مصروفات المدارس الحكومية 2025– 2026.. التفاصيل الكاملة وقواعد الإعفاء والسداد لجميع المراحل التعليمية    تقرير حكومى: توقعات بنمو مبيعات الأدوية إلى 5.7 مليار دولار خلال 2025    آمال ماهر عن صوت مصر: «مش عايزة أكون رقم واحد.. واسمي أكبر من أي لقب» (فيديو)    المسلمون يصلون الفجر قبل وقته بساعة ونصف    مواجهات جديدة بين الشرطة ومتظاهرين أمام فندق يؤوي مهاجرين في لندن    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 21 يوليو 2025    رئيس مجلس أمناء الجامعة الألمانية: مشروع الهوية البصرية تعزيز للانتماء وتأصيل للقيم المصرية    «الرقابة النووية» تُنهي جولتها التوعوية من أسوان لتعزيز الوعي المجتمعي    إنفوجراف| حصيلة 650 يوما من الحرب الإسرائيلية في غزة.. «أرقام الشهداء والجرحى»    رئيس الأركان الإسرائيلي لجنوده: إنجازاتكم تسرع هزيمة حماس    جريمة داخل عش الزوجية.. حبس المتهمة بقتل زوجها بالقليوبية    اليوم| محاكمة المتهمين في قضية فض اعتصام رابعة    السجن المؤبد ل 5 أشخاص لإتهامهم بالإتجار فى المخدرات بالبحيرة    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 21 يوليو 2025 في القاهرة والمحافظات    رئيس مجلس أمناء الجامعة الألمانية: هناك علماء مصريين متواجدين في كل دول العالم    مستشفى العامرية تنجح في إجراء جراحة دقيقة لطفل حديث الولادة يعاني من كيس سحائي    لاحتوائها على مواد سامة.. 3 منتجات يجب إزالتها من منزلك    وفاة امرأة تبلغ 82 عاما في إيطاليا نتيجة إصابتها بعدوى فيروس غرب النيل    "تموين الدقهلية" يحرر 196 مخالفة في 48 ساعة (صور)    بين الهلال وليفربول، الكشف عن مصير إيزاك    طريقة عمل الحجازية في خطوات بسيطة وأحلى من الجاهزة    بالأصفر الساطع وتحت شمس البحر المتوسط... ياسمين رحمي تخطف الأنظار بإطلالة صيفية تبهر متابعيها على إنستجرام    متحدث الوزراء: جاهزون لتعيين وزير بيئة جديد في التوقيت المناسب    ما أهمية عودة الحكومة السودانية إلى العاصمة من جديد؟    تقديم 40476 خدمة طبية وعلاجية بحملة "100 يوم صحة" في الإسماعيلية    أسامة عرابي: الطريقة التي تعامل بها وسام أبو علي مع الأهلي خارج نطاق الاحترافية    «عيب وانت بتعمل كدة لأغراض شخصية».. خالد الغندور يفاجئ أحمد شوبير برسائل نارية    نشرة منتصف الليل| خطوات حجز شقق الإسكان.. وخسائر قناة السويس خلال العامين الماضيين    رئيس "الحرية المصري": رجال الأمن خط الدفاع الأول في مواجهة التطرف والمخططات الإرهابية    برئاسة ماجي الحلواني.. "الوطنية للإعلام" تعلن تشكيل لجنة لرصد ومتابعة انتخابات الشيوخ    بعد مد فترة التقديم لاختبارات القدرات لطلاب الثانوية العامة.. «اَخر موعد للتقديم»    إصابة 3 سيدات من أسرة واحدة في انقلاب سيارة ملاكي أمام قرية سياحية بطريق العلمين    "شباب النواب" تثمن الضربات الاستباقية لوزارة الداخلية في دحر البؤر الإرهابية    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. سعر الذهب اليوم الإثنين 21 يوليو 2025 بالصاغة    التليجراف: وزير الدفاع البريطانى سيعلن حملة مدتها 50 يوما لتسليح أوكرانيا    يوسف معاطي: لست ضد الورش التي تكتب السيناريوهات ولكنها لا تنتج مبدع كبير    لا تأخذ كل شيء على محمل الجد.. حظ برج