الليل عميق وساكن، والصحراء المظلمة تحبس أنفاسها، والنجوم لامعة ومنتشرة، والقمر ينظر فى فضول وكأنه لا يصدق ما يراه. شيماء تصعد على الكرسى المتهالك، تلُفّ الأنشوطة حول عنقها فى صمت، الأنشوطة مربوطة من طرفها الآخر فى جذع نخلة وحيدة فى الصحراء الممتدة. ومن بعيد تلوح قمة الهرم الأكبر غارقا فى العزلة، ووجه أبو الهول الغامض، لماذا لم يحذرك أبوالهول ولو بكلمة واحدة؟ أم تراه يعرف - من تجاربه الكثيرة - أن البشر مساقون إلى أقدارهم المحتومة؟! لماذا يا شيماء تثقين بسهولة فى غرباء لم تعرفيهم إلا من أسبوع واحد؟، ولا تعرفى لهم أصلا ولا فصلا. لماذا لم تلاحظى أزياءهم الغريبة وملامحهم المريبة، وحقيقة أنهم لا يظهرون إلا ليلا؟.. هل تذكرين لقاءك الأول بهم؟.. كان يكتنفهم الغموض وكأنهم يخفون سرا ما. وأثارك هذا الجو الغامض بشدة. كنت مستعدة للانبهار لكل ما يبدو غريبا، ولذلك أطعتهم كالمسحورة. عزوت غموضهم لغرابة أطوار الفنانين. والفنان مغفور له كل شىء! حينما شاهدت كاميراتهم الحديثة، ورطنوا أمامك ببضعة مصطلحات فنية، عطلت الجزء الحذر من عقلك الذى كان يستحلفك أن تبتعدى، نفذت أوامرهم دون تردد، حتى لو كان الأمر أن تمثلى مشهد «شنق»!. فى الحقيقة هم لم يطلبوا منك وإنما أنت التى طلبت، حينما أخبروك بأنهم يبحثون عن وجه مصرى جديد يشارك فى بطولة فيلم أجنبى مثير، تستحوذ فيه على البطلة روح فرعونية قديمة، تتلبس بها وتدفعها للانتحار، جن جنونك كى تأخذى الفرصة وتكونى هذا الوجه الجديد. فلنكن صرحاء. حينما ظهروا فى حياتك كنت متمردة على واقعك، على أبيك المقيم فى الخليج، على أمك التى لا تعبأ إلا باقتناء الأشياء الثمينة، على المجتمع المخملى المحبوس فى زجاج. صممت على العودة لمصر التى تموج بالحياة. فى الجامعة جربت كل شىء، التدخين الذى لم يرق لك ولكن أضفى عليك سمة الفتاة المتحررة، الأقراص المخدرة، سحابة الدخان الأزرق، الرقص حتى الفجر. ثم ظهر الأصدقاء الجدد، الفنانون غريبو الأطوار الذين تعرفت بهم، ومنتهى آمالك أن يسمحوا لك بالاقتراب. وأخيرا جاء اليوم المشهود، وها أنت ذا تمثلين المشهد فى الصحراء، فى الليل العميق، الأنشوطة تلتف حول عنقك، تضيق رويدا، تحاولين أن تطمئنى نفسك، عبثا ما تبحثين فى عيونهم عن شىء مُطمئن، عن بسمة مشجعة، عن نظرة رقيقة. الأنشوطة تحز فى عنقك. الليل يقول لك كفى. النجوم تقول لك كفى، القمر يقول لك كفى، حتى أبو الهول نطق! وقال كفى. الأنشوطة تغوص فى عنقك، وهواء الصحراء يهمس فى أذنك بشىء لا تريدين أن تصدقيه، يخبرك بأن هذا المشهد ليس تمثيليا. وحتى اللحظة الأخيرة لم تكن شيماء مستعدة لأن تصدق أن هذه اللقطة حقيقية.