النظام الإسلامى الصحيح وفزاعة الأنظمة الشمولية مما لا شك فيه أن بعضا منا يجزع عند سماع كلمة الحكم الإسلامى حيث تتواتر إلى ذهنه على الفور حكومة حماس والرئيس الإيرانى أحمدى نجاد بينما ينظر إليه البعض الآخر على أنه الأمل فى استعادة الريادة على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم مع توارد نفس الصور إلى مخيلته !! يرى بعض ثالث – منهم الفقير إلى الله – أن كلا الطرفين مغال فى وجهة نظره, وذلك نتاج سنوات طويلة من حكم الانظمة الشمولية والمناهج الخاطئة للجماعات الإسلامية التى بدأ بعضها بنوايا سليمة انحرفت مع الوقت وذيوع الصيت بينما طمح آخرون إلى المناصب وتطلعوا إلى سدة الحكم, وانتهت فروع منهم إلى التطرف وتكفير المجتمع, ومن ثم الإرهاب الفكرى والجسدى. وقد دأبت الأنظمة الشمولية المستبدة بطبعها على استخدام الحكم الإسلامى كفزاعة ليس لاهتمامهم بمستقبل بلادهم أو شعوبهم كما زعموا, ولكن لتوطيد أركان حكمهم الفاسد, وتأصيل استبدادهم بل وجعل أنظمتهم الفردية الظالمة هى الملاذ الآمن من النظام الإسلامى. وقد ساعدت الجماعات الإسلامية المختلفة هذه الأنظمة بفكرها المحدود وتصرفاتها الخاطئة وتصريحاتها المستفزة. ومن الجماعات التى عادت للظهور بقوة على الساحة السياسية والاجتماعية هى الجماعات التى زعمت أنها سلفية, والتى اكتفت طوال فترة النظام الساقط بشرائط التوعية الدينية فى الفقه والشرائع، وكيف تعود للأمة مكانتها دون التعرض للنظام ذلك أن الخروج على الحاكم مهما بلغ غيه حرام شرعا على حد قولهم! وإذا بهم يتظاهرون اليوم لأسباب قائمة منذ زمن بعيد, وكأنهم تحرروا بعد خلع الحاكم من ذنب الخروج عليه. وتمادوا فصاروا يطبقون الحدود بأيديهم متناسين أننا فى دولة قانون, وأن تطبيق الحدود فى الإسلام له شروط عديدة. إن قصر الإسلام العظيم على تطبيق حدود الشريعة لهو إقلال من شأن هذا الدين وتسطيح غير محمود لفحواه. فالنظام الإسلامى شامل للعدل والمساواة وتوفير الاحتياجات الضرورية للمسلمين فمن غير المعقول تطبيق قطع يد السارق دون أن نوفر له الطعام والمسكن والملبس, كما أنه ليس مقبولا أن نطبق حد الحرابة على فصيل من الناس دون آخر. ولكى يتضح خطأ فهم هذه الجماعات السلفية يتعين علينا أن نعيد النظر فيما حدث فى الاستفتاء الأخير على التعديلات الدستورية. إذ انتشرت دعاوى هذه الجماعة السلفية للمسلمين للموافقة على التعديلات المذكورة حفاظا على المادة الثانية من الدستور – أن الإسلام مصدر التشريع الرئيسى للدولة – غير المشمولة أساسا بالتعديلات. وقد قرأت بنفسى إحدى هذه الدعوات المعلقة على أحد المساجد فى منطقة شعبية بالقاهرة الكبرى فهالنى ما فيها. وضحت الدعوة إضافة لما قلت آنفا أن التعديلات تشمل تحديد مدد الرئاسة بمدتين لا ثالث لهما زمن كل منهما أربع سنوات وأن هذا النظام الرئاسى ليس النظام المعمول به فى الإسلام, فالنظام الإسلامى – كما بينت الدعوة – هو الخلافة والخلافة فى الإسلام غير محددة بمدة, ولكن هذا هو أفضل المتاح حاليا. إذن تدعو الجماعة إلى الموافقة على النظام الرئاسى محدود المدة مؤقتا لحين إقرار نظام الخلافة. ومما سبق نتبين النية الخبيثة المبيتة حال وصول أحد المسمين بالسلف حيث يعود الحكم الأبدى مما يؤسس بالضرورة لنظام مستبد جديد. وقد