القوس اليوم 21 يوليو    نادية رشاد: أتمتع بحالة صحية جيدة.. وقلة أعمالي الفنية لضعف مضمونها    شقيقة أحمد حلمي عن منى زكي: "بسكوتة في طريقتها ورقيقة جدا"    واشنطن بوست: قراصنة يشنون هجوما عالميا على وكالات حكومية وجامعات أمريكية    دعاء في جوف الليل: اللهم أجرني برحمتك واجبر بلطفك كسر قلبي    فيديو- عالم بالأوقاف يوضح حكم إقامة الأفراح وهل تتعارض مع الشرع    رسميًا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 21 يوليو 2025    اعتذار الهلال عن عدم المشاركة في السوبر السعودي.. والاتحاد يؤكد اتخاذ الإجراءات اللازمة    عبد الكريم مصطفى يشارك فى مران الإسماعيلى بعد التعافى من الإصابة    "يريد أكثر من مبابي".. سبب تعقد مفاوضات تجديد فينيسيوس وخطوة ريال مدريد القادمة    "تدخل الإدارة".. نجم الأهلي السابق يكشف مفاجأة بشأن غضب لاعبي الفريق    أنغام فؤاد ومنيب تتألق في صيف الأوبرا 2025 بحضور جماهيري كبير    السيطرة على حريق محدود بجوار مزلقان الرحمانية قبلي بنجع حمادي    باسل عادل: الوعي ليس حزبًا قائمًا على التنافس الانتخابي الضيق    Golden View Developments تطلق مشروع "TO-GTHER".. رؤية جديدة للاستثمار العقاري المدعوم بشراكات عالمية    مبعوث أمريكي: متفائلون بإمكانية التوصل إلى صفقة بين إسرائيل و"حماس"    آدم كايد: حققتُ حلمي بالانضمام إلى الزمالك    هل يستخدم نتنياهو حالته الصحية لشلّ المفاوضات وتجميد محاكمته؟ (تفاصيل)    غرق مركب في نهر النيل بالغربية.. إنقاذ 3 أشخاص واستمرار البحث عن مفقود    وزير الثقافة يفتتح الدورة ال18 من "المهرجان القومي للمسرح المصري" ويكرم رموز الفن المسرحي    أمين الفتوى: التقديم على شقق محدودي الدخل بغير وجه حق «حرام شرعاً»    دعاء الفجر | اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة «شهداء الحدود»: هل تنجح القاهرة في التخلص من «أعباء الماضي»؟
نشر في المصري اليوم يوم 22 - 08 - 2011

مطالب عديدة هتف بها آلاف المتظاهرين الذي حاصروا السفارة الإسرائيلية في الجيزة.. طلبات كانت تبدو حتى قبل أيام من ثورة الخامس والعشرين من يناير «طائشة» فيما كان الرد على بعضها أن مصر «لا تضع يدها في فم الأسد»، حسب تعبير الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، خلال حرب إسرائيل ضد لبنان في صيف 2006.
مطالب المتظاهرين تراوحت بين «طرد السفير» و«تعديل اتفاقية السلام» و«قطع الغاز» وحتى «تسليم قتلة الجنود للسلطات المصرية» ووقف التطبيع، وهي مطالب تؤكد أن هناك واقعا قد تغير، وترسم طريقة أخرى للتعامل مع «الدولة العبرية» دون خوف من «فم الأسد»، فهل تنتجح الإدارة المصرية في اقتناص فرصة تاريخية نادرة، للتخفف من «أعباء» الماضي بعد مقتل جنودها برصاص الجيش الإسرائيلي؟ هل تنجح القاهرة في استثمار غضب شعبي هادر وتعاطف إقليمي ودولي، لتنزع أبجديات علاقة جديدة مع الدولة العربية التي تبدو منكمشة في الزاوية تنظر للمستقبل بقلق؟
طرد السفير
كان المطلب الأساسي للمتظاهرين هو طرد سفير تل أبيب من مصر، ورغم أن السفير غير موجود بالقاهرة منذ فترة، إلا أن المطلب نفسه، تكرر منذ توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية (1979)، وتطور مع كل اختراق تنزف فيه الحدود المصرية دما صامتاً، بلا رد.
