بيان حكومي عاجل بشأن أنباء خصخصة الجامعات الحكومية    ضوابط العمرة 2026.. إلزام شركات السياحة بتحصيل قيمة البرامج بالجنيه    تنمية المشروعات ضخ 57.5 مليار جنيه لتمويل للمشروعات في 11 عام    وزارة التخطيط والتعاون تطلق برنامج التدريب الصيفي لطلاب الجامعات 2025    الصحة اللبنانية: شهيدة و11 مصابا في غارة إسرائيلية على جنوبي البلاد    أوكرانيا: اعتراض 365 صاروخا وطائرة مسيرة اطلقتها روسيا خلال الليل    السيطرة على حريق بمحول كهرباء في كفر شكر بالقليوبية    أمن المنافذ يضبط 31 قضية ويُنفذ 262 حكمًا قضائيًا في 24 ساعة    بدائل الثانوية 2025.. كل ما تود معرفته عن مدرسة بي تك للتكنولوجيا    بصحبة شقيقتها.. ملك زاهر تحتفل بعيد ميلادها وهذا ما قالته (صور)    خطيب المسجد النبوي: صوم التطوع في شهر المحرم أفضل الصيام بعد رمضان    «الصحة» تطلق حملة قومية للتبرع بالدم في جميع المحافظات    كأس العالم للأندية| تفوق جديد ل صن داونز على الأهلي    إيرادات الخميس.. «المشروع x» يحافظ على صدارة شباك التذاكر    وزير الكهرباء والطاقة المتجددة يبحث مع رئيس هيئة الطاقة الصينية سبل دعم وتعزيز التعاون والشراكة وزيادة الاستثمارات الصينية    المجر: انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبى والناتو يضع الكتلتين فى حالة حرب مع روسيا    اليوم.. عرض ملحمة السراب بقصر روض الفرج ضمن مهرجان فرق الأقاليم المسرحية    نيللي كريم عن «هابي بيرث داي»: فكرته لمست قلبي والسيناريو عميق    أسماء أبو اليزيد بعد مسلسل فات الميعاد: لو رأيت رجلا يعتدي على زوجته سأتمنى أن أضربه    طقس الأيام المقبلة| موجة لاهبة ترفع الحرارة ل40 درجة بالقاهرة    العثور على جثة عامل داخل منزله فى قنا    محافظ الجيزة يعتمد المخططات التفصيلية لأحياء الدقى والعمرانية وبولاق الدكرور    حصيلة الانزلاق الأرضي في كولومبيا ترتفع إلى 16 قتيلا    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد السيدة نفيسة    النواب يوافق على اعتماد إضافي للموازنة ب 85 مليار جنيه (تفاصيل)    مقررة أممية: الحديث عن وجود "حق بالصحة" بقطاع غزة بات مستحيلا    مروة عبدالمنعم تكشف عن إصابتها ب «فوبيا».. والجمهور: «مش لوحدك»    صداع مؤجل    مستوطنون يعتدون على منازل جنوب الخليل.. وإصابة فلسطينية في مسافر يطا    مصرية من أوائل الثانوية العامة بالكويت ل«المصري اليوم»: أهم حاجة الثقة في ترتيبات ربنا    محافظ أسيوط: استلام شحنة جديدة من الأدوية و15 كرسيًا كهربائيًا متحركًا لتوزيعها على المستحقين    إنجاز بحثى لأساتذة قصر العينى يكشف مجموعة نادرة من اضطرابات الكبد الوراثية    طب عين شمس: توزيع المهام.. وإدارة غرف العمليات باتت جزءًا من تقييم الأطباء    توقيع الكشف على 872 مواطناً في قافلة طبية بشمال سيناء    نقابة المهندسين: تطوير شامل لمصيف المعمورة يشمل الوحدات والمرافق والأنشطة    جامعة عين شمس تنشئ وحدة داخلية لمتابعة ودعم جائزة