اتبع قطاع كبير من شعبنا الطيب هذه الدعوة حتى لا يتغير دين الدولة ولأنه – كما سمعت من احدهم – هؤلاء – يقصد شيوخ السلفيين – لن يضللونا أبدا. وهنا نصل إلى عقدة الخلافة والحاكمية بأمر الله. عندما بايع المسلمون أبا بكر – خليفة رسول الله – طلب منهم أن يقوموه حال اعوجاجه. ذلك لأنه أيقن بتقواه – رضى الله عنه – أن وحى السماء الذى أحاط بأقوال وأفعال النبى – عليه الصلاة والسلام – قد انقطع إلى الأبد. ولكن الخلفاء الإسلاميين بعد الراشدين تمسكوا بمبدأ أن طاعة الخليفة من طاعة الله لأنه يحكم فى الأرض بشرع الله سبحانه وتعالى رغم أنه لم تتم مبايعتهم من جمهور المسلمين كما حدث مع الراشدين بل تقلدوا الخلافة بالوراثة. وعمدت بطانتهم وحاشياتهم إلى تأكيد هذا الأمر تماشيا مع مصالحهم الشخصية متجاهلين مبدأ الشورى الذى أرساه النبى عليه الصلاة والسلام. عندما سئلت السيدة عائشة – رضى الله عنها – عما حدث للخليفة الراشد عثمان بن عفان – رضى الله عنه – أجابت بفطرة سليمة صنعت فى بيت الصديق وصقلت فى كنف الحبيب – صلى الله عليه وسلم – بكلمات بسيطة، قالت " طال عليه الأمد فملوه " لله درك يا أم المؤمنين. طال عليه الأمد فملوه. ملوا من؟ ذا النورين, مجهز جيش العسرة, الذى اشترى البئر ليرتوى المسلمين وأعتق العديد من الرقاب. لماذا؟ لأن طول فترة الحكم يؤدى إلى عدة مزالق وقع فيها – رضى الله عنه – أهمها تفضيل أهل الثقة و اتقاء شر الطامعين الطامحين. أيضا أكد علم النفس الحديث المتخصص فى الموارد البشرية أن الإنسان لا يكون عنده الجديد ليعطيه بعد توليه منصب ما لمدة عشرة أعوام, ونصح بتغيير الإنسان لمنصبه ليواصل الابتكار والإفادة. بينما وضح المتعمقون فى زوايا النفس البشرية أن طول الاستمرار فى مقعد السلطة يؤدى إلى طغيان الصورة الاجتماعية – وهى ما يراه الناس – على الصورة الذاتية – حقيقته أمام نفسه – والصورة لمستقبلية – أى كيف يرى نفسه فى المستقبل – فيظن أنه الأعلى وأنه ليس عاديا بذاته بل مميزا على سائر الخلق فى تفكيره وأفعاله. وذلك ما حدا بالأنظمة التى أرادت أن تتخذ نحو التقدم سبيلا أن تحدد مدد الرئاسة بمدتين تتراوح الواحدة منهما بين أربع وست سنوات. نعلم جميعا أن آخر خلافة إسلامية – العثمانية – قد انتهت بسقوط السلطان عبد الحميد عام 1924 على يد أتاتورك مؤسس دولة تركيا الحديثة, كما نعلم أن نهايتها الفعلية كانت قبل ذلك بعقود حيث استقلت أمصار فعليا وبقيت تابعة بالاسم فقط بينما احتلت أمصار أخرى بجيوش الدول الأوروبية. أسست الخلافة العثمانية لسياسة عزل الشعوب عن العالم الخارجى وتسطيح أذهانهم وتعميق الجهل فى نفوسهم؛ فعزلتهم عن التقدم العلمى والفكرى لثلاثة قرون بغية الحفاظ على ولائهم واستمرار سيطرتهم عليهم. لما سقطت الخلافة سارع المنافقين بتزيين مقعد الخلافة الخالى لحكام المنطقة لاسيما الملك عبد العزيز آل سعود والملك فؤاد. عندما بدأت دعوة حسن البنا إلى إنشاء جماعة الإخوان المسلمين 1928 داعيا الناس إلى محاربة المنكرات والعودة إلى صحيح الإسلام, استخدم مع أتباعه مبدأ الطاعة العمياء بعد المبايعة فى جميع الأحوال والظروف فبدأت الجماعة صغيرة بمجموعة من الحرفيين الذين لم يجدوا غضاضة فى اتباع رجل يقول ربى الله ودينى الإسلام وهدفى إعلاء كلمتى الحق والدين. بعد