القانون الدولي يعتبر السفارات جزء من التراب الوطني لدولة السفارة، ويعطي القانون نفسه، الحصانة لأفراد البعثات الدبلوماسية، لكن هذه الحصانة ليست مطلقة، فأمام الجرائم الجنائية، تسقط الحصانة عن أفراد البعثة الدبلوماسية، فمثلا هرب أكثر من مسؤول إسرائيلي من العاصمة البريطانية لندن في الفترة من ديسمبر 2009 وحتى يوليو 2010، تجنبا لأمر ضبط وإحضار أصدرته المحاكم البريطانية، وحتى وزيرة الخارجية السابقة، تسبي ليفني، لم تسلم من الأمر نفسه.
ورغم احتمالات سقوط الحصانة على الأفراد، إلا أن المباني التي تضم السفارة تعتبر «أرضا وطنية»، فالسفارة المصرية في تل أبيب تعتبر أرضا مصرية، وبالمثل السفارة الإسرائيلية في القاهرة، ولا يجوز لأجهزة الأمن المصرية دخولها إلا بإذن مسبق. رغم ذلك، يحق للدولة المضيفة أن تعتبر فرداً بعينه، أو مجموعة أفراد من البعثة الدبلوماسية لأي دولة «غير مرغوب فيهم» أوPersona non grataبالتعبير القانوني الدبلوماسي الشائع.
ولا قيود على وصف دبلوماسي بأنه غير مرغوب فيه على الدولة المضيفة، حيث أن اتهام شخص من قبل الدولة المضيفة بأنه يمارس أعمال تتعدى حدود التمثيل الدبلوماسي، يعد مبرراً كافيا لطرده، وعلى الدبلوماسي وقتها، بحكم القانون، حزم أمتعته والتوجه إلى بلاده في مدد تتراوح ما بين 24 إلى 48 ساعة على الأكثر.
القانون الدولي لم يجعل من طرد السفراء إعلانا للحرب، على الإطلاق، وحتى العرف الدولي يعتبر ذلك دليلا على توتر في العلاقات، وليس إعلانا للحرب، فإيران طرد السفير الكندي في 2007، والكويت طرد 3 دبلوماسيين إيرانيين في 2010، و فنزويلا طردت السفير الإسرائيلي احتجاجا على عملية الرصاص المصبوب ضد قطاع غزة.
يمكن لمصر قانون طرد السفير، أو اعتباره شخص غير مرغوب فيه على الأراضي المصرية، وغالبا ما يترتب على هذه الخطوة تسمية سفير آخر بعد فترة.
اتفاقية «الكويز»
هي اتفاقية تجارية بين الولايات المتحدة ومصر وإسرائيل، وهي تقريباً نسخة طبق الأصل تقريبا، من اتفاقيات مماثلة عقدت مع تركيا عقب إعلان تحالفها العسكري مع إسرائيل في 1996، ومع الأردن في 1999 بعد توقيع اتفاقية وادي عربة (اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية) في 26 أكتوبر 1994 برعاية أمريكية.
بدأت فكرة الكويز، مع اتفاقية تجارية بين واشنطن وتل أبيب، تقضي بفتح الأسواق الأمريكية أمام البضائع التي يشكل المكون الإسرائيلي فيها 35%، وذلك بهدف دعم الاقتصاد الإسرائيلي الذي كان يعاني من أزمة حرجة، حيث ضغط اللوبي المؤيد لإسرائيل على إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في 1996 لإصدار القانون رقم 69555 الذي يتيح تخفيض الجمارك الأمريكية على البضائع ذات المكون الإسرائيلي.
