فى عام 1998 تشكلت لجنة برئاسة المستشار الراحل فاروق سيف النصر، وزير العدل الأسبق، لتطوير الإدارة المحلية فى البلد، وقد عقدت اللجنة اجتماعاً بحضور عدد من المحافظين الذين كان يعنيهم وقتها تطوير هذه الإدارة على امتداد المحافظات. كانت هناك عدة أفكار متداولة فى هذا الاتجاه، أهمها أننا إذا كنا جادين حقاً فى إجراء تطوير من هذا النوع، على نظام الإدارة المحلية فى المحافظات، فإن هناك فكرة أساسية لابد من الأخذ بها كبداية حقيقية، وهى ضرورة أن يكون المحافظ منتخباً فى محافظته، من أبنائها وليس معيناً من الحكومة فى القاهرة. كان الذى تبنى الدعوة إلى الفكرة محافظ مهم، لايزال فى منصبه، ولست فى حل من ذكر اسمه، لأنى لم أستأذنه، فضلاً عن أنى لا أريد أن أسبب له حرجاً مع الدولة، وإذا كان لابد من الكلام عن فكرة انتخاب المحافظين، فالمسألة ليست اسم صاحب الفكرة، الذى تحمس لها فى حينها، بقدر ما هى مدى استعدادنا نحن كدولة لأن نأخذ بها أو حتى على الأقل نبدأ فى دراستها بجدية من الآن، أملاً فى أن يأتى وقت تتجسد فيه الفكرة كاملة أمامنا على الأرض! والمهم أن ما قيل منذ 12 سنة، أى عند الاجتماع الأول للجنة، إن انتخاب المحافظين كفكرة، سوف يؤدى بطبيعته إلى شيوع طقس انتخابى فى 29 محافظة، بما سوف يخلق بالضرورة «ثقافة انتخابية»، إذا صح التعبير، فى وجدان كل مواطن! زمان.. كان العمدة بالانتخاب، فأصبح بالتعيين، وكان العميد بالانتخاب، فأصبح بالتعيين، فإذا لم يتدرب أبناء الريف على الانتخاب كعملية على مستوى العمدة، فكيف يمكن أن نتصور أن يذهبوا هم أنفسهم، إلى انتخابات على مستوى أعلى، فى الشعب والشورى والرئاسة؟! وإذا لم يمارس أساتذة الجامعة انتخاب العميد على مستواهم، فهل يمكن أن نتخيل أن يكونوا مشاركين بجدية، فى انتخابات أعلى على مستوى آخر؟! لقد سألت الدكتور عبدالعظيم وزير، محافظ القاهرة، مؤخراً عما إذا كان يفضل، كمحافظ، أن يأتى إلى منصبه انتخابا أم تعييناً، فكان رده أنه يؤيد الفكرة، لأن انتخابه سوف يؤدى قطعاً إلى اختلاف الأداء لدى كثيرين من المحافظين، عما هو عليه الآن، وسوف يدرك كل واحد منهم، وقتها، أن بقاءه فى مكتبه متوقف بالدرجة الأولى على مدى رضا أبناء محافظته عن أدائه، فى توفير الخدمات الضرورية لهم، ولن يكون بقاؤه فى يد الرئيس وحده، كما هو الحال الآن! ثم إن الأهم من كل ذلك، أن الانتخاب بين 29 محافظاً، سوف يفرز منهم قيادات على كفاءة، يمكن أن تخوض انتخابات الرئاسة فيما بعد، كما يحدث مثلاً حين يصبح حاكم الولاية، فى الولاياتالمتحدة، رئيساً فى البيت الأبيض! الشىء المدهش، أن اللجنة إياها عندما فوجئت بالفكرة تتدحرج فى اجتماعها الأول، فإنها لم تنعقد ولا مرة واحدة بعدها!!