ما جرى فى ميدان التحرير وشارع محمد محمود طوال الأسبوع الماضى فتح شهية الكثيرين لطرح تساؤلات تتعلق بالمخاطر التى تحيط بنا، وأيضاً تفسيرات كثيرة لما جرى فى شارع محمد محمود والطريقة التى تعامل بها الأمن مع بداية اعتصام التحرير حتى أصبحت علامات الاستفهام ونظرية المؤامرة (التى لا أفضلها) حاضرة بقوة هذه المرة فى تفسيرها. السؤال الأول: لماذا قامت الشرطة بفض اعتصام التحرير الذى لم يتجاوز عدد المشاركين فيه 100 شخص بكل هذه القسوة، وهل هذا كان مرتباً لكى يحتج الناس وينزلوا إلى الشوارع اعتراضاً على ما حدث، خاصة أن هناك تياراً واسعاً من المصريين اعترض على أداء المجلس العسكرى، وينتظر أى خطأ من قبل الداخلية لكى ينتفض ويحتج؟ أما السؤال الثانى فهو: لماذا ترك الجيش الناس يحاصرون الداخلية وسمح بمعركة حربية تجرى فى شارع محمد محمود سقط فيها عشرات الضحايا إلى أن تدخل يوم الثلاثاء وفصل بين المتظاهرين والوزارة بحوائط أسمنتية وبقوات مسلحة؟ والحقيقة أن «الإجابات التآمرية» على هذه التساؤلات تقول إن العنف غير المبرر الذى استخدم فى مواجهة المتظاهرين يوم السبت قبل الماضى كان بغرض دفع الناس للنزول إلى التحرير، وتوجيه رسائل للفائزين فى الانتخابات، خاصة من الإسلاميين بأن البرلمان لن يكون وحده مصدر الشرعية، وأن هناك شرعية أخرى تناطحه وهى «شرعية الميدان»، دون أن يعنى ذلك أن الناس التى نزلت ورأيناها وتحاورنا معها فى التحرير لها أدنى علاقة بهذا المخطط، ولكن يعنى أن العنف فى التعامل مع المتظاهرين كان مخططا ومتعمدا بغرض خلق رد فعل يؤثر على شرعية الانتخابات ولا يهدمها. كما أن الأمر لم يخل من توجيه رسالة أخرى للداخلية تقول إن مصيرها بيد الجيش، وإن أى محاولة للخروج من طوعه مصيرها الفشل، وإن القوات المسلحة هى التى فى يدها حماية الوزارة وتأمينها. والحقيقة أن هذا الحديث الذى روجه البعض طوال الأيام الماضية يقوم على مجموعة من القناعات المسبقة، من بينها الإيمان بنظرية المؤامرة، وأيضا وجود رغبة لدى المجلس العسكرى فى البقاء فى السلطة، وهو الأمر الذى يجعله يحرك المشهد بهذه الطريقة التى لا يسمح فيها باكتمال أى شرعية، سواء كانت الانتخابات أو التحرير أو حتى العباسية. والحقيقة أن هذه النظرية لست مقتنعاً بها تماماً بسبب عدم إيمانى من الأصل ب«نظرية المؤامرة»، وأضع مكانها تحدى التعامل مع مخططات داخلية وخارجية تعمل على تنفيذ مصالحها وتضع استراتيجياتها على ضوء هذه المصالح، فالأمر لا يعنى تنظيم مؤامرة (تأتى أحيانا لإنجاح هدف أو مصلحة) إنما خطط يجب التعامل معها. مازلت أعتقد أنه بإصرار المصريين على بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة سيسلم المجلس العسكرى السلطة، وأن نجاح الانتخابات سيضعف من كل الأفكار التآمرية التى راجت طوال الأيام الماضية، لأنى لا أعتبر الجيش غريباً عن النسيج المصرى إنما هو جزء أصيل منه، واحترامه والحفاظ على تماسكه الداخلى وخروجه من ساحة الحكم السياسى هو هدف غالبية المصريين الذين يرفضون إهانته أو التجاوز فى حقه، لأنه رصيد استراتيجى لهذه الدولة الديمقراطية التى نرغب جميعا فى بنائها على حساب الاستسلام لنظريات المؤامرة. [email protected]