الصورة تكاد تكون متشابهة، لا يختلف فيها سوى غياب صورة مبارك وشعار الحزب الوطنى، الذى كان ينتشر بقوة فى المناسبات الدينية المختلفة خصوصاً فى شهر الصيام مطبوعاً على ما يعرف بشنط رمضان، التى تغزو الأحياء الشعبية والفقيرة، التى لم تكن أبداً لوجه الله، بل كانت رشاوى انتخابية، وبعد سقوط الحزب الوطنى سقط السلاح فى يد جماعات وقوى سياسية عديدة، فضلاً عن أنه أحد الأسلحة القوية فى يد جماعة الإخوان المسلمين منذ سنوات، والتى طالما حرصت على تطويره عاماً بعد عام، وحرصت أيضاً على انتشاره، خصوصاً فى القرى والمحافظات والأحياء الشعبية بالقاهرة والمدن الكبيرة. ومع بداية هذا الموسم والوقوف على أبواب الانتخابات التشريعية الأولى بعد الثورة، بدا هناك صراع محموم بين القوى السياسية والأحزاب، التى لم تتمكن من ابتكار أدوات ووسائل تحصل بها على تأييد الناس أفضل من شنط رمضان. الجماعة السلفية أعلنت من خلال الجمعية الشرعية أنها ستقوم بتوزيع نحو مليون شنطة من شنط رمضان، وتوزيعها فى صورة «عطايا»، فى الوقت الذى قامت فيه جماعة الإخوان المسلمين بتوزيع شنط رمضان والإعلان عن إقامة معرض مستلزمات رمضان فى عدد من المحافظات بسعر التكلفة، بعض الأحزاب الناشئة قررت استخدام الأسلوب ذاته، من خلال بعض مرشحيها فى الدوائر. من جانبها حاولت الدولة تخفيف العبء على المواطنين بعد الثورة، خصوصاً فى ظل ارتفاع الأسعار، وقامت ممثلة فى القوات المسلحة، بتقديم معونات عينية فى شكل شنط رمصانية، قيل إن عددها تجاوز 250 ألف شنطة. الأمر الذى يشبه العام الماضى، خاصة مع تزامن رمضان مع انتخابات مجلس الشعب 2010، حيث حول الحزب الوطنى المنحل وجماعة الإخوان الشهر الكريم إلى معركة انتخابية تقوم بالأساس على ابتزاز المواطن البسيط، حيث أعلن الحزب وقتها أنه قام بتوزيع أكثر من مليونى شنطة رمضان. ويعلق نبيل عبدالفتاح، الباحث المتخصص فى شؤون الجماعات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: «أعتقد أن استغلال القوى السياسية لتوزيع شنط رمضان، استمرارية لنفس فكر النظام السابق، والتى تعتبر الفقراء والمستضعفين هم المادة الخصبة لإعادة التشكل وشراء الإرادة والمصير، واستكمال لسوق النخاسة السياسية التى نعيش فيها منذ ما يقرب من 60 عاماً فى ظل نظام تسلطى وغير ديمقراطى، وينظر للمصريين بصفتهم أشخاصاً لا يملكون إرادتهم السياسية، وللأسف الشديد لم تكن تلك ثقافة الحزب الوطنى بمفرده، إذ كانت ثقافة المستقلين والأحزاب الأخرى فى الانتخابات، لأن الجميع يستخدم الدين والمناسبات الدينية، ومنها شهر رمضان الفضيل، كإطار زمنى للتواجد قبل الانتخابات، وعدد المستفيدين من الأمر لا يتجاوز مليون أو نصف مليون مواطن، وهو أمر يعبر عن قصور سياسى، إذ لم يفكر أحد فى إقامة مشروع تأهيل أو إعادة تأهيل لتدريب أو تعليم الناس أكثر أهمية وأكثر فهماً للاحتياجات الحقيقية للمصريين». ويضيف «عبدالفتاح»: «الأمر راجع إلى تأثير الفكر الدينى المحافظ على طريقة تفكير المواطن، والذى استغله الإخوان والتيار السلفى طوال السنوات السابقة، حيث أعادوا فكر العطايا التى ترمى إلى محاولة التلطيف من الاحتقانات الواسعة، والخطر الحقيقى هو إخراج أمر توزيع الشنط من خانة البر والإحسان التى تهتم بالجانب القيمى والأخلاقى، إلى الاستغلال السياسى فى ظل المناخ السائد، وأعتقد أن الإخوان ورجال الأعمال وبقايا الحزب الوطنى سيظلون مستغلين لهذا الأمر لإعادة إنتاج التخلف السياسى وتحويل المستضعفين فى مصر إلى مادة لإعادة تشكيل قيم الانصياع والخضوع، ويستخدم المال لتمكين القهر والاستغلال. الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع جامعة عين شمس، ترى أن تأثير استغلال شنط رمضان من القوى السياسية كنوع من الترويج والدعاية يؤثر اجتماعياً على المجتمع ويعيده إلى المربع صفر، ولا يحركه خطوة للأمام بعد الثورة، وتقول: «التقدم السياسى يقاس دائماً بما ينعكس على المجتمع، ورغم أن استغلال الدعاية الانتخابية فى العالم أمر مشروع، إلا أن الأمر فى مصر يركز على نقطتى الفقر والغذاء، كتأكيد لقيمتى الانصياع والتخلف السياسى، أو لفرض رأى يعمل على توجيه المواطن لجماعة معينة، فشوال القمح يغير الأصوات فى الدائرة، والفقراء لا يملكون رفاهية الديمقراطية، بسبب استغلال القوى السياسية لفقرهم». وتضيف «خضر»: «الثورة ليست زراراً سحرياً تعمل على تغيير المجتمع بين يوم وليلة، والقوى السياسة عودت المجتمع على هذا الأمر منذ سنوات، وبالتالى فإن توقفها أمر مستحيل، لأن المجتمع اعتاد العطايا، والمرشح اعتاد على التأثير بتلك العطايا، كما أن المرشح المصرى يفكر بطريقة «لو لم أفعل ذلك لفعلت باقى القوى السياسية»، وبالتالى تنتج حالة التسابق والتبارى فى استغلال الفقر وتوزيع شنط رمضان بين الفصائل السياسية المختلفة».