شبابنا، شباب مصر حاجة تفرح. الأمر يتوقف على زاوية الرؤية، فلو أنصتنا فقط للإعلام فلن نرى إلا مآسى البطالة والجريمة والغرق فى المتوسط. لكن فى بحثى عن الجمال أتلفت حولى فأرى شباب الجامعات المصرية يتوهجون بالطاقة وبأمل أن يصنعوا مستقبلا على مقاسهم. وهؤلاء لن يضعهم الإعلام فى مقدمة المشهد لأنهم ليسوا وجبة فضائحية شهية. لو أردتم أملا فتابعوا الأنشطة الطلابية التى تضم تحت جناحها العديد من الشابات والشباب الموهوب الذى يعيد بجدية رسم ملامح الوطن. «كاتاليسيس»، أحد الأمثلة العديدة فى هذا المجال، هو نشاط طلابى مسجل تحت مظلة اتحاد الطلبة بكلية الهندسة بجامعة عين شمس وهو يعتبر أول نشاط يخرج من طلبة البرامج التعليمية الجديدة أو المتميزة. أهداف النشاط تتمثل فى مساعدة طلبة الكلية فى تطبيق ما درسوه من علوم فى صورة تجارب ومشاريع، تمويل المشاريع العلمية للطلاب فى فترة ما قبل التخرج، وكذلك تقديم المساعدة المادية للعاجزين عن دفع رسوم ومصاريف الكلية والأدوات الهندسية وتقديم المنح الدراسية المجانية أو المخفضة للطلبة غير القادرين. كما أن أحد أهداف النشاط هو إحياء الانتماء للوطن والثقافة، وتنمية شعور الطلبة والطالبات بالمسؤولية تجاه المجتمع. من يستمع لهؤلاء الشباب يطرحون مشكلات الوطن والأسئلة الاجتماعية يعرف أنهم يتهجون خارطة مختلفة للمستقبل بهدوء وثقة. تمثل اللجنة الثقافية لقسم اللغة الإنجليزية بكلية آداب القاهرة نموذجا آخر يؤكد نفس المسار. فهذا القسم الذى غذى الحياة الثقافية المصرية على مدى عقود بالمفكرين والكتاب والمسرحيين والنقاد كان النشاط الثقافى المستمر قد غاب عنه لسنوات. وعاد هذا النشاط مع اللجنة الثقافية التى يشرف عليها أستاذات متحمسات لدعم طلبة وطالبات القسم فى مختلف الأنشطة ذات الطابع الثقافى. تعقد اللجنة ندوات تستضيف الكتاب والشخصيات العامة ذات التأثير. كما دعمت النشاط المسرحى فتم تقديم مجموعة من المسرحيات باللغتين العربية والإنجليزية كل من عمل بها كان من الطلبة والطالبات باستثناء أستاذة المسرح التى تطوعت لهذا العمل. ساهمت اللجنة فى نشر مجلة شعرية سنوية كل من أخرجها وكتب فيها من شعراء هم من طلبة وطالبات القسم. ومجلة أخرى ثقافية تتضمن بالإضافة للمواد الأدبية عروض كتب ونقداً أدبياً. وقد كبر تحت مظلة هذا النشاط طلبة تخرجوا وتم تعيينهم معيدين ومعيدات بالقسم ولا يزالون يسهمون فى أعمال اللجنة. ربما لا يعرف هؤلاء الشباب أهمية ما يفعلون. وكم أتمنى لو يعلمون لأن الوعى بأهمية الدور الذى يقومون به يعنى ثقة أكبر فى أنفسهم وفى قدرتهم على التغيير. لو غاب عنهم هذا الوعى لما اندهشت لأنهم كبروا فى وطن لا يحتل الشباب فيه ما يستحقونه من مكانة، بل إنهم لو تلفتوا حولهم فسيجدون أن أصغر صانعى القرار فى المحروسة فى الستين ربيعا. لكن الأنشطة التى يقومون بها، والتى لا تندرج تحت السياسى، تعيد بهدوء تشكيل خارطة مصر وتعيد تعريف الأدوار وتشكيل وعى مختلف عن السائد. إنهم يصنعون وطنا يخصهم ويبحثون عن انتماء من حقهم فحين لا يساعد الوضع العام على تحقيق هذه الشروط الإنسانية للشباب لا يصبح أمامهم إلا أن يقوموا بهذا الدور بأنفسهم. والله الغنى.