«الكويز» هي اختصار ل«اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة» أوqualified industrial zones، ووقعتها مصر في 14 ديسمبر 2004، أشهر من تولي الدكتور أحمد نظيف، المحبوس حاليا على ذمة قضايا فساد- مسؤولية رئاسة مجلس الوزراء في يوليو 2004.
وحسب الاتفاقية، تفتح الولايات المتحدة الأمريكية أسواقها، بإعفاء جمركي، أمام السلع التي يكون المكون الإسرائيلي فيها 11.7%، وتم تحديد مناطق القاهرة الكبرى والإسكندرية (برج العرب والعامرية) وكذلك المنطقة الصناعية في بورسعيد كمرحلة أولى لتطبيع الاتفاقية، التي اعتبرتها حكومة تل أبيب «أكبر إنجاز» للدبلوماسية الإسرائيلية منذ توقيع اتفاق السلام مع مصر.
في الدول التي وقعت قبل مصر، أدت الاتفاقية لأضرار اقتصادية، ففي الأردن تحول الفائض التجاري لصالح المملكة إلى عجز في الميزان التجاري لصالح إسرائيل، وزادت واردات الأردن من المصانع الإسرائيلية، من 29 مليون دولار في 1999 إلى 133.9 مليون دولار في 2003، في الوقت الذي أنشأت فيه الولايات المتحدة 13 منطقة صناعية في الأردن لخدمة الاتفاقية.
أما تركيا، الحليف الاقتصادي والعسكري الأقوى في المنطقة لتل أبيب، اشتكى المصدرون الأتراك من رداءة المنتج الإسرائيلي، مما أثر سلبا على صادرات تركيا للإتحاد الأوربي، وهو السوق الأكبر الذي تتوجه إليه تركيا، فيما ارتفعت الصادرات للولايات المتحدة بنسبة 13%، لكن قيود الإتحاد الأوربي أثرت على قطاعات الصناعة التركية بشكل حاد.
والاتفاقية لا ترتب أي مسؤولية على مصر في حالة إلغائها، سوى أن يسقط الإعفاء الجمركي على بعض السلع المصدرة للولايات المتحدة، بينما يمكن أن تعوض مصر النقص في الصادرات، بالتوجه للاتحاد الأوربي ودول إفريقيا، خاصة مع عزم تجمعات مقل الكوميسا، وشرق أفريقيا إنشاء منطقة تجارة حرة مع مصر عقب الثورة,
وأثارت الاتفاقية وقتها، اعتراضا سياسيا كبيرا، وتذكر الجميع قصة رجل الأعمال الإسرائيلي صاحب شركة دلتا دكستايل ايجيت بمدينة نصر، عزام عزام، كأشهر قضية تجسس صناعي لصالح ا تل أبيب على مصر، حيث أدين عزام بالتجسس والعمل على الإضرار بمصالح مصر الاقتصادية لصالح إسرائيل في 1996، رغم المرافعات المطولة لمحاميه فريد الديب، محامي الرئيس المخلوع حاليا.
وظل عزام في السجن، حتى أفرج عنه بوساطة من رئيس الوزراء الأسبق، أريل شارون في 2004، وعاد إلى تل أبيب ليعرب عن امتنانه ل«الرئيس مبارك والوزير عمر سليمان».
قانونا يمكن لمصر أن تنهي العمل باتفاقية الكويز، كما يطالب المتظاهرون، دون أن يعتبر ذلك عملا عدائيا، حيث أنهت دول مثل الهند، والصين وسنغافورة وماليزيا، عقودا تجارية واتفاقيات مع الولايات المتحدة، في الأزمة العالمية التي ضربت دول جنوب شرق آسيا في التسعينيات.
