لطالما كان تجسيد الشخصيات التاريخية فى الأعمال الدرامية موضع خلاف بين صناع الفن؛ فإحدى المدارس تتبنى فكرة مماثلة عن شكل الفنان للشخصية التى يجسدها بصرف النظر عن أدائه، بينما تتبنى المدرسة الأخرى فكرة أن دراسة الشخصية والتمكن منها هى مفتاح النجاح وإقناع الجمهور بمدى مصداقية العمل.. خلال الأيام الماضية، اندلعت فى الأوساط السينمائية البريطانية معركة من التصريحات بسبب فيلم «GOLDA» للمخرج البريطانى جاى ناتيف والممثلة البريطانية هيلين ميرين الحائزة جائزة الأوسكار عام 2006، والذى تم الإعلان عن بدء تصويره فى أكتوبر الماضى. يتناول فيلم «جولدا» الفترة المهمة فى حياة رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة جولدا مائير خلال حرب يوم الغفران «6 أكتوبر 1973»، حيث فوجئت جولدا مائير وحكومتها بهجوم القوات المصرية والسورية على سيناء ومرتفعات الجولان، خلال هذه الفترة واجهت جولدا مائير المعروفة بشخصيتها الحديدية وأنها المرأة الوحيدة التى استطاعت الوصول لمنصب رئيس الوزراء الإسرائيلى، مواقف متخبطة فى حكومتها، إلى جانب إحباطها من وزراء حكومتها من الذكور، وهو ما قادها لاتخاذ قرارات مصيرية حتى استقالتها عام 1974. حالة الجدل التى أثارها الفيلم بدأت حينما نشرت الممثلة البريطانية هيلين ميرين أول صورة لها خلال تصوير فيلم «جولدا» وقد اختلفت ملامحها بسبب مكياج الشخصية لتبدو أقرب إلى شخصية جولدا مائير.. وقتها أجرت صحيفة «جوش كرونيكل» حوارًا مع الممثلة البريطانية اليهودية مورين ليبمان، وسألتها عن رأيها فى اختيار هيلين ميرين لهذا الدور فقالت: « إنها لم تشعر بالارتياح لاختيار هيلين ميرين لتأدية دور الراحلة جولدا مائير لأنها ليست يهودية ولأن شخصية جولدا مائير كيهودية شديدة التكامل». تصريح مورين ليبمان أطلق عليه انفجار ميرين «blast Mirren».. فقد كان بمثابة بداية سلسلة من المقالات التى انتشرت ما بين مؤيد ومعارض، ومنها ما كتبه المذيع دايفيد بادال مؤلف كتاب «Jews Don't Count» فى صحيفة «الجارديان» حيث أشار إلى تصريحات «راسل تى ديفنز» مؤلف مسلسل «It's A Sin» الذى قال إن اختيار ممثلين من المثليين لأداء أدوار المثليين فى المسلسل سيجعل العمل أصليًا، ويصل بالمشاهد إلى حالة مختلفة: «المسلسل تناول قصة مجموعة من الشباب المثليين فى الثمانينيات والتسعينيات خلال فترة انتشار مرض الإيدز». وقال ديفيد فى مقاله إنه «ربما يعتقد البعض أن اختيار الممثلين هو مجرد مسألة توظيف، وأن الممثل يجب أن يحصل على مساحة ليقدم فيها إمكاناته وقدراته على القيام بالدور، لكن من الغريب أن الأدوار اليهودية فى السينما أو التليفزيون يقوم بها ممثلون من غير اليهود، وهو ما يحدث عندما تكون أيضا قصة العمل كلها تدور حول اليهود، وهو أمر غريب.. فلماذا يؤدى جارى أولدمان مثلا دور رجل يهودى؟ ولماذا يعرض مسلسل تليفزيونى من إنتاج BBC وهو Ridley Road عن معاداة السامية فى لندن بعد الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك فبطلة العمل ليست يهودية؟، وعندما أشرت إلى ذلك اضطروا لأن يقولوا إن بطلة العمل كان أحد أجدادها يهوديا!». وإذا كان هناك الكثير من الممثلين اليهود، فلابد أنهم سيئون لدرجة عدم الاستعانة بهم جميعا، هذه القضية أكبر مِن فكرة مَن يحصل على العمل، لأنها تتعلق بحياة الأقليات التى يجب التعبير عنها من جانب وبواسطة أولئك الذين يعرفونها حقًا، وبالنظر إلى 2000 عام من الاضطهاد فسيكون تمثيل الهوية اليهودية أمرا مثيرا للاهتمام. الجدل حول تجسيد هيلين ميرين لدور جولدا مائير لم يتوقف على الأخبار ومقالات الرأى والكُتاب، لكن وصل إلى رجال الدين، حيث نشر جوناثان رومان، مدير معبد ميدينهيد اليهودى فى بيركشاير، تغريدة له دافع فيها عن اختيار ميرين قائلًا: «ليس عليك أن تكون يهوديًا لتلعب دور يهودى»، وأضاف أنه «من الحكمة أن يكون لديك مستشار للسياق الذى تقدمه». فيلم «جولدا» يجرى تصويره فى لندن وإسرائيل، ولم يتضح حتى الآن الميعاد المبدئى لعرضه.