مصر للتميز الحكومي    ماكرون: ترامب عازم على التوصل لوقف إطلاق نار جديد في غزة    محمد شريف ينتظر 48 ساعة لحسم مصيره مع الأهلى.. والزمالك يترقب موقفه    البصل ب7 جنيه... أسعار الخضراوات والفواكه بكفر الشيخ اليوم    سعر الحديد اليوم الجمعة 27 يونيو 2025    وسام أبو علي يقترب من الرحيل عن الأهلي مقابل عرض ضخم    الدورى الجديد يتوقف 5 ديسمبر استعدادا لأمم أفريقيا بالمغرب    مرموش ضد بونو مجددًا.. مواجهة مرتقبة في مونديال الأندية    "ياحراق اللجان".. شقيق رامي ربيعة يثير الجدل بهذا المنشور بعد خروج العين من المونديال    كريم محمود عبدالعزيز يتصدر تريند جوجل بسبب مملكة الحرير    ياسر ريان: طريقة لعب ريبيرو لا تناسب أفشة.. وكريم الديبس يحتاج إلى فرصة    مصرع وإصابة 16 شخصا فى حادث مروع بالمنوفية    "لازم واحد يمشي".. رضا عبدالعال يوجّه طلب خاص لإدارة الأهلى بشأن زيزو وتريزيجيه    يكسر رقم أبو تريكة.. سالم الدوسري هداف العرب في تاريخ كأس العالم للأندية (فيديو)    قمة الاتحاد الأوروبي تفشل في إقرار الحزمة ال18 من العقوبات ضد روسيا    فضل شهر محرم وحكم الصيام به.. الأزهر يوضح    الورداني: النبي لم يهاجر هروبًا بل خرج لحماية قومه وحفظ السلم المجتمعي    الأوقاف تفتتح اليوم الجمعة 9 مساجد في 8 محافظات    الإيجار القديم والتصرف في أملاك الدولة، جدول أعمال مجلس النواب الأسبوع المقبل    هل التهنئة بالعام الهجري الجديد بدعة؟.. الإفتاء توضح    حبس عنصر إجرامي لقيامه بجلب وتصنيع المخدرات بالقليوبية    المفتي: التطرف ليس دينيا فقط.. من يُبدد ويُدلس في الدين باسم التنوير متطرف أيضا    حسام الغمري: الإخوان خططوا للتضحية ب50 ألف في رابعة للبقاء في السلطة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما وراء الحكايات.. الأوهام والحقائق فى علاقتنا المأزومة بالغرب (4)
نشر في المصري اليوم يوم 24 - 06 - 2010

هل يستمر- وإلى متى- تفوق النموذج الحضارى الغربى فى عصر تستيقظ فيه أمم قديمة كالصين والهند وتنهض قوى جديدة بازغة؟ وهل تنجح الحضارة الغربية فى تجديد نفسها وهى أكثر حضارات التاريخ إبداعاً على الصعيدين الاقتصادى والتكنولوجى وإلهاماً فى مجال الفكر السياسى والاجتماعى؟ أم أن هذه الحضارة الغربية تعيش مرحلة أفولها كما تنبأ الفيلسوف الالمانى نيتشه منذ زمن بعيد؟ الحقائق والمعطيات وحدها هى ما ينبغى الاحتكام إليه لإثبات أو نفى ذلك بعيداً عن التهويمات النظرية والآراء الانطباعية.
(1)
استكمالاً لمسلسل الأرقام الذى احتشدت به المقالات السابقة فإن الغرب الذى كان يسيطر منذ مائة عام على نحو 50% من مساحة العالم لا يتحكم اليوم سوى فى 25% فقط. وبعد أن كانت السيطرة الغربية فى الحقبة الاستعمارية تشمل نحو 48% من سكان العالم فإنها اليوم لا تتجاوز 10% . صحيح أن السيطرة الغربية قد غيّرت من شكلها وأبدعت فى أدواتها لتبدو بفعل العولمة أكثر نعومة ودهاء إلا أنها تتقلص وتتراجع فى نهاية المطاف.