المنطقة «ج».. تعديل الفراغ
بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، طالبت قوى المعارضة في مصر بإلغاء الاتفاقية، أو على الأقل تعديلها، خاصة فيما يتعلق بالمنطقة «ج» وهي المنطقة الممتدة من وسط سيناء إلى الحدود مع فلسطين المحتلة، بطول خط الحدود البالغ نحو 245 كيلو متر من طابا جنوبا، وحتى رفح المصرية شمالا.
في تلك المنطقة، تنشر مصر نحو 750 عسكري، مسلحين بأسلحة خفيفة، بعضها يقتصر على هراوات فقط، وقبل خلعه بنحو عام طلب الرئيس المخلوع، محمد حسني مبارك، موافقة إسرائيل على نشر 750 جندي إضافيين لتأمين معبر رفح خوفا من اقتحامه تحت ضغط الحصار.
أمام السفارة الإسرائيلية، تراوحت المطالب من تعديل الاتفاقية، إلى إلغاء العمل بها، وفيما يخص التعديل، فالفقرة D من المادة الرابعة من معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية تنص صراحة على أنه«يتم بناء على طلب أحد الطرفين إعادة النظر في ترتيبات الأمن المنصوص عليها في الفقرتين 1، 2 من هذه المادة وتعديلها باتفاق الطرفين». والفقرتين المشار إليهما يتحدثان عن «ترتيبات أمن متفق عليها بما في ذلك مناطق محدودة التسليح في الأراضي المصرية والإسرائيلية وقوات أمم متحدة ومراقبين من الأمم المتحدة.. وكذلك أية ترتيبات أمن أخرى قد يتفق عليها الطرفان».
تملك مصر الحق القانوني في تعديل الاتفاقية لعدة أسباب: أولا مرور أكثر من 33 عاما على توقيعها، دون إخلال الطرف المصري بأي من التزاماته فيها، وثانيا، وحسب العرف الدولي، تعامل الدول بالمثل في الاتفاقيات التي تتم برعاية دولية، لذلك يمكن لمصر أن تطالب بذات صلاحيات إسرائيل في المنطقة D، وهي التي تمثل الشريط الضيق من الحدود الفلسطينية المصرية، والتي يسمح فيها لإسرائيل بنشر 4 كتائب مشاة، مع جميع منشآتها العسكرية، والتحصينات الميدانية، وتتضمن القوة الإسرائيلية هناك، صواريخ أرض جو، و180 مركبة أفراد مدرعة من جميع الأنواع، وحتى إجمالي 4000 فرد مسلح.
تسمح الاتفاقية لمصر بوجود طائرات غير مسلحة في المنطقة «أ» قرب قناة السويس، ويتقلص عدد الطائرات غير المسلحة إلى 8 طائرات فقط في وسط سيناء، فيما تحرم مصر تماما من وجود أي طائرات مسلحة في المنطقة الحدودية، فيما يسمح لإسرائيل بحشد طائرات في المنطقة D ، وهنا يمكن لمصر أن تطالب على الأقل بالتعامل بالمثل، فضلا عن ذلك فالمنطقة «ج» نحو 5 أضعاف المنطقة D، وتحتاج لتأمين مضاعف بالتالي.
أيضا يمكن أن يكون قطاع غزة تحت شروط معاهدة السلام، وهذا يعني ضمه إلى المنطقة D، باعتبارها كانت تحت الإدارة المصرية منذ اتفاق الهدنة في 1949، وحتى بداية حرب 1967، وبالتالي تضطر إسرائيل لسحب أية دبابات أو مدفعية أو طائرات مسلحة من غزة ومحيطها.
نزيف الغاز المصري
وقعت الحكومة المصرية عام 2005 اتفاقا مع إسرائيل لتصدير 1.7 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي، وذلك لمدة 20 عاما، بسعر يتراوح ما بين 70 سنت إلى 1.5 دولار أمريكي لكل مليون وحدة حرارية، فيما تصل سعر تكلفة الوحدة الحرارية إلى 2.6 دولار.