ذلك امتدت الجماعة لأوساط الطلبة والمثقفين حتى وصلت إلى ما وصلت عليه الآن. ولا يعنينا هنا ما كان من نوايا حسن البنا والأساليب التى انتهجها فى دعوته إنما يهمنا ما يتصل بفكرة الخلافة. بدأت الدعوة دينية لكن سرعان ما اشتبكت خيوطها بحبال السياسة. فمن تمويل سعودى من الملك التواق للخلافة إلى ارتباط الجماعة بالقصر فى محاولة من الملك فاروق للوقوف أمام شعبية حزب الوفد الطاغية وصولاً إلى المنافسة على مقاعد البرلمان آنذاك. لم يكن غريبا من حسن البنا أن يدعو إلى إحياء الخلافة ذلك أن العالم الإسلامى كان حديث العهد بسقوطها, كما أن ذلك كان أقصر الطرق وأيسرها لمواجهة الاحتلال وأعوانه, ولم يكن حسن البنا أول من اتخذ هذا السبيل بل سبقه فى ذلك مصطفى كامل إذ بنى دفاعه عن الاستقلال على أن مصر (ولاية عثمانية) تابعة للسلطان لا للتاج البريطانى. بعد وقوع الخلاف بين السراى والإخوان المسلمين تحالف الإخوان مع الضباط الأحرار لقيام ثورة يوليو متطلعين إلى نصيب فى الحكم ولما تنكرت لهم الثورة ونكلت بهم عادوا إلى العمل الدعوى السرى حتى وصل الرئيس السادات إلى كرسى الرئاسة وقرر التحالف معهم – مكررا خطأ الملك فاروق – ليواجه المد الشيوعى الجارف الناتج عن سياسات سلفه. وكان فى هذا الخطا ما أدى إلى مصرعه على يد الجماعة الإسلامية أحد الفروع الكثيرة التى ظهرت نتيجة إعطائه التيارات الإسلامية حرية العمل والحركة ولو لفترة وجيزة. وفى نهايات عهده عادت الاعتقالات السياسية للتيارات الإسلامية وغيرها فرجعت مرة أخرى إلى السرية. اتجهت معظم التيارات الإسلامية بعد ذلك إلى العنف والإرهاب لمواجهة قمع النظام الوحشى لحركتهم, بينما استعانت جماعة الإخوان المسلمين على حظر نشاطها بالتحالف مع حزب الوفد تارة وحزب العمل تارة أخرى كما اتخذت من النقابات والاتحادات الطلابية الدرجة الأولى فى السلم الموصل للحكم. ولابد من الاعتراف بأن الجماعة كانت منظمة أشد التنظيم ويتسم المنتمون إليها بنفس مبدأ الطاعة العمياء؛ فنجحت بالفعل فى السيطرة على النقابات والاتحادات الطلابية عن طريق تقديم خدمات طلابية ومهنية حقيقية. وقد تعامل النظام البائد معهم بغباء سياسى إذ عاداهم علنا واستغل قانون الطوارىء فى تقييد حريات قياداتهم، بل تصرف بصبيانية فى بعض الأحيان مثلما كان يقبض على طلابهم الجامعيين المرشحين لاتحاد الطلاب عشية انتخابات الاتحاد حتى لا يتمكنوا من الترشح. وقد نتج عن هذه السياسة ازدياد التعاطف معهم خاصة وأنهم بالفعل يقدمون خدمات خيرية امتدت من الجامعات والنقابات إلى المجتمع بأسره كمساعدة الفقراء والطلبة المعوزين. وإذا أضفت إلى ما سبق التزامهم كافة بالذهاب إلى صناديق الاقتراع وعزوف غيرهم عن المشاركة – بسبب تيقنهم من أساليب النظام الحاكم فى تزوير الانتخابات وغلق مراكز التصويت – لكان لزاما ازدياد أعدادهم وحصولهم على مقاعد بالبرلمان قبل الأخير المنحل. ولكن مع تنظيمهم ودأبهم هل تغيرت بداخلهم فكرة الخلافة؟ المتابع الجيد لهم يعلم أن هذه الفكرة ظلت متحجرة لا تتزعزع حتى وقت قريب, وقد ظهر ذلك جليا واضحا فى جملة المرشد السابق لهم الشهيرة " لا عيب فى أن يحكمنا أى مسلم من أى دولة, سواء كان من باكستان أم تركيا؟" أو كما قال, ولما سئل عن الهوية المصرية أجاب " طظ فى مصر " فكانت وبالا عليه. المقولة السابقة أو ما شابهها من أقوال وأفعال كانوا خير معين للنظام على استخدام فزاعة الحكم الإسلامى. ونجح فى قصر صورة الحكم الإسلامى على طالبان أفغانستان أى اللحية والسروال القصير والجلباب والعقل المتخلف. قال الإمام محمد عبده – رحمه الله – " لعن الله ساس ويسوس "، وهو بذلك لم يقصد لعن السياسة نفسها كما يظن البعض ولكنه أراد أفعال الساسة من كذب وخداع. ونسب إلى الرئيس الراحل أنور السادات قوله " أعلم أن الإسلام دين ودولة, ولكنى أقول إنه لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة" , وبغض النظر عما إذا كان – رحمه الله – قال ذلك بالفعل وعما عناه به فلاشك أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قد أقام دولة مدينة فى المدينةالمنورة. كيف لا وقد عاهد اليهود وأرسل الرسائل والسفراء للملوك والأمراء وعقد صلح الحديبية مع أعدائه رغم ما بدا فيه من إجحاف لبعد نظره السياسى عليه الصلاة والسلام؟ ولكن هل النظام الإسلامى جامد لا يصلح إلا لهذا العصر؟ الحقيقة أن النظام الإسلامى مرن لين وبمقدوره أن يواجه متغيرات الزمان. فالأئمة العظام – أبو حنيفة ومالك والشافعى وأحمد – اتفقوا على الأصول واختلفوا فى الفروع منشئين المذاهب الأربعة. وظهرت مذاهب أخرى فيما بعد مع تطور الزمن مثل مذهب ابن حزم. نفس الشىء ينطبق على الحكم الإسلامى الذى يجب أن يحافظ على الثوابت – مثل تحريم الزنا والربا مثلا – مع تطوير باقى الفروع التى تنظم أمور العباد الاجتماعية والمالية والأمنية بما يتناسب مع الأوضاع العالمية الحالية. والمدقق فى أمر اتحاد المسلمين جميعا – أو الدول الإسلامية على الأقل – تحت لواء خليفة واحد – يجده غير قابل للتطبيق فى العصر الحالى إذ زادت العرقيات وتفككت الاتحادات وانفصلت الدويلات, ورأت كل فصيلة أحقيتها فى استقلالها بأمرها وتقرير مصيرها. والأمثلة كثيرة أهمها دول الشرق الأوروبى التى تكونت إبان الحرب العالمية الثانية مثل تشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا ومن قبلها الاتحاد السوفيتى, وغيرها وصولا إلى جنوب السودان ناهيك عن تجربة الوحدة الفاشلة الدولتين العربيتين اللتين يدين معظم أهليهم بالإسلام وأعنى مصر وسوريا. أما الذين يتحدثون عن الوحدة الطبيعية التى تربط المسلمين ببعضهم والتى يجب استثمارها فى أمة إسلامية واحدة قوية فهم على حق فى تقريرهم قوة أواصر الترابط بين المسلمين, ولكنهم أخطأوا فى تطبيق الاستفادة من هذه القوة. فالمسلمون بالفعل يجتمعون على أمور كثيرة ندر ان يجتمع على مثلها غيرهم إذ يفرض عليهم كتابهم الكريم تعلم لغة واحدة, ويصومون جميعا فى شهر واحد ثم هم ينفردون بأكبر تجمع بشرى يفوق عدد أفراده أى جمع آخر – وذلك يوم عرفة – فضلا عن الاجتماعات الأسبوعية التى كانت أحد المحركات الرئيسية للثورة. إلا أن الطريق القويم لتفعيل هذه الوحدة هو ما اتبعته دول أخرى وأثبت نجاحه الباهر رغم عدم توافر هذه الروابط بينها وأعنى الوحدة الاقتصادية. نعلم أن تفوق الأمم حاليا يحسم بالاقتصاد وليس بالقوة العسكرية وحدها والدليل هو تخلى الدول الكبرى عن الاحتلال العسكرى واستبدال الاحتلال الاقتصادى به. يبدو ذلك بوضوح فى دول الاتحاد الأوروبى وقوة عملتهم التى نافسوا بها الدولار الأمريكى