صناعة تبحث عن هويتها بخطة طموحه.. هنا «قلعة البردى» فى الشرقية

اشتهرت محافظة الشرقية بالحرف التراثية، منها صناعة ورق البردى، التى تعتمد على المهارة الذهنية واليدوية، ويعد الاهتمام بتلك الصناعة درباً من أجل الحفاظ على التراث.
وعرفت قرية القراموص التابعة لمركز ومدينة أبو كبير بقلعة صناعة ورق البردى، وقد ذاع صيتها داخل مصر وخارجها حتى أصبحت القرية الشهيرة بتلك الصناعة فى مصر بل ودول العالم، ولعل قاطنى هذه القرية كانوا يعتمدون على تلك الصناعة فى دخلهم اليومى مصدرا للرزق، إلا أن تلك الصناعة تأثرت كثيرا بالحالة الاقتصادية وتراجع السياحة، فضلا عن وباء كورونا الذى أربك حسابات العديد من البلدان، وقد أصبحت هذه الصناعة فى مرحلة حرجة ومن المهن المهددة بالانقراض، وسط مطالب من القائمين عليها بضرورة الاهتمام بها وإحيائها بخطة طموحه، تستهدف إنشاء معارض أو البحث عن وسائل تسويقية للمنتج حتى تزدهر الصناعة وتعود لسابق عهدها.
زارت «المصرى اليوم» قرية القراموص الواقعة على أطراف مدينة أبو كبير، التى يقطنها قرابة خمسة عشر ألف نسمة، اشتهروا بزراعة نبات البردى، منذ سبعينيات القرن الماضى، حينما قام أستاذ بكلية الفنون الجميلة، جامعة القاهرة، بإدخال شتلات البردى لأول مرة وزراعة مساحة صغيرة كتجربة، وبعد نجاح التجربة وصلت المساحة المزروعة بالنبات إلى 400 فدان، وكانت بمثابة مصدر الرزق الوحيد لأهالى القرية الذين اعتمدوا على زراعة النبات، وتم تدريبهم على كيفية تصنيع الورق وتحويله من منتج زراعى إلى صناعة يدوية، حتى انفردت القرية بعمل لوحات وأعمال فنية، ونقل واستنساخ سائر الفنون القديمة لإحياء تراث كاد أن يندثر كالفن الفرعونى والإسلامى والقبطى.
يقول سعيد طرخان، مدير مشروع البردى بجمعية تنمية المجتمع بالقرية: «كان هناك عدد كبير من الورش تضم مطابع ومراسم، يعمل بها الآلاف من الأهالى فى عملية التصنيع والرسم والتلوين ويعتمدون فى دخلهم على تلك الصناعة، بالإضافة إلى مئات من أهالى القرية الذين يقومون بأعمال الزراعة والتسويق، لافتا إلى أن تلك الحرفة وفرت العديد من فرص العمل للشباب والمرأة المعيلة لمواجهة البطالة وتوفير حياة كريمة لهم، مؤكدا أن القرية مرت بوقت لم يكن بها عاطل، إلا أن تلك الصناعة تأثرت فى الآونة الأخيرة، نظرا لاعتمادها فى المقام الأول على السياحة، فضلا عن وباء كورونا الذى أربك حسابات بلدان العالم.
وأوضح «طرخان» أن البردى نبات صيفى يزرع مع بداية فصل الصيف، وتتراوح أطواله ما بين 3 و4 أمتار، ويظل فى الأرض لنحو 10 سنوات، وبعد مرور عام تقريبا من الزراعة يبدأ الحصاد، ليتم تقطيعه إلى شرائح بمقاسات معينة حسب الطلب، ثم عملية التجفيف من الماء، عن طريق المكابس، لتحويله إلى ورق صالح للكتابة والرسم، موضحا أن هناك تكلفة كبيرة فى أعمال التصنيع والإنتاج، إلا أن هناك عائدا كبيرا من ورائه لجميع العاملين فى هذا المجال، نظرا لاعتماده على السياحة، ومن المتوقع أن تعود تلك المهنة من جديد لسابق عهدها مع عودة السياحة، فى ظل ما نراه من جهود مبذولة لافتتاح مشروعات جارٍ تنفيذها، منها متحف الحضارات، ومتحف الأقصر وطريق الكباش، بالإضافة إلى المتحف الكبير، لجذب وتنشيط السياحة الداخلية.
وأشار «طرخان» إلى أن القرية أطلق عليها قلعة صناعة ورق البردى، كونها القرية الوحيدة التى تزرع البردى وتصنعه وتحوله إلى منتج ورقى على الطريقة الفرعونية، ونظرا للاعتماد على تلك الصناعة مصدرا للرزق، وفى ظل وباء كورونا، بدأ التفكير خارج الصندوق، من خلال ابتكار أفكار لتطوير هذه المهنة، وتفننوا فى صناعة حافظة الجيب والحقائب من ورق البردى وشابوهات للأباجورات واسكتشات للرسم والتلوين وتسويقها أون لاين، فضلا عن أفكار جديدة تعد الأحدث فى مجال صناعة البردى وهى بمثابة اختراع جديد، وتم البدء فى تحويل نبات البردى إلى عجينة يسهل استخدامها فى التماثيل والمسلات والمَسكات وأشكال متنوعة.
مؤكدا أن شغلهم الشاغل فى الآونة الأخيرة هو استنساخ كافة الفنون المصرية القديمة على أوراق البردى لإحياء التراث، متوقعا أن تعود تلك المهنة لسابق عهدها بخطة طموحه، تزامنا مع عودة السياحة فى ظل مجهود القيادة السياسية الحكيمة، من خلال تشجيع الاستثمار وتحقيق الأمن والاستقرار ودفع عجلة البناء والتنمية، خاصة ونحن فى انتظار حدث كبير عندما تصبح مدينة الأقصر منطقة أثرية مفتوحة أمام العالم لمشاهدة الآثار الفرعونية والحضارة المصرية العظيمة.
وقال الدكتور ممدوح غراب، محافظ الشرقية: «المحافظة تحرص على وضع برنامج يستهدف إحياء التراث، المتمثل فى الصناعات والحرف اليدوية، التى تشتهر بها الشرقية، مثل صناعات الحصر، وجريد النخل، وورق البردى، والسجاد اليدوى والكليم، إيمانا بأهمية تشجيع وتنمية الصناعات المحلية، كما تتم دعوة أصحاب الحرف التراثية إلى تصنيع وعرض منتجاتهم، بمواقع الاحتفال بمهرجانات الخيول العربية والهجن، من خلال أجنحة يتم توفيرها لعرض تلك المنتجات أمام الزائرين.
وأكد محافظ الشرقية ضرورة الحفاظ على الحرف اليدوية والفنون الشعبية، التى تزخر بها المحافظة، خاصة صناعة البردى، لما تمثله من قيمة فنية وأثرية، مشيرا إلى أنه سبق وتقرر تشكيل لجنة قومية عليا لإعداد ملف الصون العاجل لحرفة البردى، لإدراجها ضمن قائمة التراث اللامادى عبر منظمة اليونسكو.
فضلا عن التواصل مع المتحف المصرى الكبير، (أهم مشروع بمنطقة الأهرامات)، حيث يقدم بانوراما متحفية لتاريخ مصر، لعرض منتجات نباتات البردى، التى تمثل قيمة فنية وأثرية تشتهر بها محافظة الشرقية، إضافة إلى دور المحافظة فى تسويق الحرف اليدوية التراثية، من خلال مبادرة «أيادى مصرية» التى أطلقتها وزارة التنمية المحلية، بالاشتراك مع منظمة الغذاء العالمى.