وعلى صعيد القوة العسكرية لا يمتلك الغرب اليوم أكثر من 10% من مجمل القوة البشرية العسكرية فى العالم بعد أن كانت هذه النسبة تبلغ 45% منذ مائة عام. يرصد المحللون الأمريكيون أنفسهم أنه كان على الولايات المتحدة الأمريكية لكى تغزو العراق أن تنشر 75% من طيرانها التكتيكى فى منطقة الخليج، و42% من دباباتها الحديثة، و46% من جنود البحرية (المارينز). يضاف إلى ذلك أن مساهمة الغرب فى الناتج الصناعى العالمى قد هبطت من 84% عقب الحرب العالمية الأولى لتصل اليوم إلى نحو 25% فقط. أما مساهمته فى الناتج الاقتصادى العالمى فقد هبطت بدورها من 70% لتصل الى 30%.
يمكن قراءة الأرقام السابقة- وجميعها من مصادر غربية- من أكثر من زاوية. فهى تكشف عن قلق غربى مصحوب بعملية مراجعة لعناصر القوة والضعف فى الحضارة الغربية مقارنة بما بلغته القوى غير الغربية. ما يقلق الغرب فى القوى الآسيوية هو قوتها الاقتصادية وصعودها التكنولوجى، وربما فى المستقبل القريب تنامى قوتها العسكرية. يكفى أن نعرف أنه إذا بلغ معدل اقتناء الصينيين لسيارة خاصة المعدل الغربى فإن الصين قد تحتاج إلى كل الناتج العالمى للنفط لسد احتياجاتها.
أما العالم الإسلامى فهو يقلق الغرب من ناحيتين، أولاهما نموه السكانى وثانيتهما القوة الكامنة فى العقيدة الإسلامية باعتبارها عقيدة حركية تكتسب فى العقل الغربى بعداً جهادياً لأسباب تاريخية. ولهذا فإنه حين سألت الصحفية الأمريكية هيلين توماس الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش الابن لماذا نذهب إلى أفغانستان والعراق لقتل الناس هناك ؟ ردّ عليها جورج بوش بسخريته المعهودة قائلا: نحن مضطرون لأن نذهب لهم هناك حتى لا يأتوا إلى هنا!
(2)
والأرقام السابقة تكشف من جهة أخرى أن العالم الغربى يسعى إلى تعبئة نفسه وتحفيز قواه من خلال البحث عن عدو. وقد أجادت أمريكا والعالم الغربى لعبة صناعة العدو بدرجة عالية من الإتقان والذكاء. فبعد أن نجحت أمريكا فى القضاء على الاتحاد السوفيتى وزال الخطر الشيوعى كان لا بد من البحث عن عدو جديد. فالامبراطوريات الكبرى تحتاج دائماً إلى عدو لكى تشحذ قواها وتصقل حواسها الإستراتيجية. ولا شك أن الشعور بالخطر ينمى غرائز الدفاع عن الذات ويستنفر المقاومة. وإن لم يكن الخطر حقيقياً فمن الممكن صناعته وتزييفه وإقناع الناس به. هذا ما حدث حرفياً لتبرير غزو العراق.
والمستفيدون من لعبة صناعة العدو أطراف كثيرة مثل شركات السلاح الكبرى التى لا تنمو وتزدهر وتربح إلا فى أجواء الصراع وإلا فإنه الكساد الكبير!! وهناك أيضاً قطاعات اقتصادية تستعد لتعمير ما تدمره الحروب لتتذوق كعكة الازدهار على أشلاء الأبرياء. وهناك أيضاً قوى وأحزاب يمينية تجد فى صناعة العدو وسيلة لإيقاظ الغرائز الشعبوية وكسب الأصوات الانتخابية.
