابتن جوردون ووتر فيلد على جناح الطيران محلقا إلى القاهرة هو أن بوسعه أن يطير لكى يدمر خط سكة حديد أديس أبابا- جيبوتى. لا جدال فى أن تدمير ذلك الخط بات كفيلا بتدمير خطوط إمداد العدو، وفى الأجل الطويل كان بوسع هذه الوصلة من السكك الحديدية بين العاصمة الإثيوبية والمدخل الضيق للبحر الأحمر أن تكون ذات فائدة جمة للحلفاء. ضحك مدير المخابرات العسكرية قائلا: لكننا لا نريد تدمير خط سكة حديد جيبوتى، وإذا كان الأمر كذلك فبوسعنا أن ندمره بأنفسنا دون أن تعمد وزارة الحرب إلى إرسال مبعوث طائر من لندن!. كتاب «القاهرة فى الحرب العالمية الثانية 1939- 1945» صدر عن المركز القومى للترجمة، تأليف أرتيميس كوبر، وترجمة محمد الخولى. تناول الكتاب وصف تلك الحقبة وصفا دقيقا لكن بعيون إنجليزية، لبانوراما الحرب العالمية الثانية، التى ظلت مصر تكابدها على مدى السنوات الست: 1939- 1945، بكل ما حفلت به دراما الصراع الدولى من لمسات إنسانية ومؤامرات سياسية ومفارقات أو مفاجآت من صنع الأحداث. ولقد توالت فصول الدراما على أرض القاهرة – العاصمة التى أدار الحلفاء منها آلة الحرب فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بينما كانت جوانحها تغلى بالغضب ضد الاحتلال والمرارة بسبب الاستغلال. الكتاب من تأليف أرتيميس كوبر، كاتبة إنجليزية تخرجت فى جامعة أكسفورد، وعاشت فى مصر إبان الحرب العالمية الثانية، حيث قامت بتدريس اللغة الإنجليزية عاما أكاديميا فى جامعة الإسكندرية. وهى حفيدة السياسى البريطانى «دف الفريد كوبر»، الذى كان أول من احتج على سياسة «شمبرلين» فى تهدئة هتلر، ثم أصبح عضوا فى وزارة الحرب التى رأسها ونستون تشرشل. وقد أصدرت حفيدته- مؤلفة كتابنا- مجلدا إضافيا عن مراسلاته مع زوجته ديانا بعنوان «وهج لا ينطفئ» كما أصدرت مجلدا آخر بعنوان «قصاصات من ديانا كوبر». ومن ترجمة محمد الخولى، الكاتب والإذاعى وخبير التحرير والترجمة الدولية، عضو نقابة الصحفيين المصريين، وعضو اتحاد المترجمين الدوليين بجنيف، وعضو الأكاديمية الأمريكية للعلوم السياسية فى نيويورك، وعضو لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة. درس الأدب الإنجليزى وعلم النفس والتربية والإعلام الإذاعى والتليفزيونى والاقتصاد السياسى فى كليات الآداب، والتربية، والإعلام، والعلوم الاجتماعية بجامعات القاهرة، وعين شمس، ونيويورك. كان مسئولا إعلاميا ومترجما ثم كبيرا للمترجمين فى منظمة الأممالمتحدة. ولا يزال معتمدا لدى المنظمة الدولية كخبير فى الترجمة والتحرير. يستخدم فى أعماله اللغات الإنجليزية والإسبانية والفرنسية، أصدر 9 كتب- تأليفا وترجمة- أحدثها بعنوان «القرن الحادى والعشرون: الوعد والوعيد»، بالإضافة إلى ترجمة كتاب «المستعربون» تأليف روبرت كابلان عن النخبة والدبلوماسية الأمريكية فى الشرق الأوسط، قضايا وأفكار معاصرة، الفضائيات العربية فى مواجهة الإرهاب، صراع الصورة بين العرب والغرب، الشرق الأوسط الكبير، الإسلام والمسلمون فى أمريكا.. الشرق والغرب.