ربما تعمل لوقت طويل ، فتعود للمنزل حيث تفتح الجهاز الذى لم يعد عصرى منذ مدة طويلة ، اكثر من خمسين عاما هو عمر التلفزيون فى مصر ، فتستجم و تستريح امامه و تشاهد فقرة تلفزيونية او فيلم او تتابع مسلسل ، قد تتابع برنامج حوارى . قد تكون ممن يقضون اوقاتهم اصلا فى متابعة لذلك الاختراع العظيم الذى انشىء اساسا لتنمية الوعى و الثقافة ، تنمية معدلات الفكر ، المساعدة على زيادة اطراف الحوار ، تبادل الافكار و الرؤى ، معرفة كل جديد يحدث حولنا ، لا مانع من قليل من الترفيه او كثير – كل حسب مشاهدته و ذوقه - ، قد تتابع مباراة كرة قدم ، او تتابع كل جديد فى بلادنا و البلاد المحيطة و العالمية . لكن ما يسعدك احيانا و يصيبك بالضيق احيانا ، هو تخلل ذلك بفقرات اعلانية ، قد تسأم من طول الفقرة الاعلانية ، نحن هنا لا ننتقد الدفع بالاعلانات او طولها ، فنحن نعلم ان الاعلانات هى مصدر الدخل الرئيسى للقنوات لتغطية مثل تلك البرامج و تكاليفها ، لكن انا انتقد بعض الاعلانات و ليس كلها ، مما قد نراه سقيما و غير ممتع على الاطلاق ، بالرغم من ذلك يصرون على اعادته مرارا و تكرارا ، فقط لان صاحب المنتج يصر على اذاعته مرارا و تكرارا ، لانه تكلف بنفسه و بشركته الانفاق على اذاعته لمرات عدة . ان كنتم ستنفقون اموالا طائلة لعرض الاعلان لمرات علينا ، فعلى الاقل انتقوا نوعية اعلان جيدة تحترم عقول المشاهد ، لا تتسلل من تحت الابواب كما عبر الدكتور مصطفى محمود من قبل ، فتصيبنا بالملل على اقل تقدير من كثرة تكرارها ، لا تسمح بعبارات غير اخلاقية و تطاولات على العادات و التقاليد المصرية التى اعتدنا عليها ، لا تقتل فينا الطبيعة الفطرية ، لا تحترم عقول المشاهد و تخاطب عقولا من الاغبياء ، تقضى على وسائل التعبير و التفكير و التأمل ، تخلق اجواء من العته الاعلانى فى عقول المشاهد ، صورة مشوهة لكل لطفل عن الحياة التى يستعد لاستقبالها بصدره و عقله الداعى دائما للتفكير و التقبل من كل شىء . تجد اعلانا عن شامبو للشعر ، ترتدى فيه الممثلة شعرا مستعارا ، تحدثك ان شخصية المرأة تبدأ من جمال شعرها ، ان خبير تجميل شعرها ملازم لها فى المنزل .. ما نوع هذا الاعلان الذى يتصور فى المرأة الغباء لدرجة انها تعبر عن نفسها بواسطة شعرها ؟؟ هل ستذهب الى عملها لتؤديه بواسطة شعرها ؟؟ هل ستصوت فى الانتخابات بناءا على لون و طبيعة شعرها ؟؟ هل ستحتك بالمجتمع و تزاول حقوقها و تؤدى واجباتها بواسطة شعرها ؟؟ هل ستربى ابناءها و تعلمهم لا شىء سوى الاهتمام بشعرها ؟؟ هل تحولت المرأة و اختزلت الى شعر اسود طويل ناعم يزداد بريقا تحت اضواء الغرفة ؟؟ تجد اعلانا عن فيلم لا يوجد فى البرومو او المادة الاعلانية عن الفيلم سوى قبلات و الفاظ قبيحة ، يندى لها جبين الفتاة و الطفل حديث العهد بهذه المشاهد و الالفاظ ، مشاهد ساخنة و ايحاءات جنسية لا اعتقد ان اى من الاسلام او المسيحية يرضى عنها ، لا اعتقد ان القيم المجتمعية ترضى عنها ، لا اعتقد ان التربية المصرية للابناء ترضى على ان يشاهدوا مثل تلك الجرائم التى تقدم على الشاشة ، و لا اظن ان حتى الفيلم يحتوى لقطات اخرى غير ما يتم عرضه فى الاعلان . اذا لم الاصرار على مخاطبة الغريزة فى الفيلم من اجل ربح رخيص ، من خلال تدمير عقول و نفوس ، تخريج مشاهد مشوه العقل ، مدمر النفسية ، مشتت الاتجاه ، متعجل فى الحاجة لاشباع رغباته عن تحقيقها بطريقة شرعية ؟؟ يتم اذاعة اعلان يتحدث فيه الابن بطريقة وقحة مع والده ، يفرض عليه المنتج من خلال المادة الاعلانية ، لو سألت الطفل ممثل الاعلان نفسه لقال لك انه لا يجرؤ على ان يخاطب والده بمثل تلك الطريقة ، لكن الاعلان يظهر ولدا يخاطب والده بعبارات و تصرفات غير لائقة ، يشجع ابناءا صغارا على نفس الفعل من منظور ما يشاهد على التلفزيون ، لا يمكن لاحد ان يعيب على الطفل انه يتعلم ، فهو فى تلك المرحلة متعلم اكثر منه مفكر ، يحتاج لمن يصحح له ، فلو غاب المصحح لكانت المصيبة اعظم ، بالتالى قد تجد تراكم من تلك المشاهد تؤثر فى جوانب الطفل و طرق التعامل عليها . اعلان تافهه و سخيف لمنتج بالشطة والليمون ، لا اعرف ما علاقة ذلك بتجعير الصوت احيانا ، ايلام اذننا احيانا اخرى ، عن شخصية مؤدية للدعاية للمنتج يغنى احدى الاغانى القديمة بشكل سخبف و احمق ، ينتابه نوبة من الصراخ من داخل حنجرته ليصيبنا بالقرف . اعلان عن ماكينة حلاقة ، يخدع فيها عميل – لا اعلم لاى جهة - لسيدة بواسطة نعومة ذقنه فيبدل الحقائب و يهرب بالحقيبة التى بها الهدف المطلوب .. اى سماجة و استخفاف بعقولنا ؟؟ حتى الثورة لم ترحم من ايدى هؤلاء ، كل الشركات توقف سوق عرض منتجاتها اثناء الثورة ، بصراحة شعرنا بالارتياح قليلا ، لنقص فترة الاعلان ، اعتماد الفاصل بشكل اساسى و حصرى على اغانى وطنية ، لا اعلانات ، لا دعاية ، الغضب و السخط منصب على جهات واحدة و ثابتة – عند الاغلبية – فقط كان تركيزنا على الثورة و احداثها .. و تنتهى الاحداث الساخنة لتبدأ حملة من كل الشركات ، تتسول احدى الشركات بأنها لا تتأثر بالحالة الاقتصادية و مستعدة لبيع نفس المنتج بسعر اقل ، اخرى نعلم تمويلها و انتماءها تدعو الى المشاركة معهم فى بناء مصر ، هم بحسب اعتقادى لم يبدأوا اصلا ، هم فقط يريدون ان يقولوا انهم متواجدون ، ان المنتج مطروح بالاسواق ، لكن بشكل اقل استفزازا .. غابت عن اعلانات ما بعد الثورة فعلا من يحتاج لاعلانات تحسن صورته ، مثل الصحف القومية ، الاعلام الحكومى . الجهات و الاجهزة التى تحتاج لتغسل جرائمها القديمة بماء البرد ، لاتزال اما فى طبعها النجس الفاسد القديم ، او تتحسن تدريجيا و لكن بالشارع الخلفى . لم لا يبادرون و يعلنون للناس انهم يتطورون ؟؟ لم لا يطلون علينا باعلانات محترمة يبدون فيها استعداداهم لجعل الناس تنسى ما بدر منهم سابقا ، انهم عاهدون بصفحة جديدة مع الشعوب ؟؟ احدى شركات المحمول تريد ان تتحفنا بانها مفجرة ثورة يناير باعلانها التافه الذى يخبرنا عن كلام مرسل ، كل جملة فيه صحيحة للحقيقة ، لكن ترابط الجمل سويا لا يمكن ان يكون فكرة واحدة متناسقة مع ما قبلها و ما بعدها ، الغرض من الاعلان كان استقدام ممثل كبير يقول كلام يبدو مهما كأول اعلان له من فترة طويلة ان لم يكن فى حياته ، فلا داعى لربطه بالثورة و موقفكم المخزى من المشاركة فى قطع الاتصالات عن المصريين فى اوقات الثورة اكبر شاهد انكم كنتم ضلعا مؤثرا فى محاولة افشال الثورة حتى و ان كان بضغط عليكم . كان يكفيكم ان تبدأوا معنا صفحة جديدة و تهبوا جزء من ارباحكم للثورة ، او ترعوا مشروعا كبرا للمصريين ، او تقدموا عملا خيريا لدعم الشعب او الثورة عوضا عن كلامكم المستفز ، تصريحاتكم المنفرة ، التى لن اذكر تعليقات المصريين عنها على صفحات الفيس بوك . من فضلكم احترموا عقولنا ، لا تقدموا لنا عته اعلانى كالذى تشاركتم فيه قبل الثورة ، الذى اعدتموها لشاشاتنا بعد استقرار الاوضاع فى البلاد بعد خلع الرئيس السابق بفترة ، من فضلكم كفوا عنا الاعلانات الرخيصة و الغير اخلاقية و التافهة و المخالفة لادابنا ، احللوها باعلانات تخاطب المشاهد مباشرة دون تفاصيل خارجية لا شأن لها بالمنتج ، او تنعى الاخلاق و الضمير مع كل عرض للاعلان .