ثم هناك أيضاً هذه الروح الغامضة التى تسرى فى أوصال الامبراطوريات الكبرى فتدفعها إلى مزيد من التوسع والهيمنة لاستباق حركة التاريخ سواء لمواجهة مخاطر حقيقية أو لمجرد التحرش. أجل التحرش لا يبدو سلوكاً فردياً فقط بل يصبح أحياناً سمة لعقلية الامبراطوريات الكبرى التى لا تستطيع أن تعيش فى سلام دائم قد يظهر فى مناخه قوى أخرى منافسة أو مناوئة. والمشكلة أن التحرش لا يكون عادة إلا فى مواجهة الضعفاء وقليلى الحيلة.
شىء من هذا يحدث منذ سنوات، منذ سقوط الاتحاد السوفيتى، فى منطقة الشرق الأوسط، والعرب والمسلمون على وجه التحديد هم أول ضحايا هذا التحرش. بل إن الشعوب الغربية نفسها تمثل ضحية من نوع آخر لسلوك الهيمنة الغربية.
فقد ضجرت هذه الشعوب من رؤية مشاهد الدم والدمار فى أفغانستان والعراق وفلسطين وأخذت تتبلور فى الأفق حركات وتيارات الإنسانية الجديدة فى شمال أوروبا بل أمريكا ومناطق أخرى فى العالم. ومن الممكن لهذه التيارات الإنسانية الجديدة أن تشكل عنصراً من عناصر قوة الرأى العام الغربى فى الانحياز لقيم العدالة وحقوق الإنسان. المشكلة أن العرب والمسلمين لا يحسنون التواصل مع هذه القوى الإنسانية الجديدة، وحين يتم هذا التواصل فإنه يأخذ من أسف أشكالاً عاطفية سطحية ولا يتم بالتنظيم والعمق اللازمين.
(3)
من سوء حظ العرب أنهم يمتلكون المغريات التى جعلتهم أشبه بغزالة شاردة لم يكن ليتركها صياد ماهر، من الموقع الاستراتيجى والثروة النفطية إلى الأسواق الواسعة النهمة. ثم زاد سوء الحظ سوءاً بفعلة 11 سبتمبر التى راح ضحيتها نحو ثلاثة آلاف من الأبرياء فى حادث تدمير برجى التجارة العالمى.
ففى مساء هذا اليوم الحزين تم تدشين اعتبار الإسلام العدو الجديد للحضارة الغربية حتى أصبح الوعى الغربى يخلط بين العروبة والإسلام. لم يستطع هذا الوعى الغربى العقلانى أن يفلت من شرك التعميم، بل لعله كان ينتظر مثل هذه الفرصة ليمارس التعميم حتى يبرر لنفسه رد الفعل الباطش فى أفغانستان والعراق وكأنه تصوّر أن اسامة بن لادن يقيم فى خيمة على ضفاف دجلة والفرات!
كان خطأ الوعى الغربى بل خطيئته أنه تجاهل عن عمد الأسباب الحقيقية لظهور الأصولية الإسلامية الجهادية، بل تظاهر بالسذاجة وكأنه لا يدرى أن سياسته وتحالفاته فى المنطقة العربية هى أحد بل أهم أسباب ظهور هذه الأصولية.
على أى حال جاء باراك أوباما إلى الحكم برؤية جديدة للعلاقة بين الغرب والعالم الإسلامى. كان خطابه الشهير فى جامعة القاهرة فى العام 2009 بليغاً فصيحاً مثيراً لأحلام البعض وموحياً بنوايا أمريكية طيبة وإيجابية تجاه العرب والمسلمين. لكن لم تمض شهور حتى تبين للكثيرين أن المسألة لم تتجاوز فى الواقع مجرد إعلان نوايا سرعان ما أسهم التعنت الإسرائيلى وعوامل أخرى فى تعقيده وإنهاكه من قبل أن يبدأ تنفيذه.
هكذا ينضح المشهد مرة أخرى بسؤال صناعة العدو. وللسؤال شقان: شق سياسى استراتيجى وشق آخر ثقافى. الشق الأول من السؤال يندرج فى إطار لعبة الأمم. فمصالح الامبراطوريات الكبرى تأتى فوق كل اعتبار أو تنظير أو مبدأ. أما الشق الثقافى فإنه يستحق حديثاً مفصّلاً.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.