ويمتد الخط الذي يغذي شبكة الكهرباء الإسرائيلية بالغاز المصري لمسافة تقترب من 115 كيلو متر، من المحطات الرئيسية حتى عسقلان المحتلة، وتستخدم إسرائيل الغاز المصري لإنتاج أكثر من 40% من الطاقة الكهربية، حيث تحتاج الصناعات الإسرائيلية، خاصة العسكرية، والصناعات الثقيلة، لمصدر رخيص ونظيف للطاقة.
تتضمن اتفاقية الغاز أيضا إعفاءً ضريبي لشركة الغاز الإسرائيلية لمدة 3 سنوات انتهى في أواخر 2008، ورفضت قوى سياسية عديدة الاتفاقية التي وقعتها الحكومة مع شركة غاز المتوسط التي كان يملك أغلب أسهمها رجل الأعمال الهارب حسين سالم، وشركة إمبال الأمريكية الإسرائيلية، وشركة بي تي تي التايلندية.
وتلوح الشركات الإسرائيلية، باللجوء للتحكيم الدولي إذا انقطع الغاز المصري، في الوقت الذي تنظر فيه محكمة مصرية قضية فساد ضخمة تتعلق بالصفقة، ويمكن للقاهرة أن تحتج لدى المحكمة الدولية، في حالة التحكيم، بأن الصفقة وقعها أفراد غير ممثلين عن الشعب المصري، ومتهمون بالفساد، كما يمكن للحكومة المصرية أن تقطع الغاز باعتباره «يستخدم في انتهاكات ضد حقوق الإنسان»، وذلك بمراجعة استفادة المصانع العسكرية الإسرائيلية من الغاز، والاعتماد على تقارير حقوقية وأممية (منها تقرير جولدستون) تثبت الانتهاكات.
وكانت دول مثل البرازيل، وتشيلي، وفنزويلا قد اتخذت خطوات مماثلة، وألغت اتفاقيات اقتصادية متعلقة بالطاقة (الغاز والبترول تحديدا)، دون أن تصل للتحكيم الدولي، كما فسخت تشيلي عدة عقود واتفاقيات اقتصادية، بدعوى أن من وقعها شخص لا يمثل الشعب الشيلي، وهو الديكتاتور الشيلي أغسطو بونشيه الذي وصل للسلطة بانقلاب عسكري دعمته الولايات المتحدة، في سبتمبر 1973، وتمت الإطاحة به في أغسطس 1990، ليتوفى في 10 أغسطس 2006.
أسف أم اعتذار؟
ظلت تل أبيب وأنقرة، تتمتعان بعلاقات إستراتيجية قوية، فمن تحالف اقتصادي قوي، إلى تحالف عسكري ومخابراتي، جعل تركيا الشريك الأكبر لإسرائيل عسكريا بعد الولايات المتحدة، وجدت تل أبيب نفسها في مأزق مع الحليف الدائم للدولة العبرية، بعد مقل 19 وإصابة 26 من النشطاء الذين حاولوا كسر الحصار المفروض على قطاع غزة بحرا فيما عرف بأسطول الحرية.
9 أتراك من بين الشهداء الذين هاجمتهم وحدة من القوات الخاصة الإسرائيلية، في 31 مايو 2010، وقتها أعلنت أنقرة موقفها المندد بالحادث، مطالبة تل أبيب باعتذار علني للدولة التركية عن قتل مواطنيها، وهو الاعتذار الذي لم تعطه إسرائيل لحليفتها التركية، ورفضته علنا أكثر من مرة.
في أزمة أسطول الحرية، وتحديدا السفينة التركية مافي مرمرة، كان التعاون العسكري والمخابراتي والاقتصادي قائما، فيما كانت الساحة الدبلوماسية ميدان السجال بين الحليفين.