الذى ظل مسيطرا على غيره من العملات لفترة طويلة. وقد بدأ الاتحاد الأوروبى بالسوق الأوربية المشتركة التى سرعان ما حاولت البلاد العربية اتباع نهجها بفكرة إنشاء السوق العربية المشتركة، التى ظلت ولم تزل مجرد فكرة منذ أكثر من أربعين عاما. والسبب لا يحتاج إلى توضيح فالجامعة العربية صاحبة الفكرة لم تستطيع تنفيذها بسبب الخلافات المستمرة بين أعضائها ذلك أن الحكام العرب لم يتطلعوا يوما إلى وحدة عربية حقيقية قدر ما تطلعوا إلى الحفاظ على مقاعدهم ومصالحهم الشخصية فاقتصرت القمم العربية على الشجب والتنديد والقرارات غير المفعلة. نعود إلى الفزاعة الشمولية والتخوف من وصول الإسلاميين إلى مقاعد الحكم لنجد أنها بالفعل فزاعة – أى خيال مآتة – تخيف ولا تضر إذا ما عولجت بالطريقة السليمة وهى الديموقراطية وليس القمع وتقييد الحريات كما بينا. إذا وصلت جماعة الإخوان المسلمين – مثلا – إلى أغلبية بالبرلمان فى إطار العمل العلنى؛ فإن الشعب سوف يرى طريقة حكمهم وقيادتهم وإدارتهم للبلاد مما يتيح له الحكم بصورة أفضل على صلاحيتهم لهذه المهام , ذلك أن العمل العلنى يظهر مقدار الكفاءة الفعلية المبنية على التجربة وليس العاطفة. كما أن العمل فى العلن سوف يظهر تيارات مختلفة وتباينا فى الآراء بداخل الجماعة نفسها – كما بدأ يحدث بالفعل – عكس العمل السرى الذى يفرض التماسك ووحدة الرأى. هذا التباين قد يؤدى إلى انتهاج سياسات أفضل وأجدر بالتنفيذ, وفى حالة استمرار العيوب المتأصلة فى الجماعة, وتمسكها بالجمود, فإن الجماهير لن تنتخبهم فى الدورة التالية بل وقد تسقطهم قبل استكمال نفس الدورة كما فعلت مع النظام البائد؛ لأن زمن الخضوع وعدم الاعتراض قد انتهى بثورتنا العظيمة وصار الحكم النهائى للشعب. ومما قد يبشر بالتطور للأفضل داخل الجماعة مجموعة شباب الإخوان الذين استطاعوا تقبل الآخر واشتركوا مع تيارات معارضة أخرى – مخالفة لهم تماما فى الرأى – فى ائتلاف شباب الثورة, كما أقاموا مؤتمرا خاصا بهم لتفعيل العملية الإصلاحية داخل الجماعة, غير أن مقاطعة قيادات الجماعة لهذا المؤتمر والانتهازية السياسية التى ميزتهم إبان الاستفتاء الأخير, إضافة إلى السياسات التى ينتهجونها فى تأسيس حزبهم الجديد تجعلنا نتحفظ على حجم الإصلاح الممكن حدوثه. إذن الحل فى الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة القائمة على الأخلاق والمبادئ الإسلامية الخليقة بتقدمنا وعودتنا إلى الريادة كما حدث فى عصور ازدهار الإسلام. والدول لا تتقدم إلا بالحفاظ على المبادئ التى تصونها سيادة القانون وهو ما انتهجته الدول الغربية التى تقدمت بالفعل. ولعلنا جميعا نذكر كيف غضب المجتمع الأمريكى من رئيسه الأسبق بيل كلينتون لأنه كذب عند حلف اليمين أكثر من غضبه من جريمة التحرش الجنسى نفسها؛ إذ رأوا لها مبرراتها – من وجهة نظرهم – أو أحسوا بدوافع أخرى خفية موتورة وراء الاتهام، بيد أنهم لم يجدوا سببا مقنعا لحنث اليمين بقول الحق وإنكار العلاقة من أساسها. وبدون حماية القانون للأخلاق والمبادئ فإنها لا تقوى على الاستمرار لهذا شرعت القوانين. وعلى رأس المبادئ التى يحميها القانون مبدأ العدل الذى أمر به الله سبحانه وتعالى "إن الله يأمر بالعدل"؛ لذلك قد يبرىء القانون مائة مجرم مخافة ظلم برىء واحد.