بقلم د. ياسر الدرشابي // صحيح أن الشعب المصري شعب طيب و قلبه أبيض و سرعان ما ينسي الإساءة و لكنه شعب عزيزاً ذو إرادة و كرامة لا ينسي أبداً إهانة كرامته أو الإستخفاف بعقله و لو ظل صابراً صامتاً شهوراً أو سنيناً فدائماً يأتي اليوم الذي يقوم و يثور و يُحاسب من أهانه أو إستخف به. بل إن هذا الشعب الصبور في غير إستكانة، الصامت علي غير ضعف قد يعصر علي نفسه ألف ليمونة و ينتظر مترقباً، معطياً الفرصة بعد الفرصة لقياداته أن تبادئ بإصلاح ما أفسده الفاسدون بدون تفعيل مبدأ "إللي يحب النبي يزق" و لقد صبرنا و إبتلعنا مالا تتقبله عقول أو تهضمه بطون، بلعنا قصه الإرتجاف الأذيني و كأنها من قصص الأطفال التي يحكيها بتاع البيانولا في إحدي جلسات الحوار لإسترداد الحرية و الكرامة و بناء المستقبل، فينفض المفكرين المتحاورين و يفشل الحوار ليذهب الجميع ليسقف مع بتاع البيانولا. بلعناها و مازالت في بطوننا و لن نخرجها حتي نري من الذي سينتصر العقل و المنطق وإرادة الشعب أم بتاع البيانولا. أما ما لم يستطع الكثيريين إبتلاعه حتي الأن هو مسرحية الذبحة القلبية بطولة الفنانة سوزي ثابت. فبالرغم من إنها مسرحية للأطفال إلا أن الكبار رفضوا حتي الإستخفاف بعقول أطفالهم إلي هذا الحد. ففي المشهد الأول تصاب الفنانة سوزي بألم في صدرها و تصيح " قلبي قلبي قلبي" بعد إبلاغها بقرار حبسها علي ذمة التحقيقات. و يحتار الأطباء في هذا المرض المفاجئ العجيب، فلا يجدون إلا أن يقولوا إنه إشتباه في إصابة أو إصابة بإشتباه ذبحة قلبية. و لزوماً للحبكة الدرامية يحاول المخرج أن يُجمع كل ما يستطيع ليجعل الجمهور يتعاطف مع الفنانة التي لا تساعدها إمكانياتها علي إقناع هذا الجمهور، فيضيف الأطباء أن الفنانة ضغطها مرتفع و تبكي و حالتها النفسية مش ولابد و قد تحتاج إلي "جراحة" قسطرة ... يالها من مصيبة تدمي العيون و تقطع القلوب و تنهك العقول. و هنا يبدأ تعاطف الجمهور الذي إعتاد أن يتلقي المصائب الفادحة و معها الكثير من الذبحات و الجلطات و الأورام و درجات الجنون التي لا يعرفها احد. و في ذروة الألم و حزن الجمهور علي الفنانة يظهر فجأة الفارس المغوار و معه إكسير الحياة. الفارس إسمه الكسب غير المشروع و أيضاً إكسير الحياة غير مشروع. يقوم الفارس بتكسير القيود و تحطيم الجدران حتي يصل إلي الفنانة المريضة فيبادرها بقرار الإفراج فتختفي الذبحة القلبية في الحال و تنهض الفنانة في حيوية و نشاط لتمتطي الحمار الأبيض خلف الفارس المغوار و لا نسمع عن مرضها للأبد بعد ذلك. و لكن الجمهور لا يسقف و لا يقتنع... فإذا كان الكسب يمتلك هذا العلاج السريع و الفعال لعلاج الأزمات القلبية و الذبحات فلماذا تركنا لسنوات طويلة فرائس لأمراض القلب التي قتلت و تقتل الملايين. و بدلاً من أن يخرج الجمهور مبتسماً راضياً، خرج في مظاهرة حاشدة يهتف بعلو صوته " الشعب يريد علاج الذبحات" و طبعاً يقصدون علي طريقة الكسب و إكسير الحياة غير المشروعين. صبورة يا مصر