منذ تأسيسها على أرض فلسطين المحتلة عام 1948، لم تقدم أي حكومة إسرائيلية أي اعتذار رسمي، عن أي عمل عسكري على الإطلاق، وحتى حين قتلت طائراتها 30 تلميذا مصريا في مدرسة بحر البقر، في أبريل 1970، رفضت تقديم أي اعتذار، وحين اقتحمت العاصمة اللبنانية بيروت، وأتت برئيس للدولة اللبنانية على دبابة وفرضته على الجميع، لم تقدم أي اعتذار.
الاعتذار يعني ضمنا الاعتراف بالمسؤولية القانونية عن الواقعة، وتجنب إسرائيل للاعتذارات، يحمي ليس كامل التسلسل القيادي الذي أمر وخطط وجهز ونفذ لأي انتهاك.
ترفض إسرائيل تقديم اعتذار رسمي، وكل ما حصلت عليه القاهرة حتى الآن هو «أسف لما حدث»، وهو تعبير قانوني، يجعل الجريمة «صدفة»، والمتهم «أساء التصرف بغير قصد»، وبالتالي يبدو الحديث عن «تحقيق مشترك» بلا معنى طالما لم تعترف الحكومة الإسرائيلية بمسؤوليتها عن مقتل الجنود المصريين.
إسرائيل من الداخل
تبدو إسرائيل حاليا في أضعف حالاتها، فالحكومة اليمينية التي يقودها تحالف بين بنيامين نتياهو رئيس حزب الليكود الإسرائيلي، وبعض الأحزاب الدينية ذات الأقلية في مجلس البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، تتعرض لموجة احتجاجات اجتماعية غير مسبوقة، حيث نشأت حركة اجتماعية شعبية، ضد الناخبين الرئيسيين الذين يعتمد عليهم رئيس الوزراء (سكان المستوطنات)، حيث يقود حركة الاحتجاج طالبي السكن الذين يرفضون الاهتمام بالمستوطنين المتشددين دينيا.
في تل أبيب نظم نحو 300 ألف شخص مظاهرات حاشدة، في دولة تعداد سكانها بين 5 و6 ملايين فقط، وشاهد رئيس الحكومة استطلاعات الرأي التي قالت إن أكثر من 80% من الإسرائيليين يؤيدون حركة الاحتجاج، التي ردت بعد أسبوع بمظاهرات من 12 مدينة لرفض سياسات الحكومة، وسط اتهامات متنوعة لحكومة نتياهو، تبدأ بالفساد، ولا تنتهي بالمطالبة بعدالة اجتماعية.
في هذا الوضع، تجد تل أبيب نفسها على بعد نحو 20 يوما، عليها أن تستعد خلالهم لمعركة دبلوماسية في أروقة الأمم المتحدة، حيث تقود السلطة الفلسطينية، التي تصالحت مع غريمها الغزاوي «حماس»، حملة للاعتراف بدولة فلسطينية ذات سيادة على ما قبل حرب 1967، وهو الحدث الذي كانت تصفه الصحف الإسرائيلية بأنه «تسونامي سياسي» ربما يجعل معادلة الصراع بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال «مفزعة» بالنسبة لتل أبيب.
في مساء الخميس، ارتكبت القوات الإسرائيلية، «جريمة معتادة»، حيث حولت أجساد الجنود المصريين على الحدود ل«لوحة تنشين»، لكن ما فات تل أبيب أن عهد «الفزاعات» انتهى برحيل ومحاكمة الرئيس المخلوع، لذلك اضطرت الحكومة الإسرائيلية للتراجع مع كل ضغط مصري، وإبداء أسف بدأ بوزير الدفاع، ووصل إلى رئيس الجمهورية، مع إعلان «حماس» إنهاء الهدنة، وغضب القاهرة، ومحاصرة السفارة، وجدت إسرائيل نفسها في حاجة ماسة للتراجع «بأي ثمن» سياسي حتى تمر العاصفة التي